25/09/2009 - 10:19

هبة الأقصى: أسئلة مفتوحة وتوقعات للصدام القادم../ أمير مخول

هبة الأقصى: أسئلة مفتوحة وتوقعات للصدام القادم../ أمير مخول
انطلقت انتفاضة الأقصى من جانبي الخط الأخضر بتزامن ملفت للنظر، لتزيل ولو بشكل مؤقت الحدود المجزئة داخل الشعب الفلسطيني، ورسمتها كحدود صراع مع إسرائيل.

الحدث المركزي الذي كان شاغلا في حينه كان حضور ما يسمى قضايا الحل الدائم مع انهيار اتفاقيات أوسلو الظالمة وانحسار الوهم الذي جلبته معها بإمكانية قبول الفلسطيني أينما كان بحل ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، كما أكدت غياب إمكانية حل عادل قائم على استعادة الحق الفلسطيني في المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية القائمة. وانطلقت الانتفاضة كذلك معبرة عن وعي مغاير لوعي الأسرلة الذي اتسع مداه بداية التسعينيات، وشكل البعد الوطني القومي والإسلامي المتفاعل قوة دفع كبيرة لانطلاقتها.

بقيت مشتعلة في حينه الضفة والقطاع لكنها همدت بعد أسبوع من الزمن في الداخل. ومع هذا فإن تزامنها وكذلك تواصلها لمدة أسبوع أو أكثر يجعلها حدثا مفصليا فيه مؤشرات لكيفية إدارة الصراع مع الدولة، وكذلك مؤشرات لقوة الكتلة البشرية عندما تنطلق.

الكتل البشرية الفلسطينية في الداخل لم تنطلق في انتفاضتها بناء على قرار من أحد بل رغم القرار الثابت لدى مرجعياتنا المحلية الذي سعى ولا يزال يسعى لمنع انطلاقها. وهذا نقاش داخل الصف الوطني لا خارجه. وليس تشكيكا بنوايا بل تحديدا لمشكلة. فالحجة المركزية لتدارك الصدام هي الحرص على الناس وحمايتها وهو موقف لا تجوز الاستهانة به. لكن وفي المقابل لا "الحرص" والامتناع عن الصدام مقدس ولا الصدام ذاته مقدس، وكلاهما مستويات لنضال وصراع جوهره واحد. ومع ذلك لا بد أن نعترف أن قرار المرجعيات أو القرار الجماعي لا يزال يعطي المواطنة وقواعد لعبتها قيمة شبه مطلقة، وكما لو كانت هذه المواطنة مكسبا وطنيا أو تقرير مصير.

انتفاضة الأقصى شكّلت حدثا خارج حدود المواطنة بل كانت قوتها بكسر قواعد اللعبة القسرية المفروضة على وجودنا. ففي نضال الشعوب المقموعة وضمن واقع استعماري يصبح كسر قواعد اللعبة وإبطال مفعول القواعد القسرية قضية جوهرية في إدارة الصراع مع المستعمر ونحو إحقاق حقوقها.
المواطنة لا تحمي الفلسطيني وليست امتيازا إسرائيليا للفلسطيني بل أداة سيطرة وترويض من قبل الدولة، في حين أنها بالنسبة للحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل هي أداة للبقاء في الوطن والدفاع عنه وعن حقوق شعبنا فيه. ومع هذا لم تكن الخيار الفلسطيني بل الفرض الإسرائيلي.

أسئلة مفتوحة

أولا: هناك علامات سؤال حول لقاء "فوروم معالي هحميشاه" والذي كان في مركزه مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وتواصل ثلاثة أيام وتبعته لقاءات عدة، وماذا جرى فيه ولماذا وافقت قيادات من لجنة المتابعة على المشاركة فيه من وراء علم الناس ومن وراء إرادتها؟ ماذا جرى هناك وكيف تمر تسع سنوات وكأنه سر مكتوم... وماذا بشأن المليارات الأربعة التي أعلنت عنها حكومة إسرائيل على خلفية هذا الملتقى السري ظنا منها بإمكانية شراء ذمة شعب واحتواء إرادته؟

وبعد كل مواجهة أو هبة جماهيرية تبدأ المؤسسة الصهيونية الإسرائيلية والعالمية بمسعى الترويض والإغراء حفاظا على الدولة اليهودية الديمقراطية. وبشكل منهجي هناك تقاسم ادوار بين النظام العنصري الإسرائيلي ومؤسساته وبين المنظمات الصهيونية العالمية. فالنظام يظهر من خلال "الشاباك" والملاحقات السياسية والقوانين التصفوية في حين تأتي المنظمات الصهيونية العالمية بالإغراء المالي ومساعي الاحتواء بمسميات مختلفة.

ثانيا: "لجنة أور": لم تكن جماهيرنا بحاجة للتفتيش عن الحقيقة وراء مجزرة العام 2000 حيث راح ضحيتها الشباب الثلاثة عشر في الداخل (أكثر من ألف شهيد في غزة والضفة)، ولا الكشف عن العدالة، فالعدالة جدا واضحة وأوضح منها غيابها. أما الحقيقة فهي ما لسنا بحاجة للانشغال بها لإثباتها بل الدفاع عنها ومنع تناسيها القسري. وتأكيد شرعية هبتنا في مواجهة معادلة إسرائيلية مفضوحة قالت إن المشكلة والصدام هما نتاج "تطرف العرب" لتبدو إسرائيل أمام نفسها ومجتمعها أنها ضحية "تطرف" ضحاياها.

