19/05/2022 - 16:37

انحطاط ممارسات الاحتلال ودور وزراء "اليسار"

لقد كسرت الجماهير التي انطلقت في جنازة وداع الشهيدة شيرين أبو عاقلة كلّ ذلك، وجاءت جنازة الشهيد وليد الشريف لتكرس ذلك، فجُنّ جنون الاحتلال وتصاعدت هستيريا حماقته بمواصلة عدوانه على حرمة الأموات

انحطاط ممارسات الاحتلال ودور وزراء

نقل مصابين جراء اعتداء الاحتلال على جنازة الشريف (geety images)

وصلت درجة الانحطاط الأخلاقيّ التي بلغها الاحتلال إلى حضيض غير مسبوق، بالاعتداء على الجنازات والمشيعين، وانتهاك حرمة الأموات والمقابر، والتعدي على مشاعر الناس بأسلوب بهيمي يفتقر إلى الحد الأدنى من الصفات الآدمية، ولا يقيم أي وزن للقيم والأخلاق الإنسانية التي يُفترَض أن تميز بني البشر عن غيرهم من الكائنات الحية.

ويبدو أن الاحتلال، ليس أنه بلغ أزمة سياسية وأخلاقية مستعصية فقط، بل استطاع أن ينتج قوالب بشرية تملأ البزات والخوذ والعتاد العسكري الذي تتمترس خلفه، بعمى بصيري وبصري كاملين، وهي بهذا المعنى لا تختلف كثيرا عن الخيول الشرطية الضخمة التي تدوس من يقف في طريقها، دون أن يرفَّ لها جفن، لأنها معصوبة العينين.

لقد صدم مذيع الجزيرة زين العابدين توفيق، وهو يرى منظر هذه الخيول وفِعْلها بعيونها المعصوبة، على الطبيعة في جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، ونوّه لهذا الأمر أكثر من مرة خلال تغطيته للحدث، مشيرا إلى الابتكار الاحتلالي الذي يحيّد الرهبة، وربما "الشفقة" لدى الخيول، عن طريق تغطية عيونها، فهم لا يكتفون بتدريبها على الدوس على البشر، بل يعطّلون حواسها وأحاسيسها الحية في سبيل تحقيق هذه المهمة.

ومثلما يجري تدريب الخيول والكلاب لهذه المهام، يجري تدريب وإعادة إنتاج أنماط بشرية، منزوعة من غالبية الأحاسيس والصفات الإنسانية التي فُطر عليها بنو البشر، وإلا كيف نفسّر قيام آدميين باقتحام جنازة، والاعتداء على جثمان، واحتلال مقبرة، ومهاجمة مشيعين، وغيرها من الأفعال الهمجية التي لا يقبلها عقل بشري سويّ؟ مثلما حدث في جنازَتي الشهيدة شيرين أبو عاقلة والشهيد وليد الشريف.

والحقيقة أن هذا الاستعمار الكولونيالي الجاثم على صدورنا منذ 74 عاما، اقترف قبلها وخلالها ما اقترفه من مجازر وجرائم بحق شعبنا؛ يفاجئنا دائما بما قد يصل إليه جنوده ووحداته من دَرَك أخلاقي وانتهاك للمحرمات والحرمات، بغية تحقيق أهدافه، وبدون شك، إن فرض السيادة الإسرائيلية على القدس التي تستعصي عليه، يقع في مقدمة هذه الأهداف، لا يوازيها إلا فرض السيطرة على مخيم جنين، وقمع ما يرى الاحتلال أنها "بؤرة" تمرّد على الوضع القائم، تهدد حالة "الموالاة" السائدة في كل الضفة الغربية.

القدس وجنين اجتمعتا صدفة في شخص الصحافية شيرين أبو عاقلة، التي ذهبت لتغطي اقتحام المخيم فعادت شهيدة لتشعل ساحات القدس وتكسر قيودا وتابوهات فرضها الاحتلال على الأحياء والأموات في المدينة، بينها احتجاز الجثامين وتحديد مواعيد الجنازات وأعداد المشاركين، والشعارات التي تُرفَع، وربما الآيات التي تُتلى فيها أيضا.

لقد كسرت الجماهير التي انطلقت في جنازة وداع الشهيدة شيرين أبو عاقلة كلّ ذلك، وجاءت جنازة الشهيد وليد الشريف لتكرس ذلك، فجُنّ جنون الاحتلال وتصاعدت هستيريا حماقته بمواصلة عدوانه على حرمة الأموات، وتحويل المقبرة إلى ساحة حرب استعمل خلالها القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع، وأسقط خلالها عشرات الإصابات، بالإضافة إلى اعتقال مئات المشيعين.

المواجهة في القدس مرشحة للاستمرار في الأيام والشهور، وربما السنوات القادمة، مثلما هو حال المواجهة في جنين التي ربما تكون أقصر مدى، لأن هاتين البؤرتين تشكلان تحديا لحل الأمر الواقع الذي تحاول إسرائيل فرضه على الشعب الفلسطيني، والمتمثل بتحويل غزة إلى سجن كبير، بعد فك الارتباط معها وإقامة "بنتستونات" خلف جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، تحكمها "سلطة تنسيق أمني" وتكريس ضم القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، وتحويل تجمعات فلسطينيي الداخل إلى معازل مكتظة يضرب فيها الفقر والعنف والجريمة.

أما المفارقة فهي أن هذا الحل الذي يحظى بإجماع صهيوني إسرائيلي من اليمين إلى اليسار، يحظى بحماس أكبر لدى حكومة بينيت- لبيد، ليس لأن رئيسها ينتمي للصهيونية الدينية وشغل سابقا منصب رئيس مجلس الاستيطان فقط، بل لأنها تخشى من مزاودة اليمين الليكودي، ولا تجرؤ على منع أي شكل من أشكال الاستفزاز الاستيطاني، الذي كانت حكومة الليكود نفسها ستتحاشاه وتمنعه، وقد علمتنا التجربة دائما أن الانفلات الشرطي والعسكري ضد الفلسطينيين في كل المواقع، كان أشد دائما تحت إمرة وزراء من اليسار الصهيوني، أمثال شمعون بيرس وشلومو بن عامي في يوم الأرض وانتفاضة الأقصى، وبيني غانتس وعومر بار ليف، اليوم.

التعليقات