21/08/2022 - 13:06

الاحتلال يحارب حبة الدواء وحبّة البندورة 

أغلقت سلطات الاحتلال في الأسبوع الماضي، عددًا من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية، واستولت على ملفات ومعدّات عدد منها.

الاحتلال يحارب حبة الدواء وحبّة البندورة 

بعد اقتحام واحدة من المؤسسات الفلسطينية في رام الله (Gettyimages)

أغلقت سلطات الاحتلال في الأسبوع الماضي، عددًا من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية، واستولت على ملفات ومعدّات عدد منها.

لم يأت هذا القرار عبثًا، فهو يشير إلى أن النشاط السلمي لمؤسسات المجتمع المدني يضايق سلطات الإحتلال ويزعجها، فهي تفضح ممارساته وجرائمه بصورة علمية توثيقية وحقيقية، ومن خلال العمل الميداني والاشتباك المباشر في مواقع التّماس ومواقع الصراع وملفاته، وتدعم صمود الفرد والأسرة والمجتمع الفلسطيني.

لهذه المؤسسات علاقاتها الدولية، وهذا انعكس على حملة الاستنكار الواسعة على صعيد دولي لهذه الحملة، والتي رأت فيها تضييقًا إضافيًا على هامش حرية العمل والقرار المتاحة من خلال هذه المؤسسات.

هذا يعني أن الاحتلال لا يتقبّل أي لون أو شكل من أشكال القرار المستقل، حتى لو كان هذا في تضميد جراح مصابين أو دعم أسر ضعيفة، أو مساعدة فلاحين في تسويق محاصيلهم، أو حماية حقوق أطفال، وفضح الممارسات الاحتلالية الهمجية ضد كثيرين منهم!

يقول الاحتلال بهذا أنه لا مكان حتى للحلم بالحرية، ولا حق لأحد بأن يتخذ قرارًا مستقلا عن سلطته، وأنه لا مكان لمن يعارض إرادة ورواية الاحتلال! وبهذا يهدف إلى زيادة الإحباط، وكسر إرادة الصمود، وبأن يقول بأنه هو صاحب القرار الوحيد بين النهر والبحر في كل مجال ومجال، حتى أصغر الأمور.

يحارب الاحتلال أي نوع التنظيم، فهو يريد للمجتمع الفلسطيني أن يغرق في الفوضى، أن يتفكك، وفي صراعات حتى في أبسط الأمور، فالتنظيم مهما كان بسيطا يعني القوة والحصانة للمجتمع، فعشرة منظمون أفضل من ألف متفرقين.

يريد الاحتلال كتم الأصوات، ووضع عصّابة على الأعين، كي تمضي مخططاته بصمت.

يريد الاحتلال رواية واحدة ووحيدة لكل ما جرى ويجري هي روايته، فهو لا يتقبّل وجود آخرين ينقلون الحقائق للعالم، سواء كان العالم الواسع أم العالم العربي الذي يبدو أنه يحتاج إلى تذكير مستمر بما يجري على أرض الواقع للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.

الاحتلال لا يتقبّل وجود زراعة فلسطينية نامية ومزدهرة وتعود بالفائدة على أصحابها، لأنها تمنح الناس شيئًا من الاستقلالية والثقة بالنفس، وتعني ارتباطهم وتمسّكهم بالأرض أكثر وأكثر وعدم التفريط بها، يعني أن تعمل فيها أسر كثيرة وتعتاش منها.

الاحتلال يريد من الشعب الفلسطيني ممثَّلا بسلطته الحالية أن يكون ملحقًا لإسرائيل في كل صغيرة وكبيرة، ابتداء من شربة الماء، إلى المنتوج الزراعي والصناعي، إلى التصريح في العمل إلى حبة الدواء وزرِّ البندورة وكرسي البلاستيك والاستيراد والتوريد، فلا سلطة سوى سلطته!

يرفض الاحتلال التقارير الطبية التي تصدرها الجهات الفلسطينية في حالات سقوط شهداء أو جرحى، فهو دفن حقائق قد يُحرجه بعضها، فهو يتنكّر لجرائمه بصورة منهجية، ويحمِّل المسؤولية دائماً للضحية، أو لجهة مجهولة، ثم يحقّق مع نفسه، والنتائج معروفة مسبقًا.

من جهة أخرى فإن لجوء الاحتلال إلى إغلاق مؤسسات المجتمع المدني، لا يظهر بطشه وقمعه فقط، بل يظهر ضعفه أيضًا أمام نضال سلمي منظَّم مبني على الإيمان وقوة الشعب والثقة بقدراته، والتواصل مع العالم الخارجي، بمنهجية ومصداقية، فشعبنا ليس بحاجة إلا للحقائق وهي ما يريد الاحتلال إخفاءها.

مهما بدا الاحتلال قويّا عسكريًا، فهو ضعيف أمام المواجهة السِّلمية التي سلاحها إظهار الحقيقة أمام العالم! وهذا يربكه، لأنه اعتاد على الانفراد بالساحات الدولية مستغلا موجات العداء للعرب والمسلمين.

لا يستطيع الاحتلال الرّد بالطائرات والمدفعية على مؤسسات مدنية، ولهذا يغلقها بالحجج الممجوجة نفسها.

ما قام به الاحتلال يؤكد على أهمية هذه المؤسسات وضرورة العمل على إسماع صوت الاحتجاج على إغلاقها إلى كل مكان في العالم، والسعي لأجل إعادة فتحها.

اقرأ/ي أيضًا | سلمان رشدي ورائد صلاح

التعليقات