26/06/2022 - 09:15

"الحياة في ظل الموت"..

ما الذي لم نقله عن إهمال السُّلطة المتعمّد، حتى صارت تبدو أجهزة الأمن في إسرائيل متخلّفة وعاجزة، أو يحاولون إيهامنا بعجزها!

وقفة اجتجاجية ضد الجريمة وتواطؤ الشرطة في مجد الكروم (أرشيف عرب 48)

ما النهاية؟ إلى أين سنصل؟

ما الذي لم نقله عن جرائم القتل والأمهات الثكلى والأرامل والأيتام بعد؟

ما الذي لم نقله عن إهمال السُّلطة المتعمّد، حتى صارت تبدو أجهزة الأمن في إسرائيل متخلّفة وعاجزة، أو يحاولون إيهامنا بعجزها!

في مقارنة بسيطة نجد أن العجز هو فقط من نصيب الجريمة عند العرب. هذا ما تؤكده الأرقام.

القضية أعمق من "بطيخ يكسّر بعضه!" القضية هنا بدء تنفيذ ترانسفير غير مباشر! هذا بالضبط ما تقوم به السّلطات تجاه الفلسطينيين العرب في إسرائيل!

لا تستطيع أن ترتكب مجازر على طراز مجزرة كفر قاسم، ولا تستطيع أن تطرد مواطنين من وطنهم، أو أن ترغمهم على إنجاب ولد واحد فقط، ولكنها تستطيع أن تشجع الجريمة، كيف؟

ببساطة بمنح الشعور بالأمان للمجرمين حتى لمن يُلقى القبض عليه، فالأحكام مخففة جدا، ومنذ انتفاضة العام 2000، هناك فصل تام بين السلاح الأمني وسلاح الجريمة، حيث يجري التعامل مع سلاح الجريمة بتسامح كبير.

سجلت السلطات نجاحًا لا بأس به في خلق حالة ترانسفير غير معلنة، من خلال تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم!

قبل عقود قليلة، كان إذا أعرب شاب عن رغبته في الرحيل من الوطن، ردّ عليه الأهل والأصدقاء بالانزعاج الشديد!

الآن ارتفعت نسبة الأهالي الذين يشجعون أبناءهم على السّفر! تغيرت النغمة تمامًا لدى آلاف العائلات التي صارت تقول نعم لمن يريد السفر.. أصلا ماذا يوجد في هذه البلاد؟

الأمن الشخصي ليس متوِّفرًا، حتى وأنت على شرفة بيتك، ألم تقتل طفلة في روضة في بير المكسور، ألم تقتل فتاة وهي في غرفتها في كفر كنا، ألم يصب عشرات دون أن يكون لهم علاقة بالحادث؟!

كلنا متفقون على أن السّلطة ليست معنية بالعمل بجدية على كبح العنف! وفي فيلمه هذا يوضح الصورة أكثر، حول مصادر هذا العنف، فهو مرتبط أيضا بأزمة السّكن وبتقليص ميزانيات أقسام الشؤون الاجتماعية في البلديات وعدم وجود كوادر كافية من المختصّين في هذه الأقسام.

دارت هذه الدردشة بتوسّع بيني وبين المخرج بلال يوسف ابن بلدة دبورية، الذي أخرج فيلمًا وثائقيًا جديدًا بعنوان "الحياة في ظل الموت"!

شاهدت الفيلم في عرض شخصي خاص مع بلال.

يقول بلال إن فكرة الفيلم بدأت من التحولات التي رآها في بلدته، من بلد فيه الأمن والأمان، تحوّل إلى مكان يصعب العيش فيه! هذا الشعور تفاقم بعدما أنجب أطفاله الذين يشركهم في الفيلم مع زوجته كتعبير عن القلق على مستقبلهم!

"أخشى أن يخرج ابني إلى دكان على مسافة 150 مترا، لا أسمح له بالذهاب". ألم يُقتل طفل في الرابعة في ساحة ألعاب للأطفال في بير المكسور، ألم تُقتل فتاة وهي في غرفتها في كفر كنا، ألم يُقتل عدد من الناس بالرصاص "الطائش" أو "الخطأ"؟

كان معدل القتلى خمسة في العام قبل العام 2000، الآن وصلنا إلى 128 قتيلا عام 2021.

