01/08/2023 - 21:25

دير مار إلياس: عن الموقف والرّباط في الحراك الشعبيّ الوطنيّ

أهم ما يمكن اعتماده لاستمرار الحراك هو تعزيز الموقف الذي مثّل خطًّا وطنيًّا في المواجهة والتصدي والاستمرار في تعميم حالة وعي في أهمية الوحدة في الفعل النضالي والشعبي من أجل دير مار إلياس وغيره.

دير مار إلياس: عن الموقف والرّباط في الحراك الشعبيّ الوطنيّ

جانب من وقفة اعتصام في ساحة الدير والكنيسة ("عرب 48")

منذ نكبة شعبنا، سعت إسرائيل في سياساتها وبنيتها الاستعمارية إلى طمس معالم فلسطين التاريخية، التي انعكست بالأساس من خلال المقدسات والبلدات المختلفة، ولم يكن عبثا ما رأيناه منذ النكبة، وهو طمس مسمياتها وتدميرها كليا، وتحويل أماكن عبادة الفلسطينيين إلى خمّارات وحظائر بقر، أو غير ذلك؛ فعلى سبيل المثال، كنيسة اللاتين في مدينة بيسان، تحوّلت إلى مقرّ لليكود، وأصبحت محاطة بالأعلام الإسرائلية، تأكيدا على تغيير هويتها الأصلية.

أهم ما ميّز الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، هو سياساتها في تعميق الاحتلال والاستيطان، وأهم ما في ذلك سعيها نحو تغيير الوضع في الأقصى ومحيطه. هنالك نيّة كبيرة للاحتلال في النّيل من المسجد الأقصى، ومكانته العقائديّة والوطنيّة والثقافيّة، من أجل تعميق السيطرة عليه وعلى بواباته والبلدة القديمة.

شكّل الرباط في المسجد الأقصى نموذجا مقاوما في وجه سياسات الاحتلال، وأصبح الرباط جزءا مهمًّا في الوجود الفلسطيني؛ لذلك نرى أحيانا أنه يتمّ استهداف المرابطين والمرابطات في كل مناسبة، أو اعتقالهم أو النيل منهم، من خلال قرارات إبعاد.

إلى جانب ذلك، نرى في السنتين الأخيرتين اعتداءات متكررة على أديرة ومقابر مسيحية في إشارة إلى أن هناك خطرا حقيقيا يلحق بوجود رموز روحانية. إضافة إلى اعتداءات تمسّ الرهبان والراهبات. من المهم الإشارة إلى أن ما تسعى إليه سلطات الاحتلال الرسمية من عدائية في السياسات والمنهج، أصبح يشكّل ثقافة مجتمع كامل، بل بات منظّما بمعنى أن هذه الاعتداءات نراها إلى جانب دعم من القوى الرسمية، ومساندة منها.

وفي دير مار إلياس في حيفا، كان واضحا لنا أن هذا الاعتداء هو اعتداء منظّم، وليس فرديًّا، بل يعكس عقلية عدوانية تمثل هذه الجماعات التي تعمل ليلا ونهارا من أجل النيل من مكانة مقدساتنا، لأنها جزء من هوية المكان. ما يحدث فعليا، يعكس السّعي المنظّم المستمر لمجموعات استيطانية، ضمن إطار واضح ومعلَن من أجل الاعتداء والنّيل من قدسيّة المكان وهويّته، وبطبيعة الحال هو انعكاس لأيديولوجيا ولثقافة سائدة، تقف على رأس سدّة الحكم، وتعبّر عنها، ولا يمكن اعتبار أي عمل من ذلك فرديا أو غير واعٍ.

وبالتالي، لا يمكن عزل ما يحدث في حيفا عمّا يحدث في القدس والأقصى وفي كلّ مكان في فلسطين التاريخيّة. هي حرب على الوجود الفلسطيني بشكل عام، والتّضييق عليه. كما يمكن اعتبار هذه الاعتداءات حربا على الوجود المسيحي الذي يشكّل جزءا من شعب أصلاني، ومقدساته تشكل جزءا أصيلا من هويّة وكينونة المكان.

ما شهده دير مار إلياس في حيفا، جزء من معركتنا المستمرة على السيادة، وعلى تثبيت الملكيّة التاريخيّة لنا على الأرض، ورموزنا الروحانيّة الدينيّة جزء أساسي من هوية المكان، وكذلك جزء من نضال مقاوم ومتصدٍّ لسياسات إسرائيل الاستعمارية في كل مكان.

الحراك الشعبي الذي تشكّل بفعل التصدي للاعتداءات، ولحماية الدير، شكّل خطوة هامة في الدور الشعبي الفلسطيني، وقد التحم الأهل من خلاله في الهمّ الوطنيّ الفلسطيني العامّ. وأصبح فعل الرّباط داخل الدير فعلا مقاوما للمستوطنين واقتحاماتهم، ولكن من المهم الإشارة إلى أن الخطاب الوطني الذي قاده رجال الدين والشباب في حراكهم، وعلى رأسهم الأب مكاريوس جريس، قد شكّل حصانة للحراك وبوصلته، رغم محاولة البعض زجّ خطاب مغاير ومحايد عن السياق الوطني الفلسطني. ورفْع أعلام تمثل التجنيد للشباب المسيحي، هم قلّة قليلة لا تمثّل إلا نفسها. ومن الواضح أنها محاولة لسرقة الحراك وحرفه عن الخط الوطني. وقد تصدّى لذلك الشباب في الحراك إلى جانب رجال دين، بوعي كامل.

باعتقادي، أهم ما يمثّل هذا الحراك هو كشف وجه إسرائيل الحقيقي إلى جانب ثقافة المستوطنين، وأفعالهم أمام المجتمع الفلسطيني في الداخل، وأن وحدة المصير والنضال تعود للواجهة في مواجهة سياسات إسرائيل في النيل من هوية المكان والمقدسات.

أهم ما يمكن اعتماده لاستمرار الحراك هو تعزيز الموقف الذي مثّل خطًّا وطنيًّا في المواجهة والتصدي والاستمرار في تعميم حالة وعي في أهمية الوحدة في الفعل النضالي والشعبي من أجل دير مار إلياس وغيره، إلى جانب السعي من أجل التواجد والرّباط لحماية دير مار إلياس كفعل كفاحي، يقوم به كافة شرائح شعبنا من أجل تثبيت سيادته وهويته.

وكذلك العمل على توحيد النضال الشعبي لمواجهة الاعتداءات المستمرة في القدس والجليل وفي كل مكان، والأهم مرافقة ذلك في خطاب وطني شامل، يعكس وجهة النضال الشعبي، مستثنيا الأصوات التي دسّت في الحراك. إلى جانب ذلك على المؤسّسة الكنسيّة العمل ضمن الأطر النّضاليّة الوطنيّة والاجتماعيّة القائمة في بلداتنا من أجل العمل المشترك في الفعل النضالي وحماية المقدسّات.

التعليقات