13/07/2023 - 16:47

الحملة ضد لجنة المتابعة... فرصة لإعادة بناء أداة النهوض

تُشكل الحملة المسعورة فرصة لشحذ الهمم، ولإحداث يقظة في الوعي والإدراك، ولتجديد المبادرة نحو إعادة بناء المؤسسة التمثيلية العليا، لتمكين شعبنا من الصمود والبناء وتقويض منظومة الجريمة المتمخضة عن نظام الاستعمار الصهيوني.

الحملة ضد لجنة المتابعة... فرصة لإعادة بناء أداة النهوض

مظاهرة قطرية في مجد الكروم رفضا للجريمة وتواطؤ الشرطة (أرشيفية - Getty Images)

لأول مرة منذ تأسيسها عام 1982، تتعرض "لجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينية داخل الخط الأخضر"، في الأسابيع الأخيرة، لحملة تحريضية محمومة تتجه نحو تمرير قانون بحظرها. لم ولا تعترف المؤسسة الصهيونية بها رسميا، ولكن هذه اللجنة عملت طوال أكثر من أربعة عقود بأريحية نسبية، ومن دون ضغوطٍ حقيقية عليها، بل تمكنت من فرض ذاتها أمرا واقعا في ساحة العمل السياسي والشعبي، وأمام المؤسسات الإسرائيلية الرسمية. وهذا نتاج تطور العمل السياسي والوطني وبناء المؤسسات الشعبية والمهنية والحزبية، خصوصًا منذ هبة يوم الأرض المجيدة عام 1976.

وهنا ثمة مفارقة هي أن تتعرض أحزاب وحركات كبيرة، ممثلة في هذه الهيئة الفلسطينية العليا، إما للحظر، كما في حالة الحركة الإسلامية الشمالية، أو للتحريض المنهجي ولمحاولات الشطب البرلماني المتكررة وملاحقة المئات من قيادته وكوادره، في حالة حزب التجمع الوطني الديمقراطي أو في حالة حركة أبناء البلد، دون أن تتعرض لجنة المتابعة لتحريض أو لمحاولة المساس بها.

يمكن أن يفسر البعض أن ملاحقة تلك الحركات السياسية تشكل جزءًا من محاولة تتضمن إضعاف اللجنة وتهميش دورها. وبغض النظر عن نوايا المؤسسة الصهيونية، فإنه لا شك بأن هذه الهيئة أصيبت بضعفٍ أو إضعاف كبير بسبب هذه الملاحقة لتلك الأحزاب والحركات الوطنية، وبسبب لا يقل أهمية، ألا وهو القصور الداخلي.

والسؤال الذي ينشأ؛ هل هذه الحملة الصهيونية العدوانية المتصاعدة ضد لجنة المتابعة ورئيسها، والسعي لتمرير قانون بحظرها، ينبع من قوة تنظيمية أو نهضة جديدة، أو من تنامي لقاعدتها الجماهيرية، أو بسبب تطوير جديد لخطابها السياسي؟ أم هي أحد تجليات صعود النزعة الفاشية في نظام الأبارتهايد وتمدد المشروع الكولونيالي الاستيطاني في كل فلسطين التاريخية؟ إذ أن الأحزاب التي تسعى لحظرها ليست على هامش المجتمع الاستيطاني الصهيوني، أو خريطته الحزبية، كما كانت في السابق، بل في صلب بنية إدارته السياسية وفي إدارة ماكينة القتل التي بحوزتها.

أعتقد أن الجواب واضح للصغير والكبير، فالسبب يعود إلى المرحلة الثالثة التي يمر فيها المشروع الكولونيالي، والذي حسمت قيادته قرارها بضرورة تصفية البعد السياسي للقضية الفلسطينية ورموزها التمثيلية، سواء القائمة في المنطقة المحتلة عام 1967 أو عام 1948، وذلك من دون علاقة بهشاشة أو بقوة هذه المؤسسات، كهياكل وكخطاب.

وتتخذ سياسة التصفية إما شكل التقويض من خلال حظرها أو إضعافها من خلال إفراغها من وظيفتها السياسية، وتحويلها إلى مؤسسات مدنية لا تشكل أي عقبة أمام اندفاع المشروع الكولونيالي، وهي بالتأكيد شخصت نقاط الضعف تلك، وتسعى لاستغلالها في مخططها الاستعماري.

