26/08/2023 - 10:23

الأمل مجددا في سورية... فلماذا ليس في فلسطين أيضا؟

منظمو الموجة الاحتجاجية الجديدة يؤكدون على السلمية، كما بدأت الثورة في الشهر الأولى من عام 2011، والتي أغرقها النظام ببحر من الدماء قبل أن تتدخل وتتآمر على الثورة قوى دولية غربية وشرقية

الأمل مجددا في سورية... فلماذا ليس في فلسطين أيضا؟

(Getty images)

كان الجرح الأعظم، ولا يزال، عربيا وفلسطينيا وإنسانيا في العقد الأخير، هو ما آلت إليه سورية وثورتها، من نكبة بل نكبات مهولة، هي من صنع البشر وليس من الطبيعة. وقد احتلت سورية مكانة خاصة في قلوبنا لعقود طويلة، بعدما كانت مصر العروبة، مصر عبد الناصر، قد حظيت بالمكانة الأكبر بفضل الثقل التاريخي وللمشروع العربي التحرري الذي حملة عبد الناصر، إلى أن تكسّر على نضال الإخفاق الداخلي والتآمر الإمبريالي.

ربما بسبب الأهوال التي تواجهها أقطار العالم العربي، وكذلك العالم قاطبة، وبسبب الواقع الراهن لفلسطين، لا يحظى حتى الآن ما يتوالي من حراكات شعبية جريئة متجددة جارية في سورية منذ أسابيع باهتمام كاف من معظم الناس، أو الفئات السياسية المختلفة، رغم أن جزءا من هذه الحراكات تجري داخل مناطق النظام.

وقد سبق تلك الحراكات التي تتركز الآن في الجنوب، تحديدا في محافظتي درعا والسويداء، إقدام نشطاء أو شخصيات محسوبة على النظام، وتحديدا من اللاذقية والساحل السوري عموما، على الظهور في فيديوهات متتالية تتجرأ على بشار الأسد والنظام ككل، وليس على الحكومة كما كان الأمر حتى وقت قريب، وتدعوه للرحيل.

ويفسر المتخصصون في الشأن السوري، من الداخل والخارج، بأن هذا التحرك الجديد المفاجئ للكثيرين، جاء بفعل خيبة الأمل من عدم حدوث انفراج بالواقع المعيشي للناس، الذي كان منتظرا بعد إعادة النطام السوري الى حظيرة الجامعة العربية. ويذكر أن إعادة النظام كانت مرهونة بأن يقوم بخطوات جدية، إدارية وسياسية وإنسانية، تساهم بالانفراج الحقيقي الداخلي. غير أن هذا الأمر لم يحصل، ما أدى إلى نفاذ الصبر العام، فخرج ممن يمتلكون الجرأة بالتعبير عن الغضب الشعبي، والخيبات المتتالية، خاصة وأن بيئة النظام ظنّت أنه بعد "الانتصار على أكثر من ثلاثين دولة، وانتهاء داعش"، حسب دعاية النظام، ستعود البلد إلى حالها السابق وتتحسن معيشة الناس. وقال ناشط من اللاذقية، في فيديو معمم، بما معناه أنه يدعي أنه انتصر على ثلاثين دولة في حين لا يجرؤ على الرد على العدوان الصهيوني الروتيني على سورية.

لا تزال معظم التحليلات تتوخى الحذر في استشراف نجاح أو فشل هذا الحراك، الآخذ في التوسع، الذي يشكل الجديد فيه تجرأ أصوات، وبلغة غير مسبوقة في حدتها، على "رأس النظام وأزلامه". وتذهب غالبيتهم إلى الاعتقاد بأن أملا جديدا يُفتح الآن أمام الشعب السوري من أجل التغيير الديمقراطي.

منظمو الموجة الاحتجاجية الجديدة يؤكدون على السلمية، كما بدأت الثورة في الشهور الأولى، والتي أغرقها النظام ببحر من الدماء قبل أن تتدخل وتتآمر على الثورة قوى دولية غربية وشرقية، وأنظمة خليجية، ومنظمات إسلاموية فاشية، ما حولها إلى حرب بالوكالة، حرب من أكثر الحروب وحشية منذ الحرب العالمية الثانية.

