باسل غطاس والأسر الإسرائيلي

لم يكن السجن يوما، وكذلك حياة الأسر، مفهوما ضمنا بالنسبة لي ولعائلتي. كنتُ دائما أتوجس من الوصول إلى هذه المرحلة، وخصوصا أن باسل (غطاس) منذ تعرّفت إليه لم يكن يوما إنسانا عاديا، بل كان قائدا يساريا يؤمن بحقوق الإنسان والعدالة

باسل غطاس والأسر الإسرائيلي

لم يكن السجن يوما، وكذلك حياة الأسر، مفهوما ضمنا بالنسبة لي ولعائلتي. كنتُ دائما أتوجس من الوصول إلى هذه المرحلة، وخصوصا أن باسل (غطاس) منذ تعرّفت إليه لم يكن يوما إنسانا عاديا، بل كان قائدا يساريا يؤمن بحقوق الإنسان والعدالة الإنسانية، ويقف دائما لنصرة قضيتنا الفلسطينية، ويؤمن بعدالتها، ويقف مدافعا عن جميع المستضعفين في العالم.

يختلف السجن المُتخيل تماما عن السجن الحقيقي ومعاناة الأسر، للأسير وللعائلة، فحين اخترق باسل القوانين الإسرائيلية، وقرّر إدخال الهواتف الخليوية إلى السجن الإسرائيلي، كانت دوافعه إنسانية إلى أبعد الحدود، فحين كان عضو برلمان في الكنيست الإسرائيلي عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي في القائمة المشتركة، اهتم بقضايا الأسرى، وشاهد ولمس عن كثب مقادير الظلم والمعاناة للأسير ولأهله والحرمان من التواصل بين العائلات.

دخل باسل إلى الأسر في 2/7/2018 بقوة وعزم، وبكل صلابة موقف، ليلتحق بزملائه الأسرى المنسيين وراء القضبان في السجون الإسرائيلية. دخل لينتمي إلى كوكبة أناسٍ دفعوا سنوات حياتهم، وأثمانا باهظة، من أجل الحرية، هؤلاء الذين غدوا ملح القضية، قضيتنا الفلسطينية، في غياهب السجون وظلام الأسر وقسوته. حكم عليه بالسجن الفعلي سنتين، وقد صُنف، منذ دخوله الأسر، أسيرا أمنيا، على الرغم من أن ما قام بفعله، وبحسب قرار المحكمة، لا يمس بأمن الدولة، إلا أن إدارة السجون صنفته أسيرا "تحت التحذير"، وهذه صفة تعطى عادة للخطيرين في الدولة، أو لشخصيات لديها حضور إعلامي، وعليه تجري مضايقته، والتعرّض له بشكل مستمر، فمثلا، جرت مصادرة أوراقه في سجن هاداريم، ومنع من الخروج لحضور جنازة شقيقته، ونقل من سجن إلى سجن، بواسطة وسيلة نقل الأسرى التي تسمى "البوسطة" أربع مرات خلال سنة وثلاثة أشهر تقريبا. ففي 2/7/2017 دخل باسل سجن الجلبوع بجانب بيسان، وفي 14/11/2017 نقل منه إلى سجن رامون في الجنوب، وفي 21/12/2017 نقل منه إلى سجن هاداريم في منطقة المركز. وخلال شهر فبراير/ شباط الماضي، تم نقله للفحص في الرملة من سجن هاداريم (الرملة تبعد مسافة 15 دقيقة سفر عن سجن هاداريم) ليقضي نحو اثنتي عشرة ساعة في البوسطة. وفي 6 أكتوبر/ تشرين الأول، نقل من سجن هاداريم إلى سجن نفحة في الجنوب ولا يزال هناك.

