29/01/2023 - 19:23

إسرائيل والمتلازمة الأمنيّة

لم تعد إسرائيل تحتكم لتعزيز نزعتها الاستيطانية إلا لمسطرة الأمن، وفي شكله المسلح تحديدا. مما يُنبئ بمستقبل من المواجهة والدم.

إسرائيل والمتلازمة الأمنيّة

عناصر أمن إسرائيلي في القدس، حيث نُفِذت عملية (Getty Images)

عمليتان في القدس في أقل من 15 ساعة، الأولى نُفذت مساء يوم الجمعة، في مستعمرة "نافيه يعكوف" شمالي القدس المحتلة، وقُتل فيها سبعة مستوطنين، وجُرح آخرون، من مسدس لم يتجاوز عمر حامله الـ21 عام هو الشهيد خيري علقم. بينما نُفذت العملية الثانية صباح يوم أمس السبت في حي سلوان المُسمى إسرائيليا "مدينة داوود"، وأُصيب فيها مستوطنان، وُصفت حالة أحدهما بالخطرة. بينما اعتُقل منفذ العملية محمد عليوات الذي لم يتجاوز عمره الـ13 عاما!، بعد تحييده برصاص مستوطنين في الحيّ.

يعرف الإسرائيليون أن تنفيذ العملتين في القدس جاء ردا على مجزرة شهداء مخيم جنين، التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي صباح يوم الخميس الماضي والتي راح ضحيتها 10 شهداء من أبناء المخيم. غير أن ما خلص إليه الإسرائيليون على مستوى الدولة والمجتمع - باستثاء بعض الأصوات المهمشة - هو الأمن وتحديدا السلاح منه.

فلا خُلاصات سياسية في إسرائيل تجاه العمليات الفدائية التي ينفذها الفلسطينيون، بوصفها رد فعل على سياسات القتل والتنكيل والاحتلال والتهويد عموما.

في اجتماع ما يُعرف بالـ"كابينيت الحكومي" الذي دعا إليه رئيس الحكومة، بيبي نتنياهو مساء أمس السبت، جرى إقرار حُزمة من الاجراءات الأمنية، على رأسها: "توسيع وتسريع منح تراخيص السلاح للمواطنين الإسرائيليين المؤهلين لحمله". هذه ليست المرة الأولى التي يُتخذ فيها قرار بعسكرة المواطنين (تعميم السلاح)، خصوصا في القدس.

غير أن ما خلص إليه الإسرائيليون من آخر عمليتين، هو أن العملية الثانية في سلوان كان عدد ضحاياها أقل، لأنه جرى تحييد المنفذ على الفور بسلاح مستوطنين إسرائيليين دون الاضطرار لانتظار وصول قوات الشرطة والأمن. بينما عدد قتلى عملية "نافيه يعكوف" جاء مرتفعا (7 قتلى) بحسب الأمن الإسرائيلي، لأنه لم يكن من بينهم أو من بين المستوطنين المارين من مسرح العملية، سلاح يُحيَّد به المنفذ.

كما تم في الاجتماع، إقرار التسريع في إجراء هدم بيوت منفذي عمليتي القدس. وقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي فعلا فجر اليوم الأحد، بمداهمة حي الطور في القدس وهدم بيت منفذ عملية "نافيه يعكوف" خيري علقم. هذا فضلا عن قرار سحب هويات وإقامة عوائل المنفذين، أو أي عائلة عربية مقدسية أخرى متورطة أو حاضنة لفعل المقاومة الذي يُسمّى إسرائيليا بـ"الإرهاب"، وحرمانهم كذلك من مخصصات التأمين الوطني الإسرائيلي.

تعتبر القدس اليوم بمثابة أكبر نقطة تماس بين الاحتلال ومستوطنيه من جانب، والفلسطينيين المقدسيين المُحتلين من جانب آخر. لذا، فإن حزمة الإجراءات الأمنية التي تم إقرارها في اجتماع الكابينيت الإسرائيلي أمس، متصلة بمدينة القدس وأهلها، ليس على مستوى الرد على رد الفلسطيني المقاوم، إنما فيها ما هو متجاوز لذلك بما يخدم سياسات تهويد المدينة وتكثيف استيطانها. وقد لا تقف سياسات إسرائيل عند هدم بيوت الشهداء ومنفذي العمليات أو سحب هويات ذويهم، ففضلا عن التسريع في تهويد مدينة القدس وتكثيف استيطانها، وعسكرة المجتمع الإسرائيلي الاستيطاني في المدينة (تسليح مواطنيها)، قد يتعزز خيار "الفصل والتهجير"، خصوصا في ظل حكومات يتحكم في مسارها ومصيرها مستوطنون.

إن سياسات الفصل والعزل والتضييق على السكان المقدسيين العرب، قائمة على قدم وساق منذ عقود. والتضييق في مقابل التهويد، ليس إلا شكلا من أشكال التهجير والتطهير العِرقي غير المباشر. غير أن إسرائيل قد تلجأ في المرحلة القادمة إلى ممارسة الإبعاد والتهجير المباشرين على مستوى عائلات مقدسية بأكملها من بعض أحياء المدينة العربية.

إن العقلية الاستيطانية - الأمنية في حالة استشراء دائم في إسرائيل، مما يجعل مصير الفلسطينيين عموما في كل فلسطين مجهولا أكثر من أي وقت مضى. فقد وَأَدت النزعة الاستيطانية في الضفة الغربية كل أفق سياسي ممكن لكيانية فلسطينية فيها. كما يبتلع شبح التهويد القدس وما تبقى من فضائها العربي - الإسلامي. فيما تشهد نزعتا الملاحقة والتمييز تجاه المواطنين العرب في الداخل، حالة تفاقم دائم. بالتالي، لم تعد إسرائيل تحتكم لتعزيز نزعتها الاستيطانية إلا لمسطرة الأمن، وفي شكله المسلح تحديدا. مما يُنبئ بمستقبل من المواجهة والدم.

التعليقات