13/01/2022 - 16:14

بداية الغزوة الحالية: "انتقلنا من الدفاع إلى الهجوم"

جاء بينيت مسلّحًا بائتلافه الذي يضم "القائمة العربية الموحدة" و"ميرتس" بعربها ويهودها، الحزبين اللذين أعلنا الولاء للائتلاف الحاكم ويلتزمان به. ولن تسعف أحد تلك البدعة السياسية التي تتردّد، مؤخرًا، بأن "التواجد في الائتلاف أصعب بألف مرة من التواجد في المعارضة"

بداية الغزوة الحالية:

من مواجهات الأربعاء (أ ب)

قبل أسابيع قليلة، وقف نفتالي بينيت على تلّة مشرفة على رهط في النقب وصرّح بأن الدولة سوف تنتقل إلى الهجوم. والهجوم باللغة الإسرائيلية يعني العدوان المتجدّد وغزو ما تبقى من وجود عربي في هذه المنطقة من فلسطين، والتي باتت ذات أهميّة إستراتيجية في المخططات الإسرائيلية الأمنية والاقتصادية وفي مجال التجارة العالمية، مستندة إلى شبكة العلاقات الإقليمية، وبالذات الإماراتية، واعتمادًا على ولي العهد السعودي الواعد لها حين يرث أبيه.

سعت إسرائيل على مدى السنين الطويلة إلى إنهاك أهل النقب بالاقتلاع والطرد وهدم البيوت والبلدات وإبادة المحاصيل، وبالذات زراعة القمح بالطائرات الرشاشة للمبيدات الكيماوية. ثم انتقلت إلى إبادة الزراعة بتجريفها سنويا ومصادرة قطعان الغنم والإبل، ثم أغرقت المنطقة بالجريمة والسلاح، واستنزفت طاقات هائلة من أهلها عسى أن يكون ذلك ميسّرا لمخططاتهم. كما سعت إلى استمالة مجموعة من جماعة "أبو يائير"، مستعينا بالميراث الاستعماري الأشمل تاريخيا والذي مارسه حزب الـ"مباي" (العمل لاحقا). إلا أن نفتالي بينيت، صاحب النظرية والممارسة الاستعمارية الاستيطانية الأعنف، والمنطلق من أن المستوطنين هم "طلائع الصهيونية الراهنة"، والمسؤول السابق في مجلس المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، بدأ عدوانه الحالي بالتهديد والوعيد من على التلة المذكورة. فالاستيطان، بالنسبة له كما لتاريخ الصهيونية، يبدأ من التلال، وإذا لم يكن كذلك فيستعيض عن التلّة بما درجت تسميته "البرج والسور" أو بإقامة معسكر جيش بمحاذاة المكان المسلوب، ليحمي ما سلبوا من أصحاب الحق.

جاء بينيت مسلّحًا بائتلافه الذي يضم "القائمة العربية الموحدة" و"ميرتس" بعربها ويهودها، الحزبين اللذين أعلنا الولاء للائتلاف الحاكم ويلتزمان به. ولن تسعف أحد تلك البدعة السياسية التي تتردّد، مؤخرًا، بأن "التواجد في الائتلاف أصعب بألف مرة من التواجد في المعارضة"، وأن "المسؤولية تجاه المجتمع تحتّم ذلك". وكأنّ الانضمام الطوعي للائتلاف الإسرائيلي الحاكم، وعلى حساب الأخلاقيات الوطنية هو تضحية، وكأنه يمنح عرب الائتلاف قدرة تأثير على أداء الدولة. إنها شراكة في الائتلاف الحاكم، لكنّها ليست ولم ولن يكون شراكة في الحكم، وهي أصلا مرفوضة وطنيا أيضًا.