يعاني الأسير باسل غطاس (1956)، من مشكلات صحية مزمنة. وكان قد أجرى عملية قسطرة في القلب، وعملية صعبة في الظهر بالعمود الفقري، وهو لا يستطيع الانحناء بشكل سليم، ولديه صعوبة في حركات معينة. وقبل دخوله السجن مر بعدة علاجات لتخفيف آلام الظهر، ومنها ما كان في عيادات الأوجاع في المشافي، وهنالك تقارير طبية عديدة تثبت ذلك مرفقة بملفه لدى إدارة السجون الإسرائيلية. وعلى الرغم من هذا، يتم التنقل به من سجن إلى سجن، ما يؤثر على سلامته، ويسبب له آلاما مبرحة. ومرة أخرى تم نقله من سجن هاداريم إلى سجن نفحة الذي يستعمل الأسرى فيه المراحيض الحُفَرية (بدون كرسي)، الشيء الذي يُعد معاناة وتعذيبا يوميا له. وسابقا في سجن "رامون" كانت الظروف نفسها، والاكتظاظ أيضا (ثمانية أو تسعة أسرى في الغرفة). وبعد التدخل والضغط الشعبي، أعيد نقله إلى سجن هاداريم، لكن إعادته اليوم إلى "نفحة" تعد تنكيلا وتعذيبا يوميا له، وقد طالبنا قانونيا بنقله إلى سجن آخر تتوفر فيه ظروف صحية مناسبة له، ورفضت إدارة السجن.

ليس من أسباب للتنقل بباسل غطاس بهذه الكثافة في مدة قصيرة سوى التنكيل به. ربما يريدون له العيش في جميع سجون الأسرى الذين كان يعالج قضاياهم في أثناء عمله البرلماني، يحاولون الاستبداد والاستفراد به من دون محاسبة، يؤلمونه بدائه (آلام الظهر)، غير مكترثين بتقارير طبية وتعامل إنساني أدنى، لا لشيء سوى لأنه يعترض في سجنه على انعدام أبسط الحقوق اليومية للأسير، وكل ذنبه أنه اعترض على اللجنة المعينة من وزير الأمن الداخلي، والتي تعمل على الضغط أكثر على الأسرى الأمنيين والتضييق عليهم في السجون.

ليست هذه المعاناة للأسير فقط، وإنما لعائلته أيضا، حيث يبعد سجن نفحة عن مكان سكننا حوالي 300 كيلومتر، فيوم الزيارة نخرج من البيت من الخامسة صباحا لنراه 45 دقيقة عبر الزجاج العازل للصوت، وسماعات الهواتف بيننا التي تنقطع تماما بعد 45 دقيقة، لنعود إلى البيت ونصل حوالي السابعة مساء.

هذا حالنا وحال آلاف من أسرانا الأمنيين في السجون الإسرائيلية وذويهم الذين يعانون الأمرّين من أجل زيارة أبنائهم والتواصل "السكايبي" معهم، فأين الأسرى الأمنيون اليوم من القانون الإداري الذي جاء ليخفّف من هذا الاكتظاظ غير الإنساني للأسرى، وأين هم من مساحة الأمتار الثلاثة المربعة المتاحة فرضيا للأسير الواحد، وكان مقرّرا تنفيذها منذ شهر مارس/ آذار الماضي، بحسب قرار محكمة العدل العليا، والتي تقضي بتحرير أسرى (أمنيين وجنائين)، وبحسب معايير معينة. وقد حصل ذلك بعد تقديم جمعية حقوق المواطن في إسرائيل وآخرين التماسا لحل أزمة اكتظاظ الأسرى. وبحسب تعديلات وزير الأمن على هذا القانون، سوف يُستثنى الأسرى الأمنيون من هذا البند، لتكون القوانين الإسرائيلية مميزة، وتبتعد كل البعد عن بنود حقوق الإنسان الدولية في العالم.. أين هؤلاء المنسيون وراء القضبان من العدالة الإنسانية؟

اقرأ/ي أيضًا | التجمع يطالب بوقف التنكيل ضد غطاس وجميع الأسرى

 

التعليقات