27/03/2022 - 10:01

قمة الاستجداء العربي عند ضريح بن غوريون

وصل الأمر ببعض العرب إلى أن يسافر آلاف الأميال للوصول إلى مستوطنة في النقب اسمها "سديه بوكير"، فيها ضريح صانع النكبة والقتل والتهجير

قمة الاستجداء العربي عند ضريح بن غوريون

وصل الأمر ببعض العرب إلى أن يسافر آلاف الأميال للوصول إلى مستوطنة في النقب اسمها "سديه بوكير"، فيها ضريح صانع النكبة والقتل والتهجير، دافيد بن غوريون، في محاولة استجداء لأميركا من خلال البوابة أو قُل المستوطنة الإسرائيلية، لأخذ مخاوفهم من إيران بالحسبان في ظل الحديث عن إحياء الاتفاق النووي معها. و"سديه بوكير" هي المستوطنة التي عاش فيها بن غوريون سنواته الأخيرة، بهدف تشجيع الاستيطان الصهيوني في النقب.

"قمة النقب التاريخية" كما يُطلق عليها في إسرائيل بمشاركة وزراء خارجية أربع دول عربية، الإمارات والبحرين والمغرب وأخيرا مصر، وبمباركة واشنطن (والرياض!)، هي انعكاس بالأساس لفشل سياسة غطرسة القوة الإماراتية في العقد الأخير، ووصولها لطريق مسدود، لدرجة أن أبو ظبي اضطرت للتلويح أمام الأميركان أخيرًا بـ"كرت" تعويم بشار الأسد مجددًا (وهم سلخه عن إيران)؛ هذه حصيلة سياسة أبو ظبي في السنوات الأخيرة. التلويح بمومياء مثل بشار الأسد من جهة، وقراءة الفاتحة على قبر بن غوريون من جهة أخرى. ويرشح أن الأميركان قابلوا "التهديد" الإماراتي بتعويم بشار الأسد بالسخرية؛ ذلك أن همّ واشنطن الآن ليس سورية ولا إيران، وإنما روسيا بوتين. وزيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلنكين، للمنطقة، قبلها للمغرب والجزائر واليوم لإسرائيل، يأتي في سياق الحشد الأميركي ضد روسيا، ولضمان استقرار أسواق النفط والغاز عالميًا.

لا مشكلة في الاتفاق مع تحليلات إسرائيلية قائلة إنه لن يصدر أي شيء جدي عن هذه القمة، وأن أهميتها تكمن في انعقادها وليس في قراراتها، لكن يجب التشديد على أن إسرائيل لا تهمها حقًا مخاوف الدولة العربية "الحليفة"، بقدر ما ستستخدم هذه "القمم" (قبلها في شرم الشيخ)، من أجل تحصيل المزيد من الضمانات والتعويضات الأميركية على الاتفاق مع إيران.

المستفيد من هذه القمة إسرائيل. فمن جهة، ستستغل مخاوف هؤلاء العرب لتحصيل أفضل ما يمكن تحصيله من أميركا مقابل الاتفاق النووي، بالإضافة لتخفيف الضغط عليها لتبني مواقف أكثر وضوحًا وغربيةً تجاه بوتين؛ ومن جهة ثانية، ستبدو كـ"الصديق وقت الضيق" لدول مثل الإمارات والبحرين في الخليج في مواجهة إيران.

لكن إيران لها حسابات أخرى، وهي مستمرة في دعم "أنصار الله" أي الحوثيين الذي يصعدون مؤخرًا في استهداف منشآت نفطية سعودية حتى في جدة. إذ إن إيران لا تستجدي ولا تحاول الاستعطاف، بل تفرض مطالبها بالقوة وبالتفاوض.

فلسطينيًا، قد يكون الغياب عن مثل هذه القمم أفضل بكثير من المشاركة الصورية فيها، ولأن ثمن هذه المشاركة سيكون بيع الأوهام مجددًا عن "عملية سياسية" بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، خصوصًا وأن الموقف الفلسطيني الرسمي (السلطة الفلسطينية) لا يعارض التطبيع بين تلك الدول العربية وإسرائيل، وإنما أقرب إلى العتب بسبب تجاهل السلطة.

خلاصة القول، إذا كان الاستجداء العربي لأميركا من البوابة الإسرائيلية مستورًا في السابق، فها هو اليوم علنيًا وفوق قبر بن غوريون ويصل لدرجة التحالف، والمستفيد من ذلك إسرائيل فقط. بالتأكيد لا مصر ولا أي دولة عربية أخرى. بالإضافة إلى أن سلوك هذه الدول العربية المستجدي لا يزيد من قيمتها في نظر أميركا، بل بالعكس يزيد من قيمة إيران بنظر واشنطن، وتؤكد على ضرورة الحوار معها لاستيعابها أميركيا في المنطقة.

التعليقات