11/05/2023 - 15:47

"لعنة غزة" ستبقى تطاردهم

إلى هذا الحد "كره" الإسرائيليون غزة وشكلت مصدر رعب لهم ولكبار جنرالاتهم حتى أن رابين تمنى أن تغرق في البحر، وعندما لم تتحقق أمنيته تنازل عنها في إطار اتفاق "غزة أولا" الذي تحول بسبب إصرار عرفات لاتفاق غزة وأريحا.

(Getty Images)

في مختصر تجربته مع غزة يقول المحامي يوئيل زينغر، المدعي العسكري الإسرائيلي الأسبق، وعضو الوفد الإسرائيلي لمفاوضات "كامب ديفيد" مع مصر ومفاوضات أوسلو مع الفلسطينيين، يقول إنه لدى إنهائه دراسة المحاماة في نطاق الخدمة العسكرية عام 1973 وصل إلى مقر النيابة العسكرية في تل أبيب، بهدف إجراء مقابلة مع النائب العسكري الرئيسي لتحديد الموقع الذي سيمضي فيه فترة تجنيده، وعندما قال له الأخير في نهاية المقابلة "اذهب إلى الجحيم" فهم دون عناء أنه ذاهب إلى غزة، لأن تعبيري، الجحيم وغزة، كما يقول، كانا وما زالا يستعملان من قبل الإسرائيليين، كلعنتين تحملان نفس المعنى.

عن ظروف خدمته في جحيم غزة يقول زينغر في مقال نشرته "هآرتس"، بعد وصولي مباشرة عرفت أنني وصلت إلى مكان "ملعون"، ورغم أن قائد المنطقة الجنوبية، في حينه، أريئيل شارون كان قد أنهى قبل أشهر من وصولي حملة استمرت لسنتين تم خلالها تصفية مئات "الفدائيين" واعتقال 2000 آخرين، فإن السفر اليومي على طول الشارع الموصل من حاجز "إيرز" وحتى مبنى الحكم العسكري في وسط غزة كان محفوفا بالمخاطر، وكان يتطلب السير بسرعة كبيرة في سيارة مغلقة النوافذ وبدون مكيف، خوفا من إلقاء القنابل اليدوية من البيارات المجاورة.

وحول طبيعة عمله يقول، سنوات طويلة كنت أرسل خلالها أناسا إلى السجن لفترات طويلة، استنادا إلى اعترافهم المكتوب الذي أخُذ دائما بناء على شهادة الشرطي الإسرائيلي الذي حصل على الاعتراف بـ"إرادتهم الحرة"، وعندما عبرت عن إحباطي وتخوفي من إرسال أبرياء إلى السجن وفق هذا الإجراء، هدأ المسؤول في النيابة من روعي قائلا "في غزة لا يوجد أبرياء، إما فدائيين وإما عملاء".

زينغر الذي عُيّن لاحقا في الوفد الإسرائيلي إلى المفاوضات مع مصر وكان من مصممي خطة الحكم الذاتي الفلسطيني في اتفاقات كامب ديفيد، يروي كيف لامه الحاكم العسكري لغزة لدى عودته من واشنطن عام 1979 على نجاح السادات في التغرير بالوفد الإسرائيلي عندما نجح بالإبقاء على غزة مع إسرائيل ولم يأخذها إلى مصر.

إلى هذا الحد "كره" الإسرائيليون غزة وشكلت مصدر رعب لهم ولكبار جنرالاتهم حتى أن رابين تمنى أن تغرق في البحر، وعندما لم تتحقق أمنيته تنازل عنها في إطار اتفاق "غزة أولا" الذي تحول بسبب إصرار عرفات إلى اتفاق غزة وأريحا الذي اندرج ضمن "اتفاقيات أوسلو".

وشارون الذي أعطى خلال إشغاله منصب قائد المنطقة الجنوبية في السبعينيات، الغطاء القانوني لوحدة "ريمونيم" التي أطلق الفلسطينيون على عناصرها "ذوي الطاقيات الحمراء" وقادها مئير دغان (لاحقا رئيس الموساد) والتي ارتكبت الفظائع بحق أهالي غزة تطبيقا لنظرية شارون في مواجهة حركة "الفدائيين" المتعاظمة.

نظرية شارون كانت تقوم على "الصدمة سبيلا للردع"، وهي نظرية تعتمد على ضرورة "صدم" الوعي الجمعي للفلسطينيين بعمليات قمع قاسية من أجل إقناعهم بأنه من الأفضل لهم ترك خيار المقاومة، وقد فوّض عناصر "ريمونيم" بشكل خاص وعناصر "لواء المظليين" بإطلاق النار على كل من هو موضع شك بالانتماء أو التعاون مع الفدائيين.

شارون أصبح كما هو معروف هو صاحب "خطة فك الارتباط" مع غزة عام 2005 والتي قامت إسرائيل بموجبها، من طرف واحد، بالانسحاب الكامل من القطاع وإخلاء جميع المستوطنات الكائنة على أرضه، وبذلك حوّل شارون أمنية رابين في تخلص إسرائيل من غزة إلى فعل، ونجحت غزة، بالمقابل، بالتحرر من قبضة الاحتلال المباشر.

لكن إسرائيل التي نجحت بالخروج من غزة فشلت بإخراج غزة منها وبقيت لعنة غزة تطارد إسرائيل، بأهلها وفصائلها وراجماتها وصواريخها التي باتت تغطي سماء عسقلان وتل أبيب وبئر السبع والقدس، لتجعل غزة في كل مكان من فلسطين وكل مكان في فلسطين هو غزة، وبعد كل عدوان يسقط فيه طفل تشتد "لعنة" غزة وتمتد لتغطي مساحة الوطن.

التعليقات