02/11/2009 - 06:07

رؤية في كيفية التعامل مع تقرير جولدستون!/ د.أسعد أبو شرخ

رؤية في كيفية التعامل مع تقرير جولدستون!/ د.أسعد أبو شرخ
المواقف الصعبة كما الشدائد هي المحك للأفراد كما للشعوب، وفي هذه المواقف تتضح الصورة بجلاء ويتبين المعدن الغالي من الرخيص، والشعوب الحية هي التي تتصدى لقاهريها ومحتليها بالمتوفر من الإمكانات، بل وتبتدع طرقاً وأساليب للتصدي وإفشال المؤامرات، مهما كان حجمها ومخططوها ومن يقف وراءها، وليس أدل على حيوية وفاعلية وفراسة الشعب الفلسطيني من الموقف الذي اتخذه من مؤامرة سحب تقرير جولدستون إذ هب الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها وعبر عن رفضه لهذا السلوك المشين الذي وصف بالمؤامرة، أو الطعنة، أو الخطأ، أو الخطل، أو الخطيئة، أو الخذلان، أو الانهزامية أو اللامسؤولية أو الطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني، أو خيانة دماء الشهداء أو الخيانة الوطنية، وطالب المثقفون والأكاديميون والتنظيمات الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الفلسطينية الاعتبارية بتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة ومعاقبة كل من تورط في هذا العمل المفضوح والمشين من أعلى رأس الدولة الذي أعطى الأمر بسحب أو تأجيل التقرير إلى من قام بالتنفيذ، مما أدى إلى انصياع صاحب القرار الفلسطيني المرتبك لإرادة الشعب الفلسطيني حيث تم مناقشة القرار في مجلس حقوق الإنسان الأممي وفاز بـ 25 صوتا مقابل 6 ضد و11 صوتاً ممتنعاً، مما شكل نجاح القرار انتصاراً لدماء شهداء فلسطين وهزيمة معنوية وأخلاقية وقيمية وسياسية وعلى مستوى السمعة والصورة والدور وانكشاف القناع الزائف لمجرمي الحرب الصهاينة والذين كانوا يجيدون دوماً لعب دور الحمل، فإذا العالم الآن يشهد بأنهم الذئب المفترس!

لقد ضبطهم العالم بالصوت والصورة وهم يمارسون دور مجرم الحرب بسادية وفي وضح النهار وأمام الدنيا برمتها! صحيح أن تأجيل التصويت على التقرير أعطى الفرصة لإسرائيل وأمريكا للضغط على بعض الدول التي كانت مؤيدة للتقرير مما افقدنا بعض الأصوات، بعد أن كانت الدول مضمونة التصويت ما بين 33 إلى 35 صوتا من مجموعة 47 صوتاً، لكن نجاح القرار بـ 25 صوتا ومعارضة 6 أصوات فقط يعني نجاحاً باهراً أيضاً لأن الأحد عشر صوتا الأخرى هي أصوات امتناع وهي أقرب على الحياد. لكن نتيجة التصويت كشفت أكاذيب المتنطعين للحديث باسم السلطة والذين حاولا ابتداع بعض الأكاذيب والأضاليل والأحابيل التي لم تجد مثيلاً، وانكشف القناع عنهم تماماً وعن أكاذيبهم، التي كانت واضحة في حالة الارتباك والتردد والتناقض في التصريحات الصادرة والتي لا تنم عن حكمة لا في صناعة القرار ولا في اتخاذ القرار ولا حتى في محاولة تمرير القرار، فقد قالوا بأن الدول الكبرى وخاصة الصين وروسيا ومعها الهند تقف ضد القرار فإذا بنا نكتشف أن هذه الدول كانت أكثر الدول تحمساً وتصويتاً مع القرار، وقال أحدهم لم نتخذ قرار السحب أو التأجيل، فرد آخر لقد اتخذنا القرار بالتأجيل بسبب ضغط دول كبرى لأننا نخشى ألا يمر القرار، واكتشفنا من البيانات الصادرة والمستنكرة أن اللجنة التنفيذية لـ م:ت:ف هي آخر من يعلم، إذ أنها ناقشت القرار قبل ذلك وأوصت بطلب تقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان والتصويت عليه، فإذا بها تفاجأ بأن قرار الرئيس جاء عكس ما أوصت به!!! هل هناك قوى خفية أو غير منظورة تتخذ القرارات!!!