إضافة إلى مئات المصابين الذين تتغير حياة الكثيرين منهم وترافقهم عاهات!

لقد غيّر العنف نمط حياة الكثيرين، صاروا يخشون الجلوس على الشرفات، أو المرور في بعض الشوارع والأحياء في بلداتنا ومدننا.

كان مصرع الفنان شفيق كبها عام 2013 بعد سهرة فرح في أم الفحم، أحد المحفّزات للتفكير في الفيلم، شفيق المطرب الذي أحيا الأغنية الوطنية الفلسطينية من خلال حفلات الزفاف!

في تلك الفترة علّمت في كفر قرع، وتعرفت على العائلة المصابة.

علاقة العنف في أزمة السكن..

يبرز المُخرج أزمة السكن المبرمجة منهجيًا بأنها أحد عوامل العنف، فالسّكن الضّيق والاكتظاظ والصِّراع على بضعة أمتار من الأرض، حتى على موقف سيارة، تحوّل إلى مادة قابلة للانفجار من حيث لا نتوقع.

إضافة إلى هذا يبرز رفض البلدات والمدن اليهودية قبول العرب للسّكن فيها، حيث يوجد بحبوحة في أرض البناء وفي الأمن الشخصي، إذ أن سقوط رصاصة على جدار في مستوطنة شمشيت قرب عيلوط، أقام الدنيا ولم يقعدها، فجنّدت الشرطة المئات من رجالها للبحث عن مصدر الرّصاصة.

نحن نشكل نسبة 20% من السكان، ولكننا نعيش على أقل من 2% من الأرض، وحتى على هذه المساحة يحاصروننا! ومنذ النكبة لم تقم بلدة عربية واحدة، والعكس صحيح، فقد هُدمت قرى أخرى بعد قيام الدولة، وأخرى مهدّدة حتى يومنا.

في فيلمه، يحمّل قسطًا من المسؤولية إلى عملاء جاؤوا من مناطق السُّلطة الفلسطينية بحجة عدم الشعور بالأمان في الضفة وقطاع غزة، وأسكنتهم في القرى والمدن العربية، أحد القضاة الذي تعامل مع ملفات عدد كبير منهم، قدّر عددهم بأكثر من 100 ألف إنسان، وقد يواجه بعض هؤلاء الشعور بالنبذ من قبل محيطهم الجديد، وهم معرضون للتحول إلى العنف بسهولة، وخصوصًا أنهم لا يعرفون الناس، ومن السّهل تجنيد شبان منهم لصالح عصابات الجريمة.

يشارك في الفيلم المختص في علم الجريمة الدكتور وليد حداد "هناك نقص كبير في كوادر المهنيين في أقسام الشؤون الاجتماعية والميزانيات المرصودة الهادفة إلى رعاية ذوي الحالات الخاصة". حل المجالس وتقليص أو تجميد عدد الوظائف المخصصة لأقسام الشؤون الاجتماعية، في بعض البلدات أغلقوا هذه الأقسام خلال الأزمات المالية.

يضيف د. وليد حداد: "في إحدى البلدات، تعرّض سبعة أطفال للاغتصاب ولم يعالجوا نفسيًا، فماذا تتوقع منهم، أين سيكون هؤلاء في المستقبل، ومن يضمن سير حياتهم بشكل طبيعي، وألا تستغلهم عصابات الإجرام عندما يكبرون؟".

كاميرا الفيلم شاركت في المسيرة التي نظّمتها الجماهير العربية وإغلاق شارع رقم 6، تلك الصرخة التي أطلقتها الجماهير العربية، والتي لم تؤت ثمارها بعد.

موسيقى بشارة الخلّ التي ترافق العائلات الثكلى، تبرهن كم أن الموسيقى قادرة على أن تحريك الحالة في عيون مشاعرك، كأنها ظلال معتمة وبقع دماء متخثرة وأعين تحدّق في الظلام، بينما تحجب الدموع عنها الرؤية، وحزن عميق يأتي من أعماق بعيدة تصل أغوارها إلى جذور النكبة.

اقرأ/ي أيضًا | العِلم في الكِبَر..

التعليقات