حل المجلس التشريعي: دوافع ومحددات

حل المجلس التشريعي: دوافع ومحددات

بعيداً عن صخب النقاش الدائر في الحالة الفلسطينية حول قانونية قرار المحكمة الدستورية الذي قضى بحل المجلس التشريعي الفلسطيني "المعطل عن العمل منذ أحد عشر عاما"، والتحضير لانتخابات تشريعية خلال ستة شهور من تاريخه؛ تبدو الصورة السياسية الفلسطينية معقدة للغاية وتفتقد للمعيارية في كل جوانبها، حيث تهيمن ثقافة الانقسام والانفصال السائدة على كل أبجديات ومحركات الفعل الفلسطيني، والذي على ما يبدو قد احترف هذه الحالة اللامعيارية.

طلال أبو ركبة

ذهب الجميع في التحليل للبحث في مدى قانونية هذه الخطوة، ومدى صحة الإجراء من النواحي القانونية، وإلى أي مدى هيمن البعد السياسي على القانوني، مع ضرورة التأكيد أن كل ما جرى ممارسته منذ أحداث حزيران/ يونيو 2007 وحتى اللحظة كان بلا أسس أو دعائم قانونية تسنده. الجميع دونما استثناء حاول توظيف، أو وظف القانون ضمن منظوره لخدمة أهدافه وأجندته السياسية الفئوية.

في محاولة فهم ما يحدث، يجب أن نقف أولا على الدوافع الحقيقة لحل المجلس التشريعي والتي تتلخص في أربعة محددات، قد تكون إحداها أو جميعها هي المحرك لاتخاذ قرار بهذا المستوى من الخطورة والاختلاف والتعقيد.

الدافع الأول مرتبط بمسألة الخلافة وترتيب أوضاع السلطة الفلسطينية في مرحلة ما بعد أبو مازن. حل المجلس التشريعي يخدم أولاً حركة فتح وبشكل واضح، ويقطع الطريق على حركة حماس في أن تسيطر على مؤسسة الرئاسة بحسب المادة (37) من القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية، والقاضية بأنه إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات (الموت، أو الاستقالة المقدمة للمجلس التشريعي مع قبولها بأغلبية ثلثي أعضائه) يتولى عندها رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا، لمدة لا تزيد عن ستين يوما، تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني.

وهو الأمر الذي حصل فعلا عقب وفاة الرئيس ياسر عرفات في العام 2004، وتولي روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي وقتها رئاسة السلطة حتى انتخابات الرئاسة في التاسع من كانون الثاني/ يناير2005، والتي فاز خلالها مرشح حركة فتح، محمود عباس، بمقعد الرئاسة. وفي هذه الحالة، فإن ذلك يعني أن رئيس المجلس التشريعي، عزيز دويك، سيكون هو رئيس السلطة الفلسطينية لحين إجراء الانتخابات الرئاسية. وهذا يعني من منظور حركة فتح هيمنة حماس على مؤسستي التشريعي والرئاسة في المرحلة القادمة، وخروج حركة فتح من الباب الضيق للسلطة، وهو ما تخشاه قيادة فتح.

أما الدافع الثاني، فيتلخص في كون القرار ردة فعل من قبل مؤسسة الرئاسة على تصرفات حركة حماس وأعضاء المجلس التشريعي منها، خصوصا عقب الجولة الخارجية التي قام بها أعضاء المجلس التشريعي من حماس لبعض الدول ومن ضمنها روسيا الاتحادية، وتقديم أنفسهم كممثلين للشعب الفلسطيني بصفتهم التشريعية. وهو ما استدعى الرئيس عباس قطع الطريق عليهم ونفي صفة التمثيل التشريعي عنهم، وبالتالي إضعاف موقفهم الدولي كممثلين للشعب الفلسطيني.

في حين يبدو المحدد الثالث للقرار أن يكون القرار خطوة على طريق إنهاء أوسلو، بشكل ناعم، من خلال التخلص من أحد أبرز مخرجاتها المتمثل في المجلس التشريعي، وذلك بالتمهيد للانتقال من حالة السلطة إلى الدولة، خصوصاً عقب الاعتراف الدولي بفلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة. وهو ما يعني إنهاء المجلس التشريعي، وإعلان المجلس الوطني الفلسطيني بمثابة البرلمان الرسمي لدولة فلسطين، والذي يضم في عضويته تلقائيا كافة أعضاء المجلس التشريعي.

أما المحدد الرابع والأخير، فيأتي في إطار قراءة ما حدث في الضفة الغربية خلال الأسبوع المنصرم، من خلال قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بمداهمة لمدينة رام الله وغيرها من البلدات الفلسطينية، واغتيال الشهيدين أشرف نعالوة منفذ عملية بركان، وصالح البرغوثي منفذ عملية إطلاق النار قرب مستوطنة عوفرا، الأمر الذي بدى وكأنه تقويض للسلطة الفلسطينية وانتهاك لسيادتها. وهو الفعل الذي ترى السلطة من خلاله أن المحاولات الإسرائيلية ومن خلفها الأميركية عقب "صفقة القرن" وتداعياتها على العلاقة الفلسطينية الأميركية، بدت وكأن هناك محاولات أميركية بأيدي إسرائيلية لتقويض سلطة الرئيس عباس، واستخدام حركة حماس لتكون بديلاً في محاولة لتمرير كل ما ترفضه القيادة الفلسطينية، ولذلك كان لا بد من قطع الطريق على المساعي الأميركية - الإسرائيلية.

أيا كانت الدوافع التي وقفت وراء القرار الدستوري بحل المجلس التشريعي، وأيا كانت حجج كل طرف من أطراف الأزمة، إلا أنه بات واضحا أن الحقل السياسي الفلسطيني يعيش في حالة صراع ذاتي عنوانها الكبير هو التقويض الذاتي، وأن هذا الحقل قد يذهب بفعل النرجسية الفصائلية إلى التحلل والتفكك، على غرار ما مر به الحقل السياسي ما قبل النكبة، والذي عاش ذات الصراعات والأزمات، وانتهى بضياع فلسطين.

قد يطرح الشق الثاني من قرار المحكمة الدستورية، والمتمثل في الذهاب إلى انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر، تساؤلا كبيرا حول مدى ممكنات إجراء الانتخابات، خصوصا في ظل رفض حماس للقرار جملة وتفصيلا، وهو ما يعني اقتصار الانتخابات التشريعية على الضفة الفلسطينية حيث سيادة السلطة عليها، وهو ما يعني إخراج غزة عن السياق الفلسطيني. وربما، إن لم يكن من المؤكد، ألا تسمح إسرائيل لأهالي القدس بالمشاركة في الانتخابات، بما يعني أيضا إخراج القدس من سياقها الفلسطيني، وبذلك تكون إستراتيجية الفصل الإسرائيلي قد تحققت بأياد فلسطينية، بغض النظر عن دوافع أو محددات ذلك القرار السياسي بالمقام الأول والقانوني بالمقام الثاني. 

سواء كانت تلك الدوافع في إطار تصحيح أوضاع الحقل السياسي، أو تفكيكه، تجعلنا نستذكر الشاعر الفلسطيني الكبير إبراهيم طوقان، والذي خاطب الأحزاب العائلية في فلسطين ما قبل النكبة، قائلا لهم: "في يدينا بقية من بلاد، فاستريحوا كي لا تضيع البقية".

* محلل سياساتي في "الشبكة: شبكة السياسات الفلسطينية"، وباحث سياسي مقيم في غزة. 

التعليقات