وما حدث مع التنفيذية حدث مع اللجنة المركزية لحركة فتح التي استنكرت هي الأخرى هذا السلوك المشين وكذلك فعلت الجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وصدرت بيانات بأسماء هذه التنظيمات أو ممثليها في اللجنة التنفيذية وأعلن بعض أعضاء التنفيذية ومركزية فتح بأن ما حدث كان خطئاً والجميع اعترف بذلك إلا من أصدر القرار باسم السلطة أو المنظمة وحاول أن يجد لنفسه بعض التبريرات مثل اتهام الدول العربية أو الإسلامية فخرج عمرو موسى وقال إني أصبت بالغثيان حين علمت بقرار التأجيل، وقال وزير خارجة مصر أن مصر لم تعلم بالقرار إلا بعد صدوره ولم يشاورنا أحد في الأمر قبل ذلك، وكذلك قال رئيس المؤتمر الإسلامي أكمل الدين أغلو، الذي صرح بأنه اتفاق فلسطيني – أمريكي طلب منا الموافقة عليه.

أما الفرية الكبرى وكذبة الأكاذيب التي صدرت عن كبار خبراء الكذب وبيوتات التدليس والتلفيق فهي الزعم بأن م:ت:ف ليست عضواً في مجلس حقوق الإنسان ولهذا لا يمكنها طلب المناقشة أو التأجيل، فانكشف أمرها وانفضح من الرسالة التي أرسلت من رام الله للطلب من المندوب الباكستاني للقيام بهذا الدور لأنه لا يمكن أن تحصل المناقشة أو التأجيل إلا بموافقة فلسطينية.

لقد تحدث عباس ومندوبوه والناطقون باسمه عن أسباب شتى لهذا التأجيل، ولكنهم للأسف الشديد اخفوا حقيقة الأمر، وحاولوا خداع شعبهم وعدم المصارحة بالسبب الحقيقي لهذا الطلب، هناك بطبيعة الحال أسباب عدة منها السياسي والاقتصادي والمصلحي وغيرها، لكن السبب الرئيسي هو أمر أو طلب صادر عن الرئيس الأمريكي أوباما، بناء على رغبة ملحة من إسرائيل إلى محمود عباس بأن تسحب السلطة التقرير أو تؤجل مناقشته لأشهر مما يسمح بذلك لأمريكا وإسرائيل بالعمل ضده وإفشاله بالضغط والابتزاز والتهديد والوعيد أو الإغواء والأغراء!

ولقد تحدثت الصحافة الإسرائيلية عن هذا الأمر بإسهاب وعن التهديدات التي صدرت من إسرائيل إلى محمود عباس من أعلى هرم السلطة الإسرائيلية لدرجة أن وزير التربية الإسرائيلي السابق يوسي ساريد قال مؤخراً " بأن إجبار كل من واشنطن وتل أبيب عباس على سحب التقرير كان بمثابة انتحار، وأضاف قائلاً إسرائيل حولت عباس من شريك إلى عميل ثم أهانته".

لقد كانت هناك محاولات بائسة وسطحية لزج التقرير في إطار الخلافات بين السلطة وحماس بيد أن هذا التقرير يتناول قضايا تهم حاضر ومستقبل ومصير القضية والمصالح العليا للشعب الفلسطيني والتي هي فوق كل التنظيمات بلا استثناء بما في ذلك فتح وحماس بل والحكومتان أيضاً!

ومن هنا كان العيب والعبث محاولة مناقشة تقرير جولدستون في إطار التجاذب والمعركة الكلامية والإعلامية بين هذا الطرف وذلك.

إن التقرير يجب النظر إليه بعيداً عن المصالح الحزبية الضيقة لهذا الطرف أو ذلك، أو الارتباطات المهينة والمذلة هنا وهناك، ويجب أن يتوحد الجميع - حتى لو استمرت حالة الانقسام - لا سمح الله - في العمل على إيصال هذا التقرير إلى الجمعية العامة، والمحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية في مختلف دول العالم، حفاظاً على حقوقنا وثوابتنا ودماء شهدائنا لمحاكمة قادة إسرائيل مجرمي الحرب وفرض عقوبات عليهم حتى ينصاعوا للقانون الدولي ولا يعودوا لارتكاب جرائم بحق الإنسانية ضدنا وحتى ينتهي الحصار والاحتلال إلى الأبد.

