19/02/2024 - 17:04

رمضان في خِدمة "التطرّف"

من خلال هذا القرار يريدون القول إنَّهم مصرّون على تهويد القدس وبوتيرة أسرع، وإن الاعتراض على هذا القرار بأيّ شكلٍ كان ومن أية جهة كانت، لن يثني حكومة إسرائيل عن المضيّ قُدما في برنامجها.

رمضان في خِدمة

(Getty Images)

أعلن وزير الأمن القومي، بن غفير، المحرّك الأساسي في الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو نيّته، تقليص أعداد العرب الذين سوف يُسمح لهم بالدخول للصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك، وهذا القرار له عدّة أهداف بما يلائم فكر الحكومة الدينية الفاشية وما تسعى إلى تحقيقه، وهي أهداف قديمة تتجدّد في كل عام وكل يوم، قبل الحرب على قطاع غزة بعقود، وخلالها وبعدها.

الإعلان هو تعميق لسياسة شيطنة المسلمين من خلال شيطنة شعائرهم الدّينية، فهنالك في العالم مجموعات تعبد الشيطان وتشرب الدّم وتبيح القتل والزنا الجماعي. والحديث عن رمضان يبدأ قبل وقت طويل من حلوله، ويجري الحديث عن الاستعدادات لاستقباله وللتعامل مع الأعداد الكبيرة من المصلين في الشهر المبارك. يتحدثون عن رمضان كالحديث عن انتظار حدث أمني كبير، وليس عن طقوس دينية ترى في الصيام والصّلاة في المسجد الأقصى بالذات مكسبًا روحيًا كبيرًا، وأنّه فرصة لتعويض التقصير في العبادات خلال أيام السنة العادية.

من الطبيعي أن يكون رد المسلمين على من يعتدي عليهم وعلى مقدساتهم في هذا الشهر بالذات ردًا قويًا، بدافع الحقّ في العبادة بحرّية، وبدافع الكرامة الشّخصية والوطنية والقومية التي يجري المساس بها عند دخول عصابات المتطرفين إلى باحات المسجد، رغم إرادة المسلمين، فيشعرون بأنّه تحد لهم ولتاريخهم.

لهذا يظهر وكأنّ رمضان هو شهر للعنف وخدمة المتطرّفين، أي أنهم يقلبون الحقيقة، فيصبح المدافع عن نفسه وعن حقّه في العبادة في مسجده، متّهما بالعنف لأنّه دافع عن نفسه وعن مكانه المقدّس.

تتصاعد التهديدات وتنطلق تصريحات من مسؤولين من مختلف الأجهزة الأمنية والسُّلطوية، يحذّر بعضها العرب من مغبة استغلال رمضان للعنف و"التخريب"، وقد تقوم أذرع السلطة على هذا الأساس باعتقالات وقائية، وبعضها يطالب بالتشدُّد في العقوبات والقمع، وبعضها يروّج للحذر الشديد والتأهّب ويُدخِل الشّعب الإسرائيلي في حالة من الخوف والترقّب لما سيسفر عنه هذا الشهر.

قرار الوزير والحكومة باقتصار دخول المسجد على جيل معيّن، هو مسٌّ في حريّة العبادة للمسلمين كلِّهم وليس لفئة واحدة منهم، بِمنع ابن العشرين أو الثلاثين وكل من تحت سن الأربعين، أو أي فئة عمرية كانت من دخول المسجد؛ هذا يمسّ بكل الأجيال من الصفر حتى المئة وعشرين، وليس في القدس فقط، بل يمس بكلّ عربي ومسلم وكلّ مؤمن بحرِّية العبادة في العالم، وهي صورة بشعة أخرى من وجوه الاحتلال الإسرائيلي الذي دمّر مئات المساجد والرموز الدينية الأخرى منذ النكبة من مساجد وكنائس حتى يومنا هذا، وفي هذه الحرب على قطاع غزة التي هدم فيها مئات المساجد.

من خلال هذا القرار يريدون القول إنَّهم مصرّون على تهويد القدس وبوتيرة أسرع، وإن الاعتراض على هذا القرار بأيّ شكلٍ كان ومن أية جهة كانت، لن يثني حكومة إسرائيل عن المضيّ قُدما في برنامجها.

ليس من المستبعد، أن يقوم بن غفير وغيره من وزراء ومسؤولين في هذه الحكومة بمرافقة أعداد كبيرة من المستوطنين وتحت حراسة أمنية كبيرة بدخول باحات المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك، بهدف إظهار السِّيادة على المكان وقهر المسلمين واستفزازهم، واستعراض القوة مقابل ضعفهم وعجزهم عن التّصدي، وإذا فعلوا وتصدّوا فاليد الحديدية ستكون لهم بالمرصاد.

هذه الخطوة بمثابة تعميق للاضطهاد الديني، وهي خطوة أخرى باتّجاه الهدف النّهائي المرسوم بنزع السَّيطرة الإسلامية عن المسجد، استعدادًا لما هو آت وهو بناء الهيكل، وهذه رسالة لمن يؤمنون بهذا من وراء المحيط، للمسيحيين الصهاينة الداعمين لإقامة دولة إسرائيل على كل أرض فلسطين التاريخية، ومحاولة لربط حرب الإبادة في قطاع غزّة مع الهدف الديني الغيبي للمسيحيين الصهاينة، وهو بناء الهيكل في مكان الأقصى، والاستعداد خطوة أخرى لقدوم المسيح المنتظر، الذي سيجعل اليهود يؤمنون بالمسيح في نهاية المطاف.

هذه القرارات تبثّ شعورًا بين فئات الشّعب في إسرائيل، بأنّ المواجهة الدّينية مع المسلمين هي أمرٌ حتمي ولا يمكن التهرّب منها بسبب رفض المسلمين للأمر الواقع والتسليم بإقامة الهيكل، ورفضهم لدخول اليهود إلى مكانهم المقدّس، طبعًا سيجري تصنيف المسلمين المعارضين والمدافعين عن المسجد على أنّهم إرهابيون ومتماثلون مع حركة حماس والجهاد الإسلامي ومع المتطرّفين.

التعليقات