علينا أن نعيد النظر بشأن لجنة أور ورغم النقاش السياسي حول جدوى وجدارة المطلب بلجنة تحقيق فإن لجنة أور في نظرة شاملة شكلت أداة إسرائيلية للتحقيق، ومحصلة دورها كانت "لتحسين" الأداء الإسرائيلي باتجاه المواجهة القادمة. أي أن تكون الدولة أكثر دهاء في قمعها وفي إطلاق النار (منذ العام 2000 قتلت الشرطة العشرات). والقوانين التي سنّت منذ العام 2000 هي قوانين ملاحقات سياسية هدفها شرعنة القمع. استخلاص العبر ليس من باب الماضي وإنما هي درس للمستقبل. هل نطالب مثلا لا حصرا بلجنة تحقيق إسرائيلية أم دولية فيها نزع لشرعية القضاء والسياسة الإسرائيليين.

أكدت لجنة أور أيضا أن الأداء القضائي الراقي لمؤسسات شعبنا لا بد منه لكنه ليس ملاذا ولن يحسم الأمور ولن يغير الواقع. بل تغيير قواعد اللعبة معها. الانتفاضة في الداخل متزامنة مع الضفة والقطاع هي التي غيرت قواعد اللعبة في حين أن التفاعل الهائل مع لجنة أور وبالذات التوقعات السياسية منها عوّقت المسار.

ثالثا: لجنة المتابعة ظهرت في عجزها في العام 2000. ونأمل أن الحراك الحالي والذي تعيشه الآن يأتي بثمار ولن تكون أكثر من محدودة ما دامت غير تمثيلية – هناك حاجة ملحّة ومسؤولية كبرى ببناء مرجعية منتخبة مباشرة وجمهورها يحميها وتحميه بدل حالة الغربة الشعبية القائمة، في حالة تفاعل جديد وانتخابات فإنها سوف تنتج مرجعية عليا أكثر تطورا وبرنامج عمل وطني، لا يحدده سقف الحزب أو الحركة الذي يطرح السقف الأدنى كما هو اليوم من باب الإجماع على القاسم المشترك الأدنى، بل تحدده إرادة الناس بكل تفاعلاتها والتي أثبتت انتفاضة الأقصى في الداخل أنها أعلى سقفا من الإجماع الحالي للجنة المتابعة.

رابعا: بنظرة تقييمية لانتفاضة الأقصى جدير أن نؤكد أنه تطور في العقد الأخير خطاب حقوقي جديد، والحقوقي لا يعني القانوني بالمفهوم الإسرائيلي بل بمفهوم حقوق الإنسان والشعوب والنضال لإحقاقها بوسائلها هي. وكان دور مركزي وريادي في بلورته للمجتمع المدني الأهلي بصفته قطاعا مؤسساتيا شريكا للحركة السياسية في بلورة الخطاب وفي تنظيم المجتمع. كما أن المجتمع الأهلي الفلسطيني في الداخل أسهم جوهريا في تطوير الخطاب الفلسطيني باتجاه تطوير أدوات جديدة ومنها مطلب الحماية الدولية الذي أطلقه اتحاد الجمعيات العربية (اتجاه) ومعارضة قوية في حينه من قوى سياسية مركزية ومن إجماع لجنة المتابعة في حين تحول هذا المطلب لاحقا إلى إجماع وطني. وهو نتاج عملية تفاعل حي.

خلاصة
من حق جماهيرنا وواجبها أن تتدارك الصدام المعنية به الدولة لكن المهم أن يكون منع الصدام وتداركه من خلال خلق حالة ردع للدولة وليس خضوعا لها. والموضوع مع الدولة ليس الإقناع ولا سوء تفاهم، بل خلق واقع يصبح فيه وللخلاصة فمن المهم القناعة أن للدولة ومؤسساتها الأمنية والمدنية ما تخسره أيضا. وأهم خسارة للدولة ولأهدافها تكون زيادة وتعزيز المناعة الوطنية لجماهيرنا وبالذات الأجيال الصاعدة، وتدويل قضايا فلسطينيي الداخل ومناهضة تطبيع إسرائيل عربيا ومقاطعتها كنظام دوليا. للدولة ما تخسره وتخاف منه هو زج فلسطينيي الداخل في القضية الفلسطينية واعتبارهم لأنفسهم جزءا منها ومن التفاعل داخل أطياف الشعب الفلسطيني في بناء المرجعيات وليسوا مسألة إسرائيلية داخلية. وتخاف الدولة من السؤال حول شرعيتها كنظام وهي مرحلة ستواجهها الدولة أيضا بالتصعيد.. لكن سعة الكتلة البشرية الفلسطينية والمناعة الوطنية هي أساس لردع إسرائيل وبناء مقومات مقاومة شعبية متطورة وصلبة.

التعليقات