موقف إسرائيل المتوتر من تقرير جولدستون:

يرى خبراء القانون الدولي ونشطاء حقوق الإنسان أن أول من يعرف ويدرك أهمية وأبعاد وتأثير وقدرة ونتائج تقرير جولدستون هي إسرائيل، ومن هنا جاءت ردة الفعل المسعورة والسعار الذي أصاب الحكومة الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي حيث اتهمت إسرائيل القاضي جولدستون اليهودي ، الذي هو أيضاً رئيس شرف لأحدى جامعاتها بأنه "لا سامي" وأنه كاره لنفسه وبدأت حملة تشويه ضده وقال نتنياهو أنه تقرير مشوه صادر عن لجنة مشوهة" بل أن الصحافي الإسرائيلي آري شافيط قال في هاآرتس (8/10) بأن هذا التقرير يشكل حرباً حقيقية ضد إسرائيل" ثم قال أحد المسؤولين الإسرائيليين في هذه الحرب خسرنا المعركة الأولى" ومازالت الصحافة الإسرائيلية تكتب وتنبه الجمهور الإسرائيلي لأهمية وتأثير وخطر هذا التقرير على إسرائيل، ورغم أن الحكومة الإسرائيلية، رفضت بغطرسة وعجرفة، تشكيل لجنة للتحقيق في جرائمها أثناء حرب الإبادة على غزة إلا أنها شكلت غرفة عمليات من كبار رجال القانون والخبراء على مستوى العالم لمواجهة الأمر وما سموه " الخطر الداهم".

أما لماذا هذا السعار وفقدان الأعصاب والهستيريا على مستوى المسؤوليين الإسرائيليين الصهيونية، يمكن للمرء أن يلخص الأسباب فيما يلي:

• لأن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني نقلتها وسائل الإعلام جميعاً بما في ذلك استخدام أسلحة محرمة دولياً مثل الفوسفور الأبيض واليورانيوم المخصب وغيرها.

• لقد أدرك العالم أن إسرائيل التي أجادت لعب دور الضحية واللعب على مشاعر العالم بتصوير نفسها أنها ضحية للهولوكست، فهي الآن بالمشهد والصورة وبالكاميرا وبالنقل الحي والمباشر عبر تليفزيونات العالم تقوم بدور المجرم، مجرم الحرب والجلاد والسفاح والقاتل بدم بارد للأطفال والنساء والشيوخ هذه صورتها الحقيقية التي أخفتها عن العالم فإذا الضحية تظهر على حقيقتها بأنها ليست سوى مجرم الحرب وعدو الإنسانية.

• لقد نشرت الصحافة الإسرائيلية اعترافات لجنود وقادة وحاخامات التعليمات والأوامر التي صدرت أثناء حرب الإبادة والتي نصت على ارتكاب المجازر وقتل أكثر عدد من الفلسطينيين وهدم بيوتهم ومزارعهم ومقراتهم وجامعاتهم ومدارسهم ومستشفياتهم وطرقهم ووزاراتهم وتدمير البنية التحتية من كهرباء وماء وطرق وغيرها.

• لقد تم ضبط إسرائيل في مشهد ارتكاب المذبحة بالصوت والصورة المشاهدة والمسجلة والمتداولة وشاهدت الدنيا صور الضحايا من أطفال ونساء وشيوخ بل عائلات بأكملها تم إبادتها كعائلة السموني وغيرها وهم في بيوتهم أو في الشارع في مناطق مدنية، سكنية آمنة، لم تخرج منها طلقة واحدة ولا يوجد بها أي مقر عسكري أو حتى للشرطة!.

• انكشفت إسرائيل – كدولة مارقة ومجرمة حرب لكل الشعوب، وخاصة للشعوب الأوروبية التي كانت تحت سيطرة وسطوة الدعاية الصهيونية، فإذا المواطن الأوروبي يصاب بالذهول من هول هذه الجريمة فانقشع القناع عن الصورة الزائفة لإسرائيل المسالمة الحمائمية!! فأدرك الناس أنها ليست سوى ذئب يتقمص دور الحمل.

• هبت كل مؤسسات وجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان على مستوى العالم للوقوف في وجه مجرمي الحرب الصهاينة للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية، أسوة بما تم فعله مع مجرمي الحرب في يوغوسلافيا السابقة وبعض الدول الأفريقية.

