02/07/2023 - 14:57

انتفاضة الجولان...

المال السّائب يعلّم الناس الحرام، هذا في الحالة الطبيعية، والمثل في الإنجليزية يقول إنَّ الأبواب المفتوحة تُغري القديسين، فكيف وهذا المال سائب أمام حكومات قامت بالحرام وما زالت تعيش بالحرام، ولن تستمر إلا بالحرام.    

انتفاضة الجولان...

الجولانيون في مسعدة (Gettyimages)

انتفض أهالي الجولان مؤخرًا احتجاجًا على ما يُسمى توربينات الهواء المولّدة للطاقة. وهذا أدى إلى مواجهات مع قوى القمع الاحتلالية، ووقوع إصابات بين المنتفضين، وامتداد الاحتجاجات إلى داخل إسرائيل، حيث نظم الدروز في الداخل مسيرات وتظاهرات إغلاق شوارع تضامنًا مع إخوانهم في الجولان، وهذا أعطى ثمارًا مؤقتة، حيث أعلن نتنياهو عن وقف مؤقت للعمل في التوربينات خلال أيام عيد الأضحى، ولكن هذا لا يعني إلغاء المشروع حتى الآن.

الجولان كنز إستراتيجي، أرضه خصبة لزراعة التفاح والأعناب والكرز والكرمة وغيرها، وهو مصدر غني في المياه والرياح، إضافة إلى أنّه منطقة جميلة تجذب مئات آلاف السائحين سنويًا ويصل ذروته في موسم الثلوج على جبل الشّيخ الذي يزوره نصف مليون شخص في الموسم، كذلك فإن مئات الآلاف يزورون الحِمّة السورية وضفاف بحيرة طبريا الشرقية السّورية في الأصل، ومنابع البانياس وغيرها من موارد تستغلها دولة الاحتلال.

المال السّائب يعلّم الناس الحرام، هذا في الحالة الطبيعية، والمثل في الإنجليزية يقول إنَّ الأبواب المفتوحة تُغري القديسين، فكيف وهذا المال سائب أمام حكومات قامت بالحرام وما زالت تعيش بالحرام، ولن تستمر إلا بالحرام.

ضمّت إسرائيل الجولان في قانون سنّه الكنيست عام 1981، ولم تعترف به أي دولة سوى الولايات المتحدة عام 2019، عندما كان دونالد ترامب رئيسًا، وقد أطلقت سلطات الاحتلال على منطقة في جنوب الجولان اسم "رمات ترامب" تكريمًا له.

في رمات ترامب، قسائم مجّانية للبناء لجذب المستوطنين، بمساحة نصف دونم لكل قسيمة، وهي مختلطة للعلمانيين والمتدينين، طبعا لليهود فقط.

ضم الأرض السورية أو غيرها هو عمل مناف للقوانين الدّولية، التي لم تقم لها إسرائيل اعتبارًا في يوم من الأيام، وللضم ملحقات ونتائج ومنها مصادرة الأراضي.

الاحتلال يعني ضم الأرض ومصادرة مواردها الطبيعية، واستيطانها، ومضايقة أصحابها الأصليين، وإلا فلماذا وُجد الاحتلال أصلا! أليس لهذه الأهداف والأطماع؟ وهذا بالضرورة يؤدي إلى التضييق على أهل البلد الأصليين في أراضيهم وحتى نهبها أو جعلها غير مزجية.

يرى أبناء الجولان في نصب التوربينات العملاقة لإنتاج الطاقة من الرياح مقدّمة لمصادرة أراضيهم وحتى تهجيرهم، فهذا الاحتلال لن يراعي أحدًا، وأطماعه لن تتوقّف عن حدود معيّنة، وهو معروف بخداعه وخبثه، فالمؤقّت يصبح موضوع خلاف قانوني، ثم موضوع مفاوضات، ثم يجري تثبيته نهائيًا.

إذا كانت الحركة الصهيونية تدعي علاقتها التاريخية قبل ألوف السنين بفلسطين فما هي العلاقة مع الجولان؟ وما هي العلاقة بسيناء التي كانوا قد أقاموا فيها مستوطنات مثل يميت وعتسمونا وغيرها، ولم يخرجوا منها إلا بعد إصرار مصر على هدمها كجزء من عملية السّلام.

القضيّة مع الاحتلال لا تتعلق بفلسطين فقط. من كان يظنُّ أو يزعم بأن المشكلة هي مشكلة الفلسطينيين لوحدهم فهو مخطئ. وأيُّ نظام عربي يدّعي بأنه ضحى لأجل فلسطين وخصوصًا في مصر ولبنان وسورية فهو يغالط الحقيقة.

إسرائيل منذ نشوئها مدّت يدها إلى أراضي الآخرين، بدأت بفلسطين، وفي العام 1956 اشتركت في غزو مصر، ووصل جيشها قناة السِّويس بالشراكة مع فرنسا وبريطانيا حماية لمصالح الدّول الاستعمارية، وكان على مصر أن تدافع عن نفسها.

وفي العام 1967 خطّطت لغزو الأراضي العربية، فاحتلت ما تبقى من فلسطين، وزادت عليه الجولان وسيناء، وأقامت مستوطنات في قطاع غزة وسيناء والجولان والضفة الغربية، ولم تخرج من سيناء ومستوطناتها إلا بعد حرب طاحنة عام 1973، ثم عقد اتفاقية سلام مع مصر وعزل مصر عن الصِّراع. من ناحيته، انشغل النظام السّوري في الحرب الأهلية في لبنان، ثم في حرب العراق، ثم في حربه الداخلية على السّلطة.

المشاريع الاحتلالية لن تنتهي، وطالما أن الاحتلال يعتبرها أرضه في القانون، فيصبح من حقِّه استغلال مواردها، وهو ما يفعله في الضفة الغربية التي لم يضمّها رسميًا حتى الآن، ولكن الاحتلال يتصرف فيها كأنها قد ضُمّت وباتت جزءًا من إسرائيل.

صمود أهالي الجولان وتصدّيهم بدعم من إخوانهم المعروفيين في الداخل الذين تتحايد السُّلطة مواجهتهم لأسباب سياسية معروفة، ممكن أن يوقف بعض المشاريع الاحتلالية التي تمسّ مباشرة بأراضي الجولانيين وتهدّدها ولو إلى حين، فالأطماع لا تنتهي، ولكلِّ مرحلة تكتيكاتها وأهدافها.

التعليقات