12/02/2024 - 15:35

بتهمة التّخابر مع حماس!

توقّع السّيسي أن تنجز إسرائيل المهمة بسرعة، وقبل أن ينكشف هو وقيادات العرب الأخرى المتواطئة الذين أطلقوا بضعة شعارات في ختام القمّة دون أي محاولة حقيقية لتطبيقها.

بتهمة التّخابر مع حماس!

طفلة جائعة في رفح (Getty Images)

في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 عُقدت قمة عربية إسلامية في الرياض، اتُّخذِت فيها قرارات تدعو لوقف الحرب ولإدخال المساعدات إلى قطاع غزّة، وكما هو متوقع وكالعادة لم تنفّذ القرارات حتى جاع أهل القطاع أو أكثرهم.

أهم دور ممكن أن تلعبه في وقف التجويع والمذبحة هي جمهورية مصر العربية، فلماذا لم تقم مصر في دورها، كبلد إقليمي كبير وعربي ولها وزنها الدّولي؟

الرئيس الحالي الفريق أوّل عبد الفتاح السيسي لم يصل السلطة عبر صناديق الاقتراع، بل وصل عبر انقلاب دموي عام 2013 على رئيس منتخب لأوّل مرة في تاريخ مصر، وفي الأشهر الأولى لتسلّمه السلطة جرى اعتقال عشرات آلاف المصريين، توفي المئات منهم بسبب ظروف الاعتقال القاسية، وصدرت مئات أحكام الإعدام بتهمة الانتماء لحركة الإخوان المسلمين ما وضع مصر ضمن الدول الأولى عالميا في تنفيذ عقوبة الإعدام بعد الصين وإيران.

وكان السيسي قد سَن قانونًا أواخر عام 2013 يمنع التّجمع لأي سبب كان، ويبيح للنظام استخدام القوة لقمع المظاهرات، وتعرّض من تجمّعوا للتظاهر إلى السّجن لمدد طويلة وصلت أحكام بعضهم إلى 15 عامًا سجنًا.

في آب/ أغسطس من العام 2013 تجمع آلاف المصريين في ميدانيّ رابعة والنهضة احتجاجًا على الانقلاب العسكري ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، فقامت الشّرطة بأمرٍ من السّيسي بفض الاعتصامات بالقوة، ما أدّى إلى مقتل وجرح الآلاف، ثم قامت الشرطة برفع الجثث من الشوارع بواسطة الجرّافات كما تتعامل مع القمامة، دون أدنى احترام لحرمة الموتى.

خلال هذه الفترة سجن السيسي معارضيه الكبار وهمشهم وجرى تلفيق مختلف التهم إليهم، وطبعًا سجن الرئيس المُنتخب الدكتور محمد مرسي وحاكمه بتهمة الخيانة والتخابر مع حركة حماس!

السّيسي أعلن العداء لحركة الإخوان التي لها تأييد من ملايين المصريين ووصمها بالإرهاب كي يبرّر انقلابه، وكي ترضى عنه أميركا وإسرائيل، ويضمن دعمها ودعم دول الغرب الدائرة في فلك واشنطن. فأميركا التي تدّعي الديمقراطية يُفترض ألا تتعامل مع رئيس يصل بالقوة إلى السلطة، ولكن ما دام أن الانقلاب ضد حركة إسلامية وضد رئيس يرفض ترك غزة لوحدها، أي الفلسطينيين، فلا بأس الانقلاب. طبعا كذب السيسي منذ بدايته إذ طلب فقط ستة أشهر ثم طلب دورة واحدة وها هو مستمر ولن يتنازل عن السُّلطة "أخذ مؤبّدا".

د. محمد مرسي، الرئيس المصري الوحيد الذي وصل السُّلطة من خلال صندوق الاقتراع، وكانت هذه من ثمار الربيع العربي وثورة يناير المصرية. وعندما هاجمت إسرائيل قطاع غزة خلال فترة حكمه القصيرة عام 2012، أعلن محمد مرسي أنه "لن نترك غزّة لوحدها"، فتوقفت الحملة العسكرية فورًا.

