18/07/2022 - 20:47

من الربيع إلى النفط العربيّ

لا يجب أن يكون ردّ المواطن العربيّ على ذلك، وقبلِه على فشل الربيع العربيّ بطرح مشروع سياسيّ ديمقراطيّ حقيقيّ متمثّلٍ بالخلاص الفرديّ، الماديّ أو الروحيّ، أي التسليم بالواقع والخروج من التاريخ.

من الربيع إلى النفط العربيّ

بن سلمن وبايدن خلال جولة الأخير بالمنطقة (Getty Images)

لا يحبّ الزعماء العرب، وتحديدًا المطبِّعين منهم، الرؤساء الأميركيين من الحزب الديمقراطيّ في العقد الأخير على وجه الخصوص؛ فأوباما الديمقراطيّ بنظرهم، قد سهَّل الإطاحة بالرئيس "المعتدِل" حسني مبارك، بل حثّه على ذلك، عدا عن وعظِه للحكّام العرب، بشأن الحريّات والديمقراطيّة... إلخ، وترويجه للنفط الصخريّ، واكتفاء أميركا الذاتيّ من البترول. لقد هجر المنطقة تاركًا خلفه أوطانا غارقة في صراعات أهليّة دامية، من العراق إلى سورية، واليمن، عزّزت نفوذ إيران، وأخَلَّت بالتوازن في النظام العربيّ القائم. أطاح بمبارك وأبقى على بشّار الأسد. أما بايدن إياه، فأراد السّيْر في طريق أوباما بالوعظ بشأن الحرّيّات، ووصَف السعوديّة بالبلد المنبوذ. ترامب الجمهوريّ كان حالة استثنائيّة في سيرة الرؤساء الأميركيين الجمهوريين والديمقراطيين أيضًا، لكن يمكن مجاراة جنونه بالمال، والتحالُف مع إسرائيل. وحتّى مقارنة ببايدن، تحسب السعوديّة لأوباما، محاولة منع إقرار الكونغرس، مشروع قرار يقضي بمصادرة أموال سعودية في الولايات المتحدة، لتعويض ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر، والذي تمّ تمريره لاحقا من خلال مجلسَيّ الكونغرس، رغم ذلك.

لكن حصَل ما حصَل؛ اندلعت الحرب الروسيّة على أوكرانيا واهتزّ النظام العالميّ (من تبعات سياسات ترامب كذلك) وتبعته أزمة طاقة عالميّة، تهدِّد الهيمنة الأميركيّة في الشرق وفي أوروبا أيضًا. لم تعد أوروبا الغربيّة، مثل الحكّام العرب، تثق بالسياسات الأميركيّة، فهي دفعت بوتين إلى الحرب في أوكرانيا، وأكثر ما تفعله واشنطن، هو التلويح بمزيد من العقوبات، فيما تقترب أشهُر البرد القارس في الدول الأوروبيّة، وبوتين قابض على شريان الغاز إلى أوروبا، وديمقراطيّتها واستقرارها في خطر فعليّ. اليمين الشعبويّ، وكذلك اليسار الشعبويّ على قِلَّته، يعتاش على أزمات الناس المعيشيّة. يتاجر باحتياجات الناس الأساسيّة وعَوَزِهم.

لكن ما يهمّنا هنا، ليس تحليل السياسات الأميركيّة، ولا الكلام الكبير عن القطبيّة الأحاديّة، وصعود الصين... إلخ. ما يهمّنا هو أنّ الولايات المتحدة كقوّة عظمى، بحاجة للنفط العربيّ، أي بحاجة للأنظمة العربيّة واستقرارها وأمنها (أمن طاقتها)، تمامًا كما في السبعينيّات والثمانينيّات، أيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتيّ. ليست ’روسيا بوتين’ اتحادًا سوفييتيًّا بالطبع.

وتعلُّق الولايات المتحدة بالنفط العربيّ، برّرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركيّة بأنّ سياسة بايدن في الشرق الأوسط، يجب أن تعطي الأولويّة للنظام على الأهداف الأخرى (أي إعادة بناء سلطة الحُكْم المركزيّة في الدولة العربيّة، وهي الخطوة الأولى الضروريّة للمنطقة، للهروب من كابوس هوبز الحاليّ -الفوضى والاقتتال الطائفيّ- بحسب المجلّة)، أي التعامل مع الأنظمة والقادة الذين تلطّخت أيديهم بالدماء، إذا كان ذلك يخدم مصالح الولايات المتحدة، إذ تعتقد "فورين أفيرز" أنّ "الخيار أصبح الآن بين الحُكْم القاسي وعدم الحُكْم. بمجرّد إقامة النظام، ستكون هناك فرصة للتنمية الاقتصاديّة والتقدُّم السياسيّ...".

يفسِّر ما كتَبَتْه المجلّة أعلاه قبل ثلاثة أو أربعة أشهر من زيارة بايدن للسعوديّة، جوهر السياسة الأميركيّة بالنسبة لشعوب المنطقة، وحديث بايدن أكثر من مرّة عن الاستقرار (أي ضخّ مليارات الدولارات من قِبل أنظمة عربيّة لشركات الأسلحة الأميركيّة، وهذا لا يقلّ أهميّة عن موضوع الطاقة) في المنطقة. بمعنى أنّ لسان حالهم يقول: لقد طويْنا صفحة الانتفاضات الشعبيّة العربيّة –الربيع العربيّ– والحديث عن حقوق الإنسان والحرّياّت والديمقراطيّة، فـ"الخيار الآن بين الحُكم القاسي وعدم الحُكم"، بين بشّار الأسد وتنظيم "داعش" مثلا. سبحان الله، إنها المقاربة ذاتها التي يتبنّاها أنصار الطُّغيان من المحيط للمحيط، على اختلاف دوافعهم!

لكن عند الحديث عن "الشعوب البيضاء" يبقى بوتين بالنسبة لأميركا طاغية، وحُكمُه مستبدّ، والأوكرانيّون والروس ضحاياه... أما نحن، الشعوب العربيّة، فلا قيمة لنا في نظرهم، إلّا أنه هناك بيننا من يريد أن يفرزنا اجتماعيًّا، بين "محافظ" و"غير محافظ" (ليبراليّ بحسبه)، علمانيّ ومتديّن، بعدما فرزتنا إيران طائفيًّا.

ماذا إذن؟

سوف تستقوي الأنظمة العربيّة على شعوبها أكثر في ظلِّ تعلُّق أميركا بالنفط العربيّ، فهي تخاف من تداعيات أزمة الغذاء والطاقة شعبيًّا، رغم شعورها وتقديرها أنها هزمت الانتفاضات الثوريّة.

لا يجب أن يكون ردّ المواطن العربيّ على ذلك، وقبلِه على فشل الربيع العربيّ بطرح مشروع سياسيّ ديمقراطيّ حقيقيّ، بالخلاص الفرديّ، الماديّ أو الروحيّ، أي التسليم بالواقع والخروج من التاريخ، بل يستدعي من بين ما يستدعي؛ السَّعي إلى وحدة المجتمعات العربيّة أمام مشاريع الانطواء السياسيّ، والفرز الطائفيّ والاجتماعيّ المصطَنَع، وتحديدًا في فلسطين، بموازاة التمسُّك بالنضال من أجل العدالة والحرّيّات والديمقراطيّة.

التعليقات