تنتشر على السوشال ميديا نقاشات حامية، ويناكف الكثير من ضحايا النظام في الخارج، أنصار النظام الذين يخرجون الآن بفيديوهات ويتحدثون عن النظام "كعصابة دمرت البلد وسرقته"، بالقول لهم "أين كنتم عندما كان الملايين يُذبحون ويُطردون ويهجرون، والآلاف الذين يُعذبّون في السجون". ويرد عليهم العاقلون، بأن الظرف الحالي لا يسمح بهذه المناكفة، ولا يخدم عملية التغيير المنشودة، وما نحتاجه هو الوحدة، والعمل المشترك، وإنقاذ سورية، بلدنا جميعا.

ونحن كفلسطينيين، وكجزء من العالم العربي، نتطلع لأن تتوالى موجات الإنتفاضات السلمية، ليس في سورية فحسب، بل أيضا في عموم أقطار العالم الوطن العربي، والسير في طريق التحرر الاقتصادي والسياسي، وتحقيق تطلعات الإنسان العربي بالأمن والاستقرار والعيش الكريم، في وطن حر من الاستبداد والاستعمار.

إن فلسطين هي ضحية الاستعمار العالمي، والاستعمار الاستيطاني الصهيوني، و ضحية العجز العربي، والمتاجرة بها، والتواطؤ، والخيانة، التي تتجسد اليوم في تحالفات أمنية علنية، بعد أن كانت سرية، مع الكيان الإسرائيلي.

وإن القاعدة الغربية الاستعمارية التي فرضت في فلسطين عام 1948، هي الركيزة الأساسية التي تستخدم لترسيخ الهيمنة الغربية والصهيونية على المنطقة العربية، وتحظى بالحماية المطلقة، والإفلات من العقاب.

وقد بات الوضع أكثر خطورة وانحطاطا، بعد كارثة اتفاق أوسلو، الذي ولّد انقساما وسلطتين، تتنازعان على السلطة تحت الاحتلال، وكذلك أنتج سلطة تحولت إلى وكيلة للاستعمار الاستيطاني الذي يتمدد دوما في كل فلسطين التاريخية، وهي السلطة التي يتربع على عرشها أولغارشية فلسطينية ذات نزعة سلطوية لم تعهدها حركة التحرر الفلسطينية. هذا ناهيك عن إخراج تجمعات فلسطينية من الحل، كاللاجئين، وفلسطينيي الـ48، الذين باتوا اليوم في مواجهة أشبه بإبادة جماعية على يد نظام الأبارتهايد، من خلال إطلاق العنان للجريمة المنظمة. هذا التجمع الفلسطيني أيضا يحتاج إلى ثورة قبل فوات الآوان.

وهنا يطرح السؤال الدائم، كيف أن كل ما حصل في العالم العربي من انتفاضات شعبية غير مسبوقة، التي انتقلت من بلد إلى بلد، كعدوى ثورية، دون أن يحصل ذلك في فلسطين. أي كيف أن كل المعارك والانتفاضات الشعبية الهامة، في مواجهة الحصار الإجرامي على قطاع غزة، ومواجهة تغول وتمدد المشروع القمعي الصهيوني في الضفة الغربية والقدس في العقد الأخير، لم تؤد إلى إنهاء الانقسام الكارثي، والأهم كيف أنها لم تتمكن من ردع سلطة رام لله عن مواصلة دورها الأمني.

هذه أسئلة يجب أن يعاد طرحها مرة تلو الأخرى، ومقاربتها بصورة مبتكرة وخلاقة، حتى يمكن استحداث إستراتيجيات عمل شعبي وسياسي، تفتح الأفق أمام مسار تغييري حقيقي. لا يُعقل أن يتم إهدار التضحيات الجسيمة التي يقدمها الشعب الفلسطيني، بعد كل معركة أو انتفاضة، فلا بد من إعادة الناس إلى السياسة، إلى سياسة الشارع، الضاغطة من أجل تبديل الواقع، وهذا يحتاج إلى عقول حرة ومبدعة وجريئة، وشعبنا زاخر بها، لبناء الكتلة التاريخية القادرة على صنع الفرق بين الحاضر والمستقبل.

التعليقات