04/09/2022 - 17:08

ليست "مجرَّد أنثى"...

ضمن برنامج نادي القراء استضافت المكتبة العامة على اسم سميح القاسم في مجد الكروم، المترجمة سوسن كردوش قسيس والباحث أ.د. مصلح كناعنة.

ليست

ضمن برنامج نادي القراء استضافت المكتبة العامة على اسم سميح القاسم في مجد الكروم، المترجمة سوسن كردوش قسيس والباحث أ.د. مصلح كناعنة.

تعيش سوسن كردوش-قسيس نصراوية الأصل في الدانمارك، منذ العام 1993، وهي حاصلة على ماجستير في الأدب العربي من جامعة حيفا، ترجمت من الدانماركية إلى العربية، عددًا من الروايات وقصص الأطفال لكتاب دانماركيين.

وجرى اللقاء تحت عنوان "مجرّد أنثى"، وهو عنوان رواية للكاتبة والصحافية الدانماركية ليزا نورغورد.

بيع من "مجرّد أنثى"، نصف مليون نسخة في الدانمارك، وتُرجمت إلى عدة لغات، وعندما نقرأها نفهم سبب انتشارها وشعبيتها.

تكمن أهمية الرواية بأنها سيرة ذاتية للكاتبة، كتبتها بطريقة ساخرة ولاذعة منذ ولادتها عام 1917 حتى بلوغها سن الثامنة عشر.

يتّضح للقارئ أن البلد الذي يُعتبر اليوم من البلدان المتقدمة جدًا في مستوى الحياة ونوعيِّتها، لم يكن في حالة أفضل من بلد مثل فلسطين في تلك الحقبة.

تعالج الكاتبة موقف المجتمع والأسرة والمؤسسة من الأنثى، فالمرأة تشعر بالحرج عندما تنجب أنثى، والرَّجل يُصرُّ على إنجاب الذّكر، ويفرح فيه أكثر من الأنثى، حتى أنَّ الأم تغطي وجهها خجلا، عندما تبشرها القابلة بإنجاب طفلتها الثانية.

قيود على الأنثى، في مجال التعليم والعمل، وحرمان من حياة عادية وطبيعية، بينما حظي الطفل الذكر بالدلال والحرّية.

من خلال نظرة الطفلة ثم الفتاة المراهقة نطلع على حياة المجتمع الدانماركي بتفاصيلها الدقيقة، التي لا يمكن أن نعرفها من غير عمل روائي كهذا، حتى لمن يعيش اليوم في الدانمارك.

هذا الانكشاف ما كان ليكون لولا التَّرجمة المهنية التي تشعرك كأنك تقرأ الرواية في لغتها الأصلية.

تعرَّضت الدَّانمارك للغزو النازي مع بدايات الحرب العالمية الثانية عام 1940، وبعد تحرُّرها عام 1945 انطلقت بروح جديدة، الأمر الذي يعني أن ما حققه الشعب الدانماركي خلال عقود قليلة بعد الحرب العالمية وبسرعة هائلة، غيّر الكثير من العادات الاجتماعية ومستوى الحياة وحتى النظرة الفلسفية للحياة وبالطبع للمرأة التي وصلت إلى أعلى المراتب في كل المجالات، حتى رئاسة الحكومة الدانماركية.

تحوّل الشّعب إلى البساطة في كل شيء، وهو بعيد عن "الجخّ" فمعدل عمر السيارات على الشوارع 2003، ولا تخجل سيدة دانماركية ميسورة من التباهي بشراء قميص مستعمل بسعر مغرٍ (100) شيكل مثلا.

في الوقت ذاته فالشعب منتجٌ ونشيط، ويرسل إلى العالم قائمة طويلة من المنتجات مثل الأدوية والحواسيب والمعدات الكهربائية والأجهزة البصرية والأثاث والسّيارات، ثم اللحوم والأجبان وأنواع من البيرة.

إذا كانت الترجمات إلى العربية قليلة جدًا مقارنة بما ينقل إلى العبرية مثلا، فإن ما ينقل من العربية إلى اللغات الأجنبية أقل بكثير ونادر، ولأسماء محدودة جدًا، وهذا يحتاج إلى وقفة سياسية - أدبية، فالترجمة ليست فقط للأدب، بل كذلك لتحقيقات صحفية ومواد تثقيفية ومعرفية مهمة كثيرة إلخ، ضعف الترجمات يعني جهل الآخر بما يدور على أرض الواقع في هذا البلد أو ذاك، الأقوى يترجم أكثر من لغته ومن لغات الآخرين.

أ‌. مصلح كناعنة الباحث المعروف الحاصل على دكتوراة في العلوم الإنسانية من النرويج، ذو اطلاع واسع على الثقافة الاسكندنافية، أجرى خلال اللقاء مقارنة شيّقة عميقة بين فدوى طوقان الشاعرة الفلسطينية، التي كتبت سيرتها الذاتية في مجتمع عربي محافظ جدًا في نابلس (رحلة جبلية - والرحلة الأصعب)، وبين الكاتبة الدانماركية ليزا نورغورد. إذ ولدت الكاتبتان في العام نفسه 1917، حيث تظهر البداية متشابهة جدًا من حيث نظرة المجتمعين الفلسطيني والدانماركي إلى الأنثى، فيجري مقارنات بين هذه وتلك، بل أن فدوى قد حصلت على دعم كبير من شقيقها إبراهيم طوقان وهو صاحب الفضل بكونها شاعرة، المقارنة عبارة عن بحث مستفيض بين الحالتين إلخ.

من الملفت أن ليزا كتبت روايتها الرائعة هذه وهي في سن 75 عامًا، وترجمتها الأستاذة سوسن إلى العربية عام 2017، وهي عبرة ودرس لمن يطمحون إلى الشُّهرة من خلال عمل بسيط في بداية طريقهم الأدبي.

على صعيد عام، فالشعوب التي نراها قوية وتعيش في رخاء اقتصادي، كانت قبل عقود قليلة مثل دول العالم الثالث الفقيرة والمتخلّفة، إلا أنَّ الأنظمة الديمقراطية تفجَّر وتطلق طاقات الشعوب فتبدع الحياة في جميع الميادين، بينما تبقى الشعوب المقموعة المحكومة بشتى أشكال الدكتاتوريات متخبِّطة في أوحالها الاجتماعية والسياسية، تدفع دماءها ضريبة لمجرد بقائها.

على هامش اللقاء جرى تكريم السيد محمد سعيد شعبان أبو حسام من مجد الكروم الذي يقترب من سن الثمانين، وذلك لمثابرته على حضور جميع اللقاءات التي تُجرى في المكتبة العامة منذ تأسيسها مطلع الثمانينيات، وكذلك جرى تكريم السيد عيسى حجّاج صاحب متحف زمان كان في قرية شعب، والذي وضع نصب عينيه المحافظة على التراث الفلسطيني، من خلال جمعه لآلاف من المعدات والأثاث والألبسة التي رافقت الإنسان الفلسطيني في حياته اليومية منذ كان في هذه الأرض.

التعليقات