26/08/2023 - 12:04

أبارتهايد؟ يوم ضحك بن غفير

لا مشكلة ولا إشكال ولا حساسية لدى المستوطنين مع وصف هذا الواقع بالأبارتهايد. ولا تعنيهم الإدانات الدولية، فمشروعهم هو الأهم، وهو مشروع ديني عقائدي متطرف، لا يعير قيمة للزمان وهمه المكان و"تخليصه".

أبارتهايد؟ يوم ضحك بن غفير

تفوه وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، الأسبوع الجاري، بأن حرية حركة المستوطنين في الضفة الغربية أهم من حرية الحركة أو التنقل للعرب أو الفلسطينيين. وهي تفوهات صريحة وواضحة أثارت ضجة في العالم الافتراضي، لكنها في الحقيقة هي تلخيص موجز للصهيونية؛ فهذه هي الصهيونية عمليًا، التفوق العرقي لليهودي على العربي.

لكن يبقى الإشكال بنظر كثيرين، بأن هذه التصريحات تصدر عن شخص يتولى منصب وزاري من المفترض أن يوفر الأمن والأمان لجميع المواطنين، خصوصًا في ظل تصاعد جرائم القتل في البلدات العربية. هذا التوقع من هذا الشخص، مثل أن يُتوقع من جيش الاحتلال حماية الفلسطينيين في قراهم من اعتداءات المستوطنين.

وصفت تصريحات بن غفير على أنها إقرار بالأبارتهايد، وهذا صحيح، لكن هل يظن أحد بأن لدى بن غفير والمستوطنين أي مشكلة مع هذا الإقرار؟ ربما الإدانات الدولية لمثل هذه التصريحات تحرج إسرائيل وحكومة نتنياهو - سموتريتش - بن غفير، لكنها "زوبعة" عابرة.

ما يريده المستوطنون في الضفة المحتلة هو الأبارتهايد، أي فصل تام وعنيف بينهم وبين الفلسطينيين. ليس طرقا وشوارع منفصلة فقط، ولا فرض "السيادة" على الضفة وزيادة عدد المستوطنين والمستوطنات فحسب، بل نظام أبارتهايد عسكري بواسطة الجيش، يحوّل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، لتصبح البلدات والمناطق الفلسطينية عمليًا معسكرات اعتقال جماعية.

لا مشكلة ولا إشكال ولا حساسية لدى المستوطنين مع وصف هذا الواقع بالأبارتهايد. ولا تعنيهم الإدانات الدولية، فمشروعهم هو الأهم، وهو مشروع ديني عقائدي متطرف، لا يعير قيمة للزمان وهمه المكان و"تخليصه".

أكثر من 23 كتيبة في الجيش الإسرائيلي تنتشر في الضفة الغربية، وهي أقل من ثُلث عدد الكتائب التي شاركت في عدوان "السور الواقي" لإعادة احتلال مدن الضفة خلال الانتفاضة الثانية، وأكثر بخمسين في المئة من عددها في مطلع العام الماضي. ورغم ذلك، لم تتراجع العمليات الفلسطينية ضد المستوطنين، بل زادت خلال العام الجاري، رغم إطلاق جيش الاحتلال "كاسر الأمواج" قبل أكثر من عام ونصف لقمع المقاومة الفلسطينية المسلحة، وتحديدًا في شمالي الضفة الغربية.

يريد المستوطنون أن يدفع الجيش بالمزيد من القوات، والانتشار على نطاق أوسع في الضفة، ونشر المزيد من الحواجز العسكرية بحجة الحفاظ على أمن المستوطنين. وهم يهاجمون قيادة الجيش، من رئيس الأركان إلى أصغر ضابط في الضفة، بحجة الفشل في توفير الأمن للمستوطنين.

كذلك يسعى المستوطنون وقادتهم إلى إضعاف السلطة الفلسطينية إلى حد انهيارها، على اعتبار أنها تمثل ولو رمزيًا "كيانًا فلسطينيًا" في الضفة. وخلافًا لليمين "التقليدي العقلاني" أو الأجهزة الأمنية، لا يتهم المستوطنون السلطة الفلسطينية بالتقصير في مهامها الأمنية المتوقعة منها، بل يرفضون وجود السلطة مبدئيًا وعقائديًا.

يتهم نتنياهو إيران بتصعيد الأوضاع في الضفة، وتوجه الأجهزة الأمنية أصابعها إلى صالح العاروري، باعتباره المسؤول عن الضفة في حركة حماس، وتدعي أن منفذي العمليات يتسلحون بمعدات أكثر تطورًا من السابق، بنادق إم 16 وكلاشنكوف وعبوات ناسفة مصدرها إيران أو مصنعة على الطريقة الإيرانية، وتعتبر أن ما تدفع إليه إيران في الضفة هو "معركة بين حربين"، ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية في سورية التي تستهدف الإيرانيين، وتطلق عليها إسرائيل "المعركة بين الحربين" لزعزعة الوجود الإيراني العسكري في سورية.

"اشتعال الضفة" يقلق قادة الجيش، بحيث يدفع قواته إلى هناك، بدلًا من الاستعداد والتدرب لحرب مقبلة، خصوصًا في ظل الشرخ الحاصل في المجتمع الإسرائيلي إزاء خطة إضعاف القضاء، وإعلان مئات المتطوعين في الاحتياط عدم الخدمة في الجيش، خصوصًا من وحدات النخبة في سلاح الجو والاستخبارات العسكرية وغيرها.

عودة على بدء؛ خلافًا لما يدعيه بن غفير، بأن همه توفير الأمن للمستوطنين في الشوارع، فإن همه وهم المستوطنين وهدفهم "اشتعال الضفة"، وفتح مواجهة عسكرية واسعة مع الفلسطينيين، وإعادة انتشار الجيش في كل قرى وبلدات الضفة الغربية، بحيث يصبح الأبارتهايد ليس أمنية أو حلما لدى المستوطنين، بل الواقع في الضفة الغربية؛ فالأبارتهايد ليس رذيلة بالنسبة لهم، بل هو الفضيلة، بل الطريق إلى "إتمام النكبة" التي لم تنجز بنظرهم.

التعليقات