• إن الجرائم الصهيونية أكثر مما يمكن أن يقبله أو يحتمله الضمير الإنساني أو الإنسانية بغض النظر عن الديانة أو العقيدة أو اللون أو الجنس لأن هول الجريمة وحرب الإبادة استفز حتى بعض المثقفين اليهود في العالم والذين طالبوا بإدانة هذا السلوك ومحاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب.

• إن التقرير يضع توصيات ثم آليات للتنفيذ على عدة مسارب فهو يدين الذين أصدروا قرار الحرب والذين نفذوا والذين ارتكبوا هذه الجرائم وهو بهذا يشير إلى القيادة السياسية المتمثلة برئيس الوزراء والوزراء المعنيين والقيادة العسكرية المتمثلة بوزير الحرب باراك ورئيس الأركان اشكنازي وقادة الأسلحة المختلفة والفيالق والفرق المختلفة وحتى الجنود.

• إن تقرير جولدستون يشكل إدانة وهزيمة أخلاقية وقانونية وثقافية وقيمية وإنسانية وسياسية وإعلامية وشعبية ونفسية ويغرس في اللا شعور الجمعي المنطقي صورة الإسرائيلي كمجرم حرب وقاتل وعدو للإنسانية بل ومرتكب جرائم ضد الإنسانية بكل ما لذلك من أبعاد على حاضر ومستقبل الكيان الصهيوني، حيث استقر الآن في أذهان الناس أن إسرائيل هي مجرم الحرب وليست ضحية الحرب!.

• تدرك إسرائيل أيضاً أن الحصار الذي تفرضه على الشعب الفلسطيني حسب اتفاقية العهد حول الإبادة Genocide Convention ليس سوى جريمة حرب ضد شعب أعزل مما يستدعي محاسبتها ومعاقبتها على ذلك.

• إن هناك إمكانية كبيرة لمعاقبة قادة إسرائيل ليس فقط في المحكمة الجنائية الدولية بل أيضاً على مستوى المحاكم الوطنية لكل دولة مما يعني عدم قدرة قادتها على السفر إلى الخارج وملاحقتهم أينما يذهبون قضائياً.

• إن التقرير قد يفرض على إسرائيل عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية ومقاطعة وسحب الاستثمارات كما حصل مع جنوب أفريقيا العنصرية وغيرها.

• قد يفرض حظر سلاح على إسرائيل استيراداً وتصديراً وتعاوناً مع أي دولة.

• مثول قادة إسرائيل في قفص الاتهام أمام العالم ومحاكمتهم وتجريمهم بكل ما لذلك من تأثير على واقع ودور ومستقبل بل ووجود الكيان الصهيوني.

• إدراك إسرائيل أنها هزمت أخلاقيا على مستوى العالم وهي التي دوماً كانت تتشدق بما أسموه "طهارة السلاح" فإذا سلاحهم هو أنجس وأجرم سلاح في يد أنجس وأجرم جندي وقائد.

• سيكون لذلك تأثير كبير على العلاقات والتطبيع مع الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث والدول المحبة للحرية والسلام بل حتى في مختلف الأوساط في أوروبا وأمريكا، خاصة من قبل مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات المدافعة عن الشعوب المقهورة والمضطهدة.

• سيحد أو سيمنع العدو الصهيوني من ارتكاب المزيد من المجازر والجرائم بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية.

• سيشجع الشعب الفلسطيني على فتح ملفات كل المجازر الصهيونية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية من دير ياسين إلى مجزرة جنين إلى مذبحة غزة وكل ما بين ذلك من جرائم، وهذا سيشجع أيضا الدول العربية الأخرى كمصر التي ارتكب مجرمو الحرب الصهاينة جرائم بحق أسراها أو جرائم الحرب الصهيونية في لبنان، خاصة قانا الأولى وقانا الثانية.

• تصعيد حالة العداء للصهاينة أعداء الإنسانية على مستوى كل الشعوب، خاصة العربية والإسلامية.

• استمرار ملاحقة قادة إسرائيل ومقاطعتها وفرض عقوبات عليها ومحاصرتها كدولة ارتكبت مجازر ضد الإنسانية في فلسطين، سيكون له تأثير على مستقبل الدولة العبرية وسينتهي بها الأمر كما انتهى في جنوب أفريقيا العنصرية، وانتصار نضال الأفارقة على نظام العنصرية وانتهاء العنصرية والنظام العنصري إلى الأبد، وهذه هي حركة التاريخ.