تعيش لجنة المتابعة العليا في السنوات الأخيرة أسوأ أيامها على الإطلاق، وهناك من يؤرخ لبداية هذا الانحسار إلى تشكل القائمة المشتركة، التي بدل أن تصبح رافعة لتعزيز العمل والمؤسسات الجمعية، وتطوير الخطاب السياسي، نتج عنها العكس تماما. وهذا صحيح جزئيًا، ويتحمل كل من ترأس القائمة المشتركة منذ اليوم الأول، ومن انسحب منها لاحقا وانخرط في حكومة الأبارتهايد، مسؤولية كبرى. أما السبب الأهم، فهو غياب الإرادة والرؤية لدى من يترأس لجنة المتابعة.

إن الخطاب السياسي الذي يمثله رئيس لجنة المتابعة، محمد بركة، خطاب وطني جامع يعبر عن القاسم المشترك للقوى الوطنية، ويتميز عن خطاب رئاسة المشتركة المنهارة. ولكن هذا الخطاب لم يتحول إلى ترجمة مؤسساتية مهنية، ما أضاف إلى لجنة المتابعة ضعفًا على ضعف، وقصورًا على قصور.

نواجه اليوم حملة صهيونية مسعورة على لجنة المتابعة وهو امتداد للمخطط الكولونيالي الصهيوني ضد شعبنا، وهناك توجهات بحظرها، وقمع العمل السياسي كليا، وتقويض الإنجازات التي حققها شعبنا بالنضال الطويل والتضحيات الكبيرة.

فكيف تواجه هذه اللجنة هذه الحملة وهذه السياسات العدوانية؟ وهل تستطيع بواقعها التنظيمي الحالي أن تصمد؟

كانت لجنة المتابعة تعاني على الدوام من قصور وخلل بنيوي، ومع ذلك شكلت عنوانا وطنيا، خصوًصًا في المنعطفات الكبرى. وقد كانت هناك محاولات حثيثة منذ انطلاق حزب التجمع في أواخر التسعينيات لإعادة بنائها، وتجدّدت هذه المحاولات التي انضمت إليها حركات أخرى، بعد هبة أكتوبر 2000، هبة القدس والأقصى، في محاولة لاستثمار الزخم الوطني والشعبي الذي تولّد عن تلك الهبة الشاملة، التي كانت امتدادا سلميا شعبيا للانتفاضة الثانية عام 2000. وقد مثّلتُ حزب التجمع في "لجنة إعادة البناء"، وكنت أحد الذين اعترفوا بعد سنوات طويلة من الجهد، بعدم قدرتهم على مواصلة المحاولات التي كانت تصطدم برفض مبدئي للارتقاء من قبل مركبات رئيسية فيها، إلى مؤسسة قيادية تمثيلية، مهنية ووطنية جامعة، يسندها صندوق قومي. فاخترتُ، كما آخرين، الانسحاب عام 2017، لنترك الأمر لجيل جديد يستأنف المهمة. لكن لا هذا الجيل جاء، ولا فتحت له القيادة المجال، ولم تدرك أهمية تكوين نخبة جديدة للقيادة، طالما هي عاجزة عن النهوض بها.

لقد أضعنا سنوات طويلة وفرصًا ثمينة لتقوية مؤسساتنا، وفي مقدمتها لجنة المتابعة العليا، التي كان باستطاعتها النجاح في مواجهة المخاطر الوجودية التي تحيط بنا، وأبرزها الجريمة، والتحولات الفاشية التي تهدد مستقبلنا وأمننا.

المهمة الآن، إن توفرت النية، باتت صعبة وصعبة جدًا، فالوهن يطال اللجنة والأحزاب، وكذلك علاقة الثقة بينها.

ولكن، هل نتخلى عن المهمة؟ لا أبدًا. إن الحاجة اليوم أكثر إلحاحًا. ليس الضعف هو الوجه الوحيد في المشهد، إذ هناك نهوضٌ لقوى وطنية ولشرائح شعبية، وفئات من الجيل المثقف الملتزم بالهم العام ومتصادم مع المشروع الصهيوني جذريًا، يتصاعد خارج هذه البنى التقليدية المتهالكة، سواء داخل الخط الأخضر أو في الضفة والقطاع، أو في الشتات. ما يُنتظر من تلك القوى، هو أن تبلور وعيا عميقا برؤية سياسية جامعة، وحاملا اجتماعيا يحمل التنظيم القائد الموعود.

تُشكل الحملة المسعورة فرصة لشحذ الهمم، ولإحداث يقظة في الوعي والإدراك، ولتجديد المبادرة نحو إعادة بناء المؤسسة التمثيلية العليا، لتمكين شعبنا من الصمود والبناء وتقويض منظومة الجريمة المتمخضة عن نظام الاستعمار الصهيوني.

التعليقات