03/09/2023 - 14:42

طلاّبنا مْلاح...

في مدارس يقترب عدد طلابها من الألف طالب لا يعمل المديرون والمعلّمون على تجنيد بضع عشرات من الطلاب لتلقّي دورات تقوية، علما أنه مجانية أو بدفع رسوم رمزية، بل أن بعض المديرين يرفض التعاون مع مؤسسات مثل المكتبات العامة لأسباب

طلاّبنا مْلاح...

صورة لطلبة مدارس في الطيبة (عرب 48)

عطفًا على المقولة الشهيرة للشّيخ حسني لحام من باقة الغربية "شبابنا ملاح"، يمكننا القول كذلك إن طُلابْنا ملاح. معظم مدارسنا حصلت وتحصل سنويًا على شهادات تقدير ونرى مئات التهاني للمدارس ولإدارات ولطلاب متميِّزين، ولكن النتائج في فهم المقروء للروابع والثوامن تضعنا في حيرة، فيسألُ المرءُ نفسه، ما هذا التناقض بين التحصيل المنخفض في فهم المقروء وبين شهادات التقدير الكثيرة.

الحقيقة أنّه يوجد فئة واسعة من الطلاب ممن لديهم تحصيل جيِّد جدًا مقارنة بزملائهم، كذلك ممكن أن يكون هذا التحصيل المتدني في فهم المقروء مقتصرًا على اللغة العربية، علمًا أن العلاقة وثيقة بين التحصيل الجيد وبين التمكّن من لغة الأم.

السَّبب في تميُّز هذا الطالب عن ذاك، هو زيادة اهتمام الأهل، فمنهم من يهتم بدراسة أبنائه ويتابعهم ويراقبهم، ومنهم من لا يفعل ذلك بتاتًا، أو يفعل الحد الأدنى، ومنهم من يرسلون أولادهم لتلقّي دروسٍ خاصة أو دورات تقوية في مختلف المواضيع ومنها اللغة العربية، والمعادلة واضحة، اهتمام أكبر من الأهل يساوي اهتمامًا واجتهادًا أكبر من الطالب وهذا يساوي إنجازًا أفضل.

تساؤلات الطلاب!

تطوير الفُضول لدى الطُّلاب من خلال حثّهم على السُّؤال يجب أن يكون أمرًا بديهيًا ومقدَّسًا، ولكن في الوقت ذاته، فالهدف ليس السُّؤال لأجل السؤال، لأنَّ هذا يتحول إلى سفسطة وتشوُّش فكري، فبعض الطلاب الذين تلقوا توجيهًا عن ضرورة التساؤلات لم يتلقوا توجيها متمِّمًا بأنّه بعد السُّؤال عليهم أن ينتظروا الإجابة، وليس الإدلاء بسؤال ثانٍ وثالثٍ ورابع قبل تلقي الإجابة عن السؤال الأوّل، وهذا ما يحدث كثيرًا في الواقع، طلاب يسألون لمجرَّد السُّؤال، ثم ينشغلون عن تلقي الإجابة بأمرٍ آخر، أو أنهم يتبعونه بأسئلة أخرى يشترك معهم زملاء آخرون قبل تلقي الإجابة على السُّؤال الأول.

هكذا تضيع فائدة زرْع الفُضول وحبُّ المعرفة وتتحوَّل إلى تصرُّفٍ شكلي فقط. اكتشفت هذا خلال تعاملي مع عدد كبير طلاب المدارس على مدار عقود. نشاطات لا منهجية.

السُّلطة تمثُّلها الحكومة الفاشية الحالية تسعى إلى تقليص ميزانيات لا منهجية، وهي عمومًا مخصصة كي يستفيد منها طلاب المدارس من خلال المراكز الجماهيرية والمكتبات العامة وغيرها من مؤسسات مثل مجمع اللغة العربية.

الملفت هو أنَّ إدارات قليلة من المدارس تهتم في التّعاون مع أجسام لا منهجية لأجل تطوير قدرات الطلاب، رغم وجود ميزانيات وإن كانت محدودة لمثل هذه النشاطات مثل دورات الكتابة الإبداعية أو القراءة الإبداعية التي تعني قراءة وتحليل نصوص وقصص، ودورات تعزيز في مختلف المواضيع وخصوصًا اللغة العربية.

في مدارس يقترب عدد طلابها من الألف طالب لا يعمل المديرون والمعلّمون على تجنيد بضع عشرات من الطلاب لتلقّي دورات تقوية، علما أنه مجانية أو بدفع رسوم رمزية، بل أن بعض المديرين يرفض التعاون مع مؤسسات مثل المكتبات العامة لأسباب أنوية وبعيدة عن التعليم، بعضها للأسف له علاقة بانتخابات المجالس البلدية، من ليس معنا لا نتعاون معه، وبهذا يحرمون طلابهم من الانخراط في نشاطات لا منهجية للتقوية في اللغة العربية أو غيرها، علمًا أنَّ هناك مديرين ومعلِّمين يساندون طلابهم ويشتركون معهم ويرافقونهم في دورات كهذه، وهذا يعود في التالي على الطلاب وعلى المدرسة والمجتمع بالخير.

لا يوجد أيُّ سبب لمثل هذا الكسل سوى أنه عدم استيعاب لأهمية مثل هذه الدورات في مسيرة الطالب التعليمية ،التي قد تحسم علاقته في العلم عمومًا في سنوات مبكرة من العمر.

الحيِّز العام..

للحيِّز العام أهمية كبيرة، وبهذا لا أتفهّم إدارة مجلس بلدي عربي لا تهتم بأن تكون اللافتات على المصالح والمؤسّسات بالعربية إلى جانب العبرية والإنجليزية! كُتِب عن هذا الكثير، في كثير من بلداتنا فقدت العربية مكانتها في الحيِّز العام، إضافة إلى عنصرية السُّلطة التي تشوهها عَمَدًا، نرى أن أصحاب اللغة نفسها لا يقدرونها، رغم أنَّ إدارات المجالس البلدية قادرة على فرض قانون مساعد يلزم أصحاب المصالح على اختلاف أنواعها استخدام اللغة العربية إلى جانب غيرها.

نحن في مواجهة مع سلطة عنصرية ولكن في تصرفاتنا وإهمالنا للغتنا ما يخدم هذه العنصرية. بناء الأجيال يحتاج إلى تآلف عوامل عدّة، والمسؤولية يتحملها الجميع.

التعليقات