• إنه لأول مرة في تاريخ الصراع العربي - الصهيوني تدان إسرائيل رسمياً ومن أهم المنابر العالمية بارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية في قطاع غزة وهذه الجرائم موثقة بالصوت والصورة والدليل القاطع الذي لا تستطيع التهرب منه والذي يشد الخناق عليها ويجعل محاكمتها كمجرمة حرب أمراً مطلوباً ومحتوماً .

الدور المطلوب من السلطة الوطنية الفلسطينية :
لقد كشفت فضيحة تأجيل القرار بأن هناك أزمة حقيقية في آلية اتخاذ القرار وصناعته وكشف الأمر عن ارتجالية وعشوائية وفردية وتخبط لا يليق بمن يقود شعب بعظمة الشعب الفلسطيني أو بقدسية قضيته إضافة على الخضوع والانصياع للضغوط والابتزاز الأمريكي والإسرائيلي بيد أن هذا الموقف كشف أيضاً عن تحفز ويقظة الشعب الفلسطيني في مواجهة أي قرار يمس حقوقه وثوابته وهو رسالة إلى المسؤولين وأصحاب القرار بألا يلعبوا بالنار وينصاعوا إلى الضغوط الخارجية وألا يرتبكوا مثل هذه الخطايا التي لن يغفرها ولن يتسامح بها الشعب وسوف يفشلها وأن الشعب يتمسك بحقوقه وثوابته وأنه مصر على الانتصار مهما كانت التضحيات.

ومن هنا فلا بد للقيادة الفلسطينية أن تتعامل بأقصى درجات الجدية والاهتمام لإيصال تقرير جولدستون إلى الهيئات والمنظمات المختصة خاصة المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب لكشف الوجه القبيح لإسرائيل كدولة مارقة، عدوة للإنسانية لتكون في مواجهة وتصادم مع العالم والمجتمع الدولي، كما حصل مع جنوب أفريقيا العنصرية، حيث انتصر العدل وهزمت العنصرية، إيذانا لهزيمة الصهيونية العنصرية في المنطقة. وللوصول إلى ذلك يمكن اتخاذ الخطوات الآتية:

• تشكيل غرفة عمليات أو هيئة خاصة باسم هيئة تقرير جولدستون من كبار خبراء القانون الدولي وخبراء العلاقات العامة والإعلام والساسة تكون مخولة بكافة الصلاحيات لإدارة هذه المعركة للانتصار بها وإيصال القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين إلى قفص الاتهام.

• النظر إلى تقرير جولدستون بأنه ذو أهمية إستراتيجية على مستقبل الصراع والتعامل معه في إطار هذه الرؤية وعدم الانصياع لأي ضغوط أو مغريات تجعلنا نتساهل في الأمر، لأن هذا هو نفس الطريق الذي أطاح بنظام جنوب أفريقيا العنصري الذي انهى الابارتهيد في ذلك البلد.

• الانطلاق من أن إسرائيل مدانة بجرائم الحرب من أخمص القدم إلى أعلى الرأس بقياداتها السياسية والعسكرية وهذا ما قاله التقرير وأكده بالشواهد والوثائق والصور وعلينا أن نكرس هذا التوجه ويكون الهدف واضحاً أمامنا وهو الانتهاء بقادة إسرائيل في قفص الاتهام وإدانتها من المجتمع الدولي بكل ما يترتب على ذلك من نتائج.

• عدم الاستهانة بالتحرك الإسرائيلي - الصهيوني الذي سيستخدم كافة الأدوات والوسائل والضغوط والرشاوى والتهديدات والعمل السري الاستخباري والعمل الإعلامي الدبلوماسي والضغوط الاقتصادية في هذه المواجهة.