سعت الحكومة إلى أن تظهر بأنها لا تنفّذ تهديدات رئيسها مباشرة، بل أحالت المهمة إلى إحدى أهم الأدوات الاستعمارية للمشروع الصهيوني في فلسطين، ألا وهي الـ"كيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق القومي اليهودي/ الصندوق الدائم لإسرائيل)، مسنودة إلى فتوى حاخامية وسياسية بأن "عام الشميطا" الذي يحلّ مرة كل سبع سنوات وفي هذا العام، والذي تمنع فيه الشريعة اليهودية من زراعة الأرض أو قطف ثمارها في "البلاد المقدسة"، لا يسري على ممارسات الـ"كيرن كييمت" في النقب بصفتها ضرورة قصوى "لصالح الشعب اليهودي"، لتقوم بتشجير عشرات ملايين الغرسات في المكان، بينما دور الدولة هو حمايتها وتجريف 55 ألف دونم من أراضي العرب الفلسطينيين، وبناء التلال الاصطناعية والسدود ثم التسييج لتحول دون دخول أصحابها إليها. ثم تحميها قوانين الأرض والأحراش والزراعة. إلّا أن هذا الأسلوب ليس بجديد، فهو مصاغ في جوهر الصهيونية وفي الجريمة الكبرى، أي نكبة العام 1948 المتأصّلة في روح الدولة، وبالذات في روح الحكم العسكري بعد الاحتلال الأوّل، حين دأبت الدولة على استخدام منظومة "المناطق المغلقة" كي لا تعود الناس إلى بلداتها وبيوتها وممتلكاتها، قبل أن يصبحوا لاجئين في الشتات، وجزء منهم في الوطن.

وللتذكير، فإنه وإن كانت إسرائيل تستغل حالات الحرب لتقوم بأعمال طرد أو مصادرة أو نهب، وذلك منذ مجزرة كفر قاسم وحتى اليوم، ففي النقب استغلت كل اتفاق "سلام" مع أية دولة عربية لتصادر وتنهب، فعلى خلفية اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر قبل أربعة عقود ونيّف، صادرت إسرائيل مليون دونم من الأراضي العربية في النقب، والآن تبني مشاريع إستراتيجية مع الإمارات في نقل الغاز المسيّل عبر أراضي النقب إلى أوروبا، وكذلك ضمن مخطّطات السيطرة في البحر الأحمر وشرقيّ أفريقيا. هذا كله ناهيك عن الاقتلاع والتطهير العرقي وتهجير البلدات العربية الفلسطينية في شماليّ النقب، وهي المنطقة الأفضل للزراعة والأكثر خصوبة.

إنّ الغزو الحالي للأراضي العربية في النقب وحملة القمع التي ترافق آلة العدوان هو بحجم جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، كونه يشكل عملية تطهير عرقي وإرهاب دولة، وهذا ما ينبغي أن يصل إلى لجنة التحقيق المنبقة عن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، المعنيّة بجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين، كما أن يصل إلى كل المحافل، إلا أنّ ما يردع حكومة الغزو، هو ليس التغيّب عن جلسات الكنيست وإنما إسقاطها. التغيّب عن جلسة كنيست إسرائيل ليس نضالًا. لكن لا يغرّنّ أحد بأنّ ما يجري هو سياسة حكومة فحسب، بل إنه سياسة الدولة العميقة بروحها الاستعمارية العدوانية من بن غوريون وحتى بينيت، وما يردع هذا هو قوة النضال الشعبي والصمود العربي الفلسطيني في النقب وليس فقط في النقب. فالنقب هو أرض المواجهة الحالية، لكن النقب هو لأهله المباشرين، وكلنا أهل النقب كما الجليل والساحل والمثلث وكما هو حال فلسطين. أكثر ما يثلج القلب هو الحضور القوي والفعّال والمؤثّر للأجيال الصاعدة في النقب، التي تحمل راية الكفاح وهي الضمانة بأن الطريق الكفاحي الطويل سيتواصل، وهو ما من شأنه أن يردع المشروع التصفوي الاستعماري. الحرية والكرامة الوطنية هما بقدر ما نناضل من أجلهما.

التعليقات