28/08/2008 - 10:25

حلفاء أمريكا قلقون../ جميل مطر*

حلفاء أمريكا قلقون../ جميل مطر*

ما زالت أصداء استقالة الرئيس برويز مشرف تتردد في أنحاء كثيرة، وبخاصة في بعض دول الجنوب المتحالفة مع الولايات المتحدة. تتردد هذه الأصداء فتطغى على تطورات لعلها الأهم الآن بالنسبة للشعب الباكستاني وللمسؤولين في الدول المتاخمة لباكستان. ففي باكستان يدور الآن صراع سلطة كان متوقعاً، طرفاه المعلنان معروفان بماضٍ غير ناصع البياض، بينما الطرف العسكري، وهو الأقوى في العملية السياسية في باكستان منذ نشأتها، يتعمد الظهور بمظهر غير المهتم بخلافات السياسيين، ومازلت شخصياً مثل كثير من المحللين غير مطمئن إلى أن المستقبل يحمل لباكستان أيام استقرار وهدوء وسلام.

أما الأصداء في الخارج فتردد أموراً مختلفة ليس من بينها أمر الصراع السياسي الناشب في إسلام آباد. بينها على الأقل قضيتان أساسيتان إحداهما تتعلق بالتطورات التي جرت سراً خلال الأسابيع أو الشهور الأخيرة، التي سبقت صدور قرار البرلمان الباكستاني إجراء محاكمة للرئيس مشرف، والثانية تتعلق بعلاقة الولايات المتحدة بأقرب حلفائها من الرؤساء والزعماء ومدى استعدادها للتدخل دفاعا عن أنظمة حكمهم عند انحشارهم في قضية أو أزمة.

فقد نشرت صحيفة “الدون” (الفجر) الباكستانية تحليلاً سياسياً تضمن أسراراً لم يكشف عنها من قبل. يكشف التحليل عن أن دولا أجنبية، وبدقة أكثر دولة عربية معينة لعبت دوراً رئيسياً في تنفيذ خطة عزل أو استقالة ثم رحيل الرئيس مشرف، إذ كان مطلوباً من البداية إقناع الرئيس الباكستاني بأن دولاً خارجية عظمى تفضل أن تراه خارج السلطة وتسعى لأن يكون خروجه هادئاً ومن دون استخدام العنف بأي درجة من درجاته، خاصة أن الظروف التي أعقبت اغتيال بينظير بوتو نشرت الشكوك حول احتمال تورط أجهزة قريبة من القصر الرئاسي، وبعد أن صار واضحاً أن استمرار الرئيس في الحكم بعد حادث اغتيال بوتو قد يدفع بالأمور في مقاطعة السند إلى منحدر خطر يهدد وحدة الأراضي الباكستانية، ويشعل حرباً أهلية ستمتد حتما إلى حدود باكستان مع أفغانستان حيث تدور معارك بشكل يومي تقريباً بين قوات خاصة أمريكية ومقاتلي الطالبان.

كان ضرورياً، والأمر على هذا النحو من الخطورة، أن يقتنع الرئيس مشرف بأن تخليه عن السلطة بسلام ومن دون مقاومة من جانب الأجهزة الموالية له صار أمراً حيوياً ولا يحتمل التأخير، لذلك وحسب ما جاء في تحليل جريدة “الفجر” الباكستانية، توجه إلى إسلام آباد رئيس جهاز المخابرات في هذه الدولة العربية ذات النفوذ الكبير والقديم في إسلام آباد، وناقش الرئيس مشرف في الأمر مقدماً النصح.

وفي مرحلة أخرى، أو ربما في الوقت نفسه جرت اتصالات بين هذه الدولة العربية ونواز شريف، أحد قادة المعارضة في السابق والشريك الحالي في الحكم مع أرمل بينظير بوتو، لإقناعه بأن يتولى مع حلفائه تهدئة الأمور وانتهاج سلوك سلمي خلال مرحلة بذل الجهود لإطاحة الرئيس مشرف، بعد أن اتضح أن بعض الجماعات السياسية والنقابية كانت تعد لما يشبه الانتفاضة ضد الرئيس، لإجباره على الاستقالة ومحاكمته. وليس بعيداً أن يكون المبعوث العربي الكبير خلال هذه الفترة من الإعداد قد عرض على الرئيس مشرف ضمانات كافية لإقامة مريحة وآمنة خارج باكستان، ووعد بإقناع خصومه السياسيين لتهدئة الشارع الباكستاني وعدم محاكمته حضورياً أو غيابياً.

ويبدو أن جهوداً أخرى كانت تبذل في الوقت نفسه، إذ قام السفير الباكستاني في واشنطن باتصالات مكثفة مع المسؤولين في الولايات المتحدة بهدف إقناعهم بأن تحليلات مراكز البحث الأمريكية وتقاريرها حافلة بالمبالغات حول مصير الاستقرار في باكستان في حال تقرر عزل مشرف. كان السفير الباكستاني يعرف أن صداقة الرئيس بوش بالرئيس مشرف تجعل كثيراً من المسؤولين الأمريكيين يترددون في تشجيع أية مبادرة تهدف إلى عزل الرئيس مشرف، بينما كان هدف حكومة إسلام آباد المدنية إزالة هذه المخاوف، وهو الهدف الذي سعى السفير في واشنطن إلى تحقيقه، ووجد الدعم المناسب من ديك تشيني نائب الرئيس وآخرين من الذين فقدوا الثقة في مشرف منذ زمن غير قصير.