• إن إسرائيل تنظر إلى تقرير جولدستون، على أنه حرب ضدها بكل معنى الكلمة كما قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية خاصة ما قاله آري شغيط في هاآرتس يوم 18/10/2009 ولهذا فإسرائيل تنطلق من هذه الرؤية في التصدي للتقرير ولقد قال الساسة الإسرائيليون أنفسهم لقد خسرنا معركة ولم نخسر الحرب بعد، ولهذا هم يعدون العدة للمواجهة على جميع المستويات والاستعانة بكبار خبراء القانون الدولي، وهم لا يريدون إفشال التقرير دبلوماسياً وسياسياً أو بالفيتو الأمريكي فحسب، بل سيحاولون أيضاً إفشاله قانونياً لمحو الصفحة السوداء وصورة القاتل المجرم، ومجرم الحرب، وعدو الإنسانية التي رسمها تقرير جولدستون عن القادة الإسرائيليين سياسيين وعسكريين.

• يجب أن نزج في هذه المعركة كل منظمات حقوق الإنسان على المستوى الفلسطيني - العربي والإسلامي والعالمي وكذلك خبراء القانون الدولي على مستوى العالم الذين هم على استعداد لإحقاق الحق والوقوف معنا من أمثال أستاذ القانون الدولي الأمريكي Francis Boyle الذي عرض أكثر من مرة رفع دعاوي ضد قادة إسرائيل لمحاكمتهم كمجرمي حرب.

• التنسيق الجاد والمتواصل مع جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الأفريقية ومنظمة دول عدم الانحياز لكسب تأييد أكبر عدد من دول العالم في الجمعية العامة والمؤسسات الدولية الأخرى من أجل هذا الهدف.

• التأكيد على أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم بل يجب الاستمرار في ملاحقة مجرمي الحرب إلى أن تطالهم العدالة.

• الإعداد من الآن بالبدء في فتح ملف جرائم إسرائيل ومجازرها منذ عام 1948 خاصة جرائم دير ياسين وجنين وصبرا وشاتيلا وخانيونس وغزة وغيرها وكل هذه الجرائم موثقة وبشهادات من المؤرخين الجدد الإسرائيليين خاصة إيلان بايين في كتابة "التطهير العرقي الذي وثق فيه كل جرائم إسرائيل في حرب 1948 و 1956 وغيرها بالأسماء والأرقام.

• شن حملة إعلامية عالمية وعمل أفلام وثائقية بالصور والأرقام حول الدمار الهائل والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والاستشهاد في ذلك بما صدر من اعترافات وتصريحات لجنود وضباط وحاخامات نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بالعبرية والانجليزية وغيرها من اللغات.

• عدم الرضوخ للابتزاز الإسرائيلي والأمريكي والادعاء بأن التمسك بتقرير جولدستون هو ضد العملية السلمية، لأنه لا يوجد في الأساس عملية سلمية بل يوجد مباحثات عبثية والنظر بدونيه واحتقار إلى المفاوض الفلسطيني الأمر الذي جعل الكاتب الإسرائيلي نيف جوردون يقارن السلطة في رام الله بروابط القرى والكاتب الإسرائيلي جدعون ليقي يصف رئيس السلطة بالطرطور Puppet، بل أن الوزير الإسرائيلي السابق يوسي ساريد قال أن إسرائيل حولت محمود عباس من شريك إلى عميل ثم أهانته" بل أن إسرائيل تستمر يومياً في إهانة السلطة والاستمرار في مشاريع الاستيلاء على الأرض وبناء المستعمرات وممارسة التطهير في القدس وغيرها وترفض تنفيذ حتى الاتفاقيات التي وقعتها وتنظر بازدراء واحتقار للسلطة، ومن هنا لا يجب أن يخضع تقرير جولدستون لأي ابتزاز، حتى لا تعود إسرائيل لجرائمها وحتى تنصاع للقانون الدولي ويتم محاسبتها كمجرم ارتكب جرائم حرب ضد الإنسانية!.

• إننا يجب أن نفتح ملف كل القرارات الدولية التي رفضتها إسرائيل وخاصة القرار 194 الخاص بتنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين التاريخية التي طردتهم مها إسرائيل عام 1948، ووضع آلية للتنفيذ وتعويض اللاجئين عن البؤس والشقاء والحرمان والتشريد والمعاناة النفسية، وكذلك عن استغلال أرضهم ومدنهم وقراهم ومواردهم لأكثر من ستة عقود من قبل الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني لفلسطين.

• العمل وبجدية عن طريق المجتمع الدولي ومؤسسات المجتمع الدولي ثم العمل مع كل دولة على حده لجلب مجرمي الحرب الإسرائيلية إلى المحاكم الوطنية لكل دولة لمحاكمتهم أمامها حسب قوانين كل دولة.

