21/02/2022 - 18:02

هل يفجّر الشيخ جراح انتفاضة جديدة؟

إن التخوّف الذي تعبّر عنه المؤسسة الصهيونية من حدوث سيناريو انتفاضة جديدة في أقل من عام، يعكس ما تركته "انتفاضة الأمل والكرامة" من جرح غائر في الذهنية الصهيونية، ومن تآكل في قُدرة الردع، وفي المكانة الدولية.

هل يفجّر الشيخ جراح انتفاضة جديدة؟

عناصر الاحتلال تعتدي على متظاهرين ("أ ب")

كيف تحوّل حي صغير في مدينة فلسطينية كبيرة، بل أهم المدن، إلى مفجرٍ لانتفاضة عارمة؛ وكيف أن هذا الحي، لا يزال يشكل مصدر قلق وخوف لدى نظام الفصل العنصري الاستعماري، مرة أخرى، من إمكانية أن يفجر مواجهة ميدانية شاملة محتملة في الأسابيع المقبلة، كالتي شهدتها فلسطين في أيار/ مايو الماضي. وكيف ضخّ صمود أهله وحراكاتهم حياة جديدة في عروق هذا الشعب، وألْهَم أجيالا جديدة في معركة البقاء والتحرر المستمرة؟

منذ أكثر أسبوع تنشغل وسائل الإعلام الصهيونية بما يجري في الشيخ جراح، وتذكر شهر رمضان القريب باعتباره الشهر الذي تفجرت فيه تلك الانتفاضة العارمة العام الماضي، وتُحذر من سيناريو مشابه، وذلك بعد أن أقدم المأفون إيتمار بن غفير على نقل "مكتبه" إلى هذا الحي المستهدَف، ما أشعل مواجهات جديدة مع أهالي الحي والمتضامنين معه. والهجوم المتواصل على هذا الحي ليس إلا فصلا من فصول المخطط الاستعماري الأكبر، ألا وهو حسم مسألة السيادة على عاصمة فلسطين، كل فلسطين، العتيدة.

ومن مؤشرات القلق الجدي من هذا السيناريو هو انشغال المؤسسة الصهيونية الرسمية نفسها بإمكانية حدوثه، فعندما يطلق رئيس حكومة المستوطنين الأكثر تطرفًا، نفتالي بينيت، تحذيره لعضو الكنيست الموتور بن غفير من مغبّة التسبُّب بانفجار الوضع، بسبب تصرفاته الرعناء، يعني أنها تقرأ ما يعتمل تحت السطح من غضب وغليان، وأنها تأخذ الأمر بجدية.

خلاف حكومة الأبرتهايد الحالية مع بن غفير هو شكليّ، وهو تنافُس داخلي على وتيرة سير المشروع الاستيطاني الاقتلاعي، وفي سياق الصراع داخل اليمين الاستيطاني على قيادة النظام، ومواصلة تنفيذ المخطط التهويدي. وبالنسبة لحكومة بينيت، ففي هذه الحالة العربية والدولية المريحة، لا يحتاج كيان الأبرتهايد لمواجهات ومنغصات طالما أن مشروعه الإجرامي يمضي دون مساءلة دولية، وطالما التيار العربي المتصهين، سواء ذلك الجزء المندمج في حكومته، أو تلك الأنظمة العربية السافلة التي انضوت تحت قيادته ومتفاهمة معه.

وإلى السؤال الأهم، وهو سؤال متعلِّق بالفعل الفلسطيني والحيوية التي تتكشف عند كل منعطف في طلائع نامية وصاعدة من أبناء وبنات شعبنا، تنجح في إحداث هزة في الوعي الصهيوني العام، وتوقظه من أوهامه بأنه أخمد روح الثورة ورسَّخ روح الاستسلام، التي ذوّتتها القيادة الرسمية؟

إن التخوّف الذي تعبّر عنه المؤسسة الصهيونية من حدوث سيناريو انتفاضة جديدة في أقل من عام، يعكس ما تركته "انتفاضة الأمل والكرامة" من جرح غائر في الذهنية الصهيونية، ومن تآكل في قُدرة الردع، وفي المكانة الدولية، خاصة بين الشعوب.

أما فلسطينيًا، فإن ذلك يؤشر إلى تماسُك أهالي الشيخ جراح، ومواصلة التضامُن معهم، وقدرتهم اللافتة على التواصل مع دوائر دولية، تعلن رسميا أنها تعارض انتهاك القوانين الدولية وحقوق الإنسان.

وللدقة وللتاريخ، فإن حراك الشيخ جراح ليس مقطوعًا عن السياق الشعبي المقاوم في مدينة القدس، بل هو حصيلة تفاعلات انتفاضية متواصلة ومتقطعة منذ أكثر من عقد، شهدتها جميع أحياء المدينة وساحة الأقصى المبارك. ويمكن القول إن هوية شعبية مشتركة عَصَبُها الرفض والمقاومة، آخذة في التبلور في مواجهة التفتيت، والتجزئة، وعمليات التطهير العرقي والتهويد. وهذا هو ما يخيف نظام الاستعمار الذي يبحث دومًا عن أساليب قمع وسيطرة جديدة.

لقد أثبتت انتفاضة الكرامة والأمل والوحدة الأخيرة، أن الشعب الفلسطيني قادر على تجاوز ما يبدو مستحيلا، وأن ينهض في فعل انتفاضي عارم ومتعدد أشكال الفعل. وهذا ما يُحيّر نظام الأبرتهايد، بل حتى الكثير من الفلسطينيين، وبخاصة المهزومين، وينسف توقعاتهم بعجز الضحية عن الردّ.

نعم ينجح المعتدي من خلال سياسات القمع والاحتواء في تأجيل انفجارات متلاحقة، أو في التخفيف من التوتر، ولكن لا ينجح في قتل إرادة المقهور التي تنهض عندما تحين الفرصة المواتية. وكل معركة مع المستعمر هي كَرّ وفَرّ، إلى أن يخضع المستعمِر نهائيا، ويخضَع لصوت الحق ولمنطق العدالة.

التعليقات