في هذه الحرب توقّع السّيسي أن تنجز إسرائيل المهمة بسرعة، وقبل أن ينكشف هو وقيادات العرب الأخرى المتواطئة الذين أطلقوا بضعة شعارات في ختام القمّة دون أي محاولة حقيقية لتطبيقها.

مصر عجِزَت عن إدخال المساعدات سوى الفتات، ولم يتنفس السّيسي إلا عندما حمّل نتنياهو مسؤولية عدم دخول المساعدات إلى الجانب المصري، وهو عمليًا يضع السّيسي إلى جانب مجرمي الحرب الذين تحاكمهم جنوب إفريقيا.

رد نظام السّيسي بحياء من خلال مسؤول إعلامي وليس من خلال الرئيس بأنّ إسرائيل قصفت أربع مرات الجانب الفلسطيني من معبر رفح ما أدى إلى تعطيله، وهذا كان سبب عدم إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة!

هذا يعني أن السّيسي متفق مع نتنياهو ضد العدو المشترك، وهو حركة حماس، ولا بأس من كل الضغوط عليها، ولكن الرجاء عدم إحراج النظام المصري أمام شعبه وشعوب العالم الحرة.

السّيسي يكن عداءً عميقًا للحركات الإسلامية ويرى في حماس امتدادًا لحركة الإخوان، وهو على تفاهم مع نتنياهو في القضاء عليها، وعلى هذا الأساس يتصرّف، فما بينهما أكبر بكثير مما يفرقهما، وكلاهما يسعى إلى الهدف نفسه.

السّيسي أوّل من وافق على دعوة نتنياهو بنزع سلاح المقاومة في قطاع غزة! وفي أوّل تعقيب له على الحرب في بدايتها دعا نتنياهو فقط ألا يرغم الفلسطينيين على دخول مصر وله أن يفعل كل ما عدا ذلك داخل قطاع غزّة.

ما يضايق السّيسي ومعه الحكّام العرب المهرولين إلى التطبيع هو تعثّر جيش الاحتلال عن تنفيذ الأهداف التي وضعها نصب عينيه، لأنّ طول أمد الحرب يفضح حقيقتهم.

لقد استشهد حتى الآن حوالي 30 ألف إنسان معظمهم من المدنيين والنساء والأطفال، وأصيب عشرات آلاف الناس، وهدمت أكثر منازل قطاع غزة، وجاع أهل غزّة، كل هذا لم يحرك القائد ورئيس أكبر دولة عربية في موقف جدّي، ما يطلبه الآن هو فقط بأن لا يدفع الاحتلال بالفلسطينيين إلى عبور الجدار!

لهذا نُقلت قوات مصرية على الجانب الآخر من الحدود، كذلك ردّا على ادعاءات نتنياهو بأنّ هناك تهريبًا للسلاح من الجانب المصري، ولكي يثبت ولاءه المطلق لأميركا ولإسرائيل والتزامه بمحاربة حماس.

من يتوهم أنّ نظاما أوصلته أميركا إلى السُّلطة ممكن أن يواجه نتنياهو فهو واهم، وهذا ينطبق على غيره من الأنظمة العربية.

مجازر صباح اليوم الإثنين التي أسفرت عن مئات القتلى والجرحى من المدنيين هي ردّ نتنياهو وغالانت على تصريح جو بايدن بأنّه يتوخى تجنب قتل المدنيين في رفح، وردا على دعوة مصر إلى تجنّب قتل المدنيين، وهو ردٌّ على كل من عبّروا عن "قلقهم" بأن اجتياح رفح قد يودي بحياة كثير من المدنيين. فلا تنتظروا ممّن سجن رئيس مصر المنتخب وحاكَمه بتهمة التخابُر مع حماس بأن يتخّذ موقفًا غير هذا الموقف المتواطئ حتى الشراكة مع الاحتلال.

التعليقات