وفي باكستان ذاتها، لوحظ بعد زيارات وتدخلات المبعوث العربي نشاط لا يقل عن النشاط الذي يقوم به السفير الباكستاني ومسؤولون كبار في واشنطن لاستعجال عزل مشرف، إذ اجتمع القائد العسكري الإقليمي للولايات المتحدة بكبار القادة العسكريين الباكستانيين، كما اجتمع مع قادة الأحزاب، وكان الغرض، بطبيعة الحال، ضمان أن تتم عملية الرحيل عن القصر الرئاسي، وربما عن باكستان بأسرها، بسهولة ومن دون عنف، فضلاً عن الحاجة إلى استلام تعهد من جانب الجيش الباكستاني والقيادة السياسية في باكستان باستمرار تصعيد الجهد القتالي ضد الطالبان في مناطق الحدود. ولم يكن تدخل الجنرال الأمريكي مفاجئاً لكثير من المراقبين الذين يهتمون منذ فترة بالدور الذي يلعبه القادة العسكريون الإقليميون في إدارة السياسة الداخلية والخارجية للعديد من البلدان العربية والإسلامية. وما وقع من جانب الجنرال الأمريكي في إسلام آباد ليس أكثر من مثال واحد يتكرر حالياً في عديد من العواصم في المنطقة.

وقد ورد اسم السفيرة الأمريكية في إسلام آباد في معرض الحديث عن النشاط الأجنبي الكثيف الذي شهدته العاصمة الباكستانية في الأسابيع الأخيرة. وبالمقارنة مع نشاط الجنرال الأمريكي يبدو تدخل السفيرة آن باترسون أمراً عادياً ومنطقياً. فقد استطاعت واشنطن، وبنجاح في معظم الحالات، أن تفرض بعثتها الدبلوماسية في كثير من العواصم العربية والإسلامية والإفريقية لاعباً أساسياً في اللعبة السياسية الداخلية. وصار مألوفاً حضور السفير أو السفيرة الأمريكية في بلد من البلاد اجتماع المجلس المحلي لإحدى المحافظات أو المدن والاعتراض على قرار محكمة وطنية وإبداء الرأي في قضية سياسة اقتصادية أو اجتماعية تخص شأناً داخلياً محضاً.

أما القضية الأخرى التي حملتها الأصداء المترددة في خارج باكستان فكانت، ومازالت، تتعلق بالرأي السائد في كثير من البلاد حول تراجع واشنطن المتزايد عن دعم الزعماء من حلفائها المقربين. يقال إن الولايات المتحدة لم تعد حريصة حرصها المعتاد على حماية الحكومات والزعماء الذين أيدوا سياساتها ووقفوا إلى جانبها في الأزمات وبعضهم أيدها على حساب مصالح شعوبهم. ويتردد حالياً في بعض أجهزة الإعلام أن دولا غير قليلة العدد ساهمت بجهود مكثفة في الحرب ضد الإرهاب، رغم أنها لم تكن مهددة بأي خطر “إرهابي”، هي الآن شديدة التردد في الاستمرار في جهودها بعد أن لاحظت أن هذه الجهود تقابلها واشنطن بالجحود.

هذه الدول زادت شكوكها في الآونة الأخيرة في ضوء ما تردد عن الورطة التي تورطت فيها حكومة جورجيا برضاء أمريكي أو بمعرفة مسبقة من جانبها، ودفعت جورجيا ثمنها غالياً إذ لم تجد الدعم المناسب من جانب واشنطن في الوقت المناسب، أي عندما تدخلت القوات الروسية بحجة إنقاذ شعب أوسيتيا الجنوبية ووقف اعتداءات شنتها القوات الحكومية وعصابات جورجية.

ولا يقتصر الحديث على تخلي واشنطن عن حليفها رئيس جورجيا في أزمته، إنما يتحدثون عن أنها تخلت عن حكومة حليفة لها في موريتانيا، أسقطها انقلاب عسكري. لم تتدخل واشنطن رغم اعتزازها بالنظام في موريتانيا الذي كان يرضي تطلعاتها الأيديولوجية في الديمقراطية ويرضي في الوقت نفسه تطلعاتها “الإسرائيلية”. ويتحدثون عن رئيس كينيا مواي كيباكي الذي لم يحظ من حليفته أمريكا بالدعم اللازم في الانتخابات رغم الجهود التي بذلتها حكومته في الحرب ضد الإرهاب، خاصة أن بعض هذه الجهود كادت تؤدي إلى شرخ في الوحدة الوطنية وإلى تمرد واضح بين السكان المسلمين على الشواطئ والمناطق الشرقية من كينيا وكانت نتيجة التمرد سقوطه في الانتخابات.

وليس خافياً أن في كابول زعيماً غير مطمئن تماماً إلى التزامات واشنطن تجاهه شخصيا، وفي العراق زعيم آخر لا يبدو في معظم الأوقات مرتاحاً إلى نوايا أمريكا تجاهه. وفي عواصم حليفة أخرى أنواع شتى من القلق لا تخفى على عين مراقب.
"الخليج"

التعليقات