10/03/2022 - 17:51

"الشاباك" والتعذيب والمحامي والمعتقل... وعدالة المحتل 

تعتقد عائلة المحامي برغوث أن طارق رأى في أحمد مناصرة طفولته هو، عندما اختطفه الاحتلال من المنزل وهو في الـ12 من عمره عام 1991 للضغط على أشقائه المطاردين، ثم أعيد اعتقاله وسجنه العام التالي ولمدة سنة بتهمة رشق جنود الاحتلال

في وصفه لأساليب التحقيق في أروقة "الشاباك"، يقول المحامي الأسير طارق برغوث في مقال نشرته صحيفة "هارتس" مؤخرًا: "يتربص المحقق بالمعتقل المقيد لكرسي الشَبِح - أداة التحقيق الشيطانية والبسيطة ظاهريًا والتي تجبر الجالس عليها على اتخاذ وضعية تتسبب بألم جسدي فظيع - كالصياد المتمرس حتى تخور قواه، وفي تلك اللحظة التي يتأرجح فيها ذهن المعتقل الخاضع للتحقيق، كَباب خزنةٍ، بين آلام الظهر الحادة وبين التخيلات التي تسيطر على تصوّره للواقع وتنسج كوابيسا تمنعه من النوم".

ويضيف: "في تلك اللحظة تحديدًا، يضرب المحقق الطاولة بقبضته بقوة تحدث ضجة كبيرة يرتجف لها الجسد والروح وتنسلخ جفونك من عيونك الفاغرة من هولها، وهو يصرخ بك مبتسما بسادية: ’قِف! لم تمض 40 ساعة يقظة على استراحة نومك الأخيرة’".

تعرض برغوث مثل العديد من السابقين واللاحقين من أسرى ومعتقلين فلسطينيين، كما يقول، لهذا النوع من التحقيق/ التعذيب على مدار 38 يوما متتالية، استغرقت كل جولة تحقيق منها 40 ساعة متواصلة، لا يفصل بينها سوى استراحات نوم محددة لا تتعدى الساعة أو الساعتين على الأكثر.

والمحامي طارق برغوث من القدس، الذي عرف بصفته أبرز المدافعين عن الأسرى في المحاكم الإسرائيلية، اعتقل عام 2018 بعد مداهمة منزله بشكل عنيف، وخضع للتحقيق طيلة 75 يوما، قبل أن تحكم عليه محكمة عسكرية إسرائيلية بالسجن 13.5 عاما، وذلك بعد إدانته بإطلاق النار على جنود الاحتلال، وعلى حافلات إسرائيلية تخدم المستوطنات في منطقة رام الله، بالتعاون مع القائد في كتائب الأقصى، زكريا الزبيدي.

ونقلت الصحافة الإسرائيلية عنه لدى دفاعه عن نفسه في إحدى جلسات محاكمته قوله، إنه سئم من الدفاع عن أسرى في محاكم غير عادلة، فيما نقلت عن زوجته وشقيقه تأثره البالغ لحالة الأسيرة إسراء الجعابيص التي اعتقلت بعد إصابتها بحروق شديدة، وحكمت بالسجن 11 عاما، وأن إدخال العلاج لها كان يحتل اهتمامه اليومي، وكيف دأب على أن يحدّث أطفاله دائما عن الطفل الأسير أحمد مناصرة الذي حكم بالسجن 12 عاما.

وقد اشتهر المحامي برغوث في دفاعه عن الطفل الجريح والأسير أحمد المناصرة، الذي أثارت عملية إطلاق النار عليه من قبل الجيش الإسرائيلي مشاعر الشارع الفلسطيني.، خصوصًا بعد مشاهد دهسه والاعتداء عليه وهو جريح من قبل جمهرة من المستوطنين الفاشيين، بدعوى تنفيذ عملية طعن مع ابن عمه حسن مناصرة، الذي استشهد عام 2015.

وخلال رقوده في المستشفى الإسرائيلي أسيرا، واظب محاميه برغوث على رعايته وإطعامه والاهتمام باحتياجاته الحياتية، ثم تابع مسلسل التحقيق العنيف معه، دون أن يستطيع التأثير على مجرياته. وأثارت مقاطع الفيديو التي جرى تسريبها لاحقا، وتُظهر الضغوطات الهائلة التي مارسها محققو "الشاباك" على هذا الطفل الغض، أثارت أيضا تعاطف واستنكار الرأي العام الفلسطيني بشكل واسع.

ثم جاءت المحاكمة، التي كشفت، كما توقع، عدم عدالة القضاء الإسرائيلي، والاحتيال على القانون بتأجيل المحاكمة إلى حين بلوغ أحمد سن الـ14 ليتسنى الحكم عليه وسجنه، لأن القانون الإسرائيلي لا يجيز سجن من هم دون هذا السن، وهو ما حصل فعلا حيث تم الحكم على مناصرة بالسجن لمدة 12 عاما.

وتعتقد عائلة المحامي برغوث أن طارق رأى في أحمد مناصرة طفولته هو، عندما اختطفه الاحتلال من المنزل وهو في الـ12 من عمره عام 1991 للضغط على أشقائه المطاردين، ثم أعيد اعتقاله وسجنه العام التالي ولمدة سنة بتهمة رشق جنود الاحتلال بالحجارة، علما أنه أصغر أشقائه - في عائلة من أربعة شبان كانوا جميعا مطاردين من الاحتلال، وبدأ بزيارتهم بعد اعتقالهم في السجون الإسرائيلية منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وقبل ذلك اعتقل الاحتلال والده في مراحل مبكرة من الثورة الفلسطينية.

وبالعودة الى الأسير مناصرة، فقد أصدرت عائلته مؤخرا بيانا استنكرت فيه ادعاء الاحتلال الإسرائيلي بأن عزله في غرفة عزل منفردة، جاء لحمايته وباقي الأسرى بسبب تدهور حالته النفسية، ونوهت إلى تعرضه إلى أقسى أنواع التعذيب الجسدي والترهيب النفسي، واستخدام أسلوب التحقيق الطويل دون توقف والحرمان من النوم والراحة.

وأشار البيان إلى عزل الأسير المناصرة في معظم فترات الأسر في ظروف صعبة جدا وغير محتملة، وجعله لوحده يعاني من آلام الرأس الحادة، والضيق النفسي، والحرمان من الاختلاط مع باقي الأسرى لأوقات طويلة، وحرمان عائلته من زيارته بحجة العقاب، وفصله تماما عن باقي الأسرى وحرمانه من العلاج المناسب الكفيل بتخفيف الألم، ما أدى الى ظهور اضطرابات نفسية، والتي تفاقمت مع استمرار عزله واقتلاعه من بيته وأهله ورفاقه في السجن، كما أشار البيان إلى العوائق التي تضعها سلطات السجون في إدخال المعالجين والعلاج اللازم.

اقرأ/ي أيضًا | روسيا والناتو: تركة ثقيلة.. وآليات أثقل/ سليمان أبو ارشيد

التعليقات