26/03/2023 - 15:36

شوشَع الجزائري

شوشع في التاسعة والثلاثين من عمره، يمارس كرة القدم بصورة مُضحكة دون أن يقصد الإضحاك، فهو يلعب بجدية ونشاط، ويعيش وهمًا بأنه لاعب عالمي بتواطؤ من الجماهير الواسعة.

شوشَع الجزائري

فتحَت تطبيقات التواصل مثل "تيك توك" وغيرها فضاءً واسعًا للإبداع الفردي والجماعي، لدى الناس.

لا مجال فيها لتزييف أو لرشوة حكام أو انحياز لتلبية رغبات جهات معينة ذات نفوذ، فالجمهور هو الذي يحكم فيقرر أعجبني ومتابعة أو لا. هذه المنصات فجّرت قدرات لانهائية للناس من مختلف الأمم على الإبداع.

من أجمل الشّخصيات التي اقتحمت هذه المساحات الشاسعة فباتت محبوبة الجماهير هو شوشع الجزائري، أو شوشع العالمي، فقد سجَّل مئات آلاف المتابعين والمعجبين.

فماذا أحب الناس في شوشع وما سرُّ شعبيته الكبيرة!

واضح أنَّه تضافرُ جهود منظّمي دور شوشع ونشاطه مع الجمهور الواسع الداعم له، شوشع من ذوي الهمم، يعبّر عن الرّوح الجميلة للجزائريين، بل هي الروح الحقيقية للشعوب العربية عمومًا، وأعتقد أن الشعوب العربية رغم الكوارث التي حلت وتحل بها، سواء كانت من الطبيعة أم من صنع البشر، هي أكثر شعوب العالم مرحًا وقدرة على اجتراح الابتسامة، حتى في أحلك الظروف.

شوشع في التاسعة والثلاثين من عمره، يمارس كرة القدم بصورة مُضحكة دون أن يقصد الإضحاك، فهو يلعب بجدية ونشاط، ويعيش وهمًا بأنه لاعب عالمي بتواطؤ من الجماهير الواسعة.

شوشع يرتدي السِّترة رقم 10 أسوة بمشاهير الكرة العالميين، وهو بسيط جدًا، يعيش الحالة بأنّه نجمٌ كروي عالمي على مستوى ميسي ورونالدو ومحمد صلاح وبن زيمة وغيرهم من الكبار في عالم الكرة.

يلعب شوشع في الهجوم، ويسمح له الحكام بتسجيل أهداف تسلل ويحسبونها لصالحه، كذلك يمنحه اللاعبون فرصًا للتسجيل، بتواطؤ دفاع الخصم وحارس المرمى، دون أن يظهر هذا التواطؤ جليًا، وما أن يسجِّل الهدف، حتى يقوم بحركات تذكّر بالنجوم العالميين، يقفز ويقلب قلبة في الهواء، ويتدحرج في أرض الملعب أو يخلع سترته ويرميها على الجمهور، أو يأتي بحركة مشهورة للاعب عالمي، ليحتفي الفريقان بالهدف، يرافق هذا بث أصوات وتعليقات مأخوذة من أهم المذيعين الرياضيين العرب في أهم مباريات الأندية الكبيرة وحتى كأس العالم.

الجميل في الموضوع هو المشاركة الجماهيرية لصنع الابتسامة، فمئات آلاف الجزائريين يتابعونه، ومثل في العالم العربي، تجري المباريات من بلد إلى بلد حيث تستقبلهم في كل مكان جموع غفيرة من المشجّعين.

ينتظر الجمهور اللحظات التي يسجل فيه شوشع هدفًا ليراه يمارس طقوسه.

تطوّرت اللعبة، وصار شوشع نجما عالميًا يوقّع اتفاقات للعب مع هذا الفريق أو ذاك، وصار من أصحاب الأموال، وأخذتنا الكاميرا جولةً إلى بيته الجديد، وانتقاله من الفقر إلى الرفاه، ورأيناه في عيادة طبيب الأسنان يصلح ما أفسده الدهر من أضراسه، وعلى الحلاق وحوله المعجبون، كذلك رأيناه يحصل على كأسٍ مذهّبة، يبدو أنها كأس الأندية أو كأس الدوري أو حتى كأس العالم، وبين الجماهير المحتفلة بالفوز التي ترفعه على الأكتاف احتفاء، ورأيناه يرتدي الحلة الرسمية وربطة العنق بمرافقة حرس شخصي، رقية لشوشع خشية الحسد، شوشع مع والدته، شوشع في السُّوق إلخ.

روح الدعابة الجماعية أبدعت وحولت إنسانًا من أصحاب المستوى الذهني المنخفض إلى شخصية شعبية تمنح الكثير من الابتسامات للمتابعين وللمشاركين ولمشاهدي هذا المشروع.

في كل بلدة تقريبًا نجد هذه الشخصية التي يسمح لها بتسجيل هدف من منطقة تسلّل، والهدف ليس في كرة القدم، بل في مختلف جوانب الحياة، فهي تَغضب وتلعن مسؤولاً أو شخصية في أحد أجهزة العمل البلدي أو غيره وأصحاب قرار لا يجرؤ أحد على مواجهتهم مباشرة، لأنها قادرة على الإضرار بالناس، أو شخصية اجتماعية من الوزن الثقيل أو المتثاقل، دون أن تعاقَب أو تواجه بردّ فعل عنيف!

هذه الشخصية نجدها في المناسبات العامة وخصوصًا في الأفراح، يمنحها أصحاب الفرح فرصة للمشاركة مثل تقديم الماء أو توزيع السَّجائر للحضور.

وهي شخصية حيادية في الصراعات الانتخابية سواء بين أفراد أو أحزاب وفئات، ولهذا نرى الجميع يحاولون إظهارها إلى جانبهم لما تتمتع به من عفوية بلا مجاملة، أو تعقيدات، أو حسابات ربح وخسارة، تتجاوز الأطر الحزبية والفئوية والقبلية وغيرها، تحية للجزائريين على هذه الروح الجميلة.

كم نحتاج إلى روح الدعابة الجماعية وإلى المزيد من هذه الشخصيات التي لا تجامل مسؤولا وتنطق بما تشعره به بدون تزييف ولا خوف.

اقرأ/ي أيضًا | رد على مقال سهيل كيوان

التعليقات