26/05/2022 - 20:36

نحن هنا... في القدس وتل أبيب وبئر السبع

يتبدّى الصراع على السيادة عقب اندحار حل الدولتين، بأشد تجلياته في القدس وعلى القدس، حيث تتعامل إسرائيل مع رفع العلم الفلسطيني كرمز للسيادة الفلسطينية على المكان، وتعتبر القدس المكان الوحيد الذي يتم التعامل فيه مع رفع العلم الفلسطيني كجُرم

نحن هنا... في القدس وتل أبيب وبئر السبع

(Getty Images)

بعد اندحار حلّ الدولتين، الذي رسم بالتقريب حدود السيادة الفلسطينية والسيادة الإسرائيلية على الأرض، وفق تقاسُم غير عادل وافق عليه الفلسطينيون أو قيادتهم، نتيجة ميزان قوى معين لم يلعب لصالحهم، وتراجعت إسرائيل التي لم تتعاطَ معه بجدية منذ البداية، عنه نهائيا، منذ أن أعلنت عن عدم وجود شريك فلسطيني، وحتى تنفيذ سياسة الضمّ الزاحف للضفة الغربية.

بعد اندحار هذا الحلّ، أصبح النزاع على السيادة بمثابة نزاع مفتوح غير محدد بمنطقة جغرافية معينة دون غيرها، بل هو يشمل كلّ بقعة من فلسطين التاريخيّة، فالذين أرادوا أن يكون حكم مستوطنة "عوفرا" في الضفة الغربية كحكم تل أبيب عاصمة إسرائيل الاقتصادية والثقافية، كان لهم ذلك، وإن كان الفلسطيني المدفوع بضعفه لم ييأس من حل الدولتين، ولم ينتقل "سياسيًّا" إلى إستراتيجية الصراع على الدولة الواحدة، ونقل النزاع على السيادة من الأراضي المحتلة عام 67 إلى كل بقعة من أرض فلسطين، فإن الإسرائيلي الذي كان سبّاقا وقام بهذا التحول فعليًّا، أخذ يتعامل مع أيّ تحرُّك فلسطينيّ على هذا الأساس، ووفق رؤيته هو.

من هنا، يمكن فهم ردة الفعل الإسرائيلية المذعورة تجاه تظاهرات إحياء النكبة في جامعتَي تل أبيب وبئر السبع، وما تخللها من حضور كثيف للأعلام الفلسطينية، وهي تظاهرات كانت تستقبل في عهد ما كان يُعرف بـ"مسيرة السلام" الإسرائيلية الفلسطينية، بشكل عاديّ جدا، ربّما لأنّ الرسالة التي تبعثها تلك التظاهرات، أو التي كان يلتقطها الإسرائيلي في حينه، مفادها الاعتذار عن النكبة كخطأ تاريخيّ ارتكبته الحركة الصهيونيّة، بينما الرسالة التي يلتقطها الإسرائيليّ في ظروف اندحار حلّ الدولتين، هي المطالبة بتصحيح هذا الخطأ التاريخيّ، والذي تمثّل بطرد شعب من أرضه، وإقامة دولة إسرائيل على أنقاضه.

المفارقة هي أن الفلسطينيين الذين يرفعون العلم الفلسطينيّ في سماء تل أبيب وبئر السبع في ذكرى النكبة، مدفوعين أساسا في تأكيد هويتهم وانتمائهم لهذا العلم ولهذا الشعب الذي نجا رغم النكبة، من محاولات محوه عن الوجود، بمعنى أنهم يسعون لتأكيد حضور وهوية الإنسان، وليس هوية المكان، مثلما التقطت تلك الرسائل آذان يسرائيل كاتس، وآفي ديختر، وغيرهم ممن خرجوا يهددونا بنكبة ثانية.

لقد ذوّت العرب الفلسطينيون داخل الخط الأخضر، كونهم أقلية في الدولة التي أقيمت على أنقاض شعبهم، وجاء أوسلو ليعطي "شرعية سياسية" لهذا الواقع الذي بات معه رفع العلم الفلسطيني الذي "شرعنه" أوسلو، تأكيدا على حقوقنا بالمساواة كمجوعة قومية لها خصائصها، وهي جزء من شعب له الحق في إقامة دولته على جزء من أرضه، هي الضفة والقطاع.

وكان واضحا أن تحوّل رفع العلم الفلسطيني إلى ظاهرة عامة، بعد السماح به قانونيا عقب أوسلو، لم يكن يهدف إلى الإعلان عن وحدة فلسطين الجيوسياسية من البحر إلى النهر، بل إلى الإعلان عن وحدة الشعب الفلسطيني، رغم القبول بتقسيم الوطن، وأن الجزء الباقي داخل حدود كيان دولة "العدو"، هم جزء من هذا الشعب ورموزه وعلمه ونشيده، وإن كانوا لا يقعون داخل كيانه السياسي، في حين بلغت أقصى مطالب المجموعة القومية الفلسطينية داخل الخط الأخضر، الاعتراف بمواطنتها المتساوية -دولة جميع مواطنيها- وحكم ذاتيّ ثقافيّ.

ويتبدّى الصراع على السيادة عقب اندحار حل الدولتين، بأشد تجلياته في القدس وعلى القدس، حيث تتعامل إسرائيل مع رفع العلم الفلسطيني كرمز للسيادة الفلسطينية على المكان، وتعتبر القدس المكان الوحيد الذي يتم التعامل فيه مع رفع العلم الفلسطيني كجُرم يتمّ التعامل معه بأقصى درجات القمع، دون أي اعتبار، وهو ما برز جليا باعتداء جنود الاحتلال على جنازة ونعش الشهيدة شيرين أبو عاقلة لإنزال العلم.

في المقابل، تصرّ إسرائيل على إقامة ما يسمى بـ"مسيرة الأعلام" الإسرائيلية، في باب العامود وداخل أسوار البلدة القديمة، لتأكيد سيادتها على المدينة، حتى بثمن تفجير الأوضاع في المدينة والمنطقة، والقضية لا تنحصر بنفر من المستوطنين المتطرفين يشكلون عاملا ضاغطا على الحكومة الإسرائيلية، بل العكس هو الصحيح، إذ تستعمل الحكومة الإسرائيلية هذه المجموعات في استعراض القوى الذي تقوم به قواتها العسكرية في المدينة المقدسة بحجة حمايتها، وهي عمليات يُراد لها تذكير الفلسطينيين والعالم مَن هو صاحب السيادة على المدينة.

وكلمة أخيرة ليسرائيل كاتس وآفي ديختر: لا نخاف تهديداتكم، لأن بن غوريون الذي ارتكب جريمة التهجير والتطهير العرقي وتسبب بالنكبة، لم يطلق مثل هذه التهديدات، بل إنه عندما سأله رابين ماذا نفعل بعرب اللد والرملة، أشار بيده دون أن يذكر كلمة الطرد.

واليوم، رغم مرور 74 عاما، إن الشعب الفلسطيني الذي قام من تحت ركام النكبة، ينتصر في معركة البقاء وهو حاضر في كل بقعة من بقاع فلسطين التاريخية.

التعليقات