• القيام بحملة عالمية مع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية في إطار BDS المقاطعة، وسحب الاستثمار وفرض عقوبات على النظام الإسرائيلي الصهيوني العنصري أسوة بما حصل في جنوب أفريقيا حتى تكون نهايته كنهاية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

• يجب أن يكون لنا موقف واضح وصريح من الإدارة الأمريكية في هذه القضية، لأن إسرائيل لن تنصاع وتنهي احتلالها وحصارها وتوقف استيطانها وما تقوم به من تطهير عراقي وقتل ومجازر وتدمير يومي إلا إذا أرغمت على ذلك وأرغمها المجتمع الدولي على ذلك وهذه فرصة ذهبية لنا بل للعالم أن يفرض عقوبات على إسرائيل ويحاكم قادتها كمجرمي حرب ويطلب منها تنفيذ القرارات الدولية والانصياع لها لأنها ارتكبت جرائم بحق الإنسانية ويجب على المجتمع الدولي والإنسانية جمعاء معاقبتها حفاظاً على العدالة والأمن والسلام في العالم، أما إذا هددت أمريكا باتخاذ الفيتو في مجلس الأمن أو الضغط لإكراه الدول الأخرى لتعديل موقفها، فهذا يعني بوضوح أن أمريكا لا يمكن أن تكون وسيطاً أو حتى سمساراً للسلام ومن هنا يتوجب اتخذا موقف حازم وفاضح لأمريكا وإعلانه على الملأ لأنها بهذا تكون عدوة لحقوق الإنسان وشريكة في جرائم الحرب الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني وتمارس المعايير المزدوجة في واضح النهار. إن أمريكا ليست وسيطاً نزيهاً للسلام بأي حالٍ من الأحوال ولكن وقوفها مع إسرائيل في وجه العدالة المطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة يؤكد للعالم بل والشعب الأمريكي أن الإدارة الأمريكية مجرم حرب وتدافع وتحمي مجرمي الحرب وهي لهذا لا يمكن أن نحترم أو أن تقبل وساطتها أو دورها في أي مكان لا نخططها وسقوطها الأخلاقي بالوقوف مع القتلة والمجرمين وهذا ما يؤكده إصرار الرئيس الأمريكي أوباما والإدارة الأمريكية على استمرار استئناف المفاوضات العبثية مع استمرار الاستيطان الصهيوني والحصار وسياسة التطهير العرقي التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في فلسطين وخاصة في القدس مديناً وسكاناً وأرضاً وشعباً.

• إن هذا التقرير الذي يحمل في صفحاته الـ 574 الإدانة كل الإدانة لإسرائيل ويحمل المسؤولية لمن أتخذ القرار أصدره ونفذه في حوالي 96% من صفحاته يسبب قلقاً وأرقاً كبيراً لإسرائيل، لأنها تعلم أنه بداية النهاية، ولهذا علينا أن لا نستهين بهذا التقرير ونتائجه وإبعاده، وعلينا العمل ليل نهار لتطبيق كل توصياته، لأن ما ارتكبته إسرائيل من جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني جعلها الآن في نظر العالم هي المجرم السفاح الذي قتل أطفال فلسطين بدم بارد، بعد أن خدعت العالم لسنوات طوال بأنها الضحية إسرائيل الآن هي مجرم الحرب الذي يهدد الأمن والسلم ليس في منطقة فقط بل على امتداد العالم لهذا يجب أن يكون العقاب بحجم جريمتها ضد الإنسانية.

الدور المطلوب من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني:

لقد لعبت منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الأهلية دوراً كبيراً بل كان لهذه المنظمات الدور الأكبر والأهم في تقرير جولدستون، لأن الدفاع عن حقوق الإنسان هو من صلب عملها بل هو عملها وشغلها الشاغل الذي تجيده وتتصدع لكل الانتهاكات التي تمس هذه الحقوق في أي مكان، ولأنها منظمات غير حكومية، فهي أقل تعرضاً للضغط السياسي الحكومي والمساومات والابتزازات التي تتعرض لها الدول، ولا تأخذ - حسب تفويضها - الاعتبارات السياسية في الحسان ومن هنا وجوب تشكيل تجمع أو هيئة تنسيقية تجمع كل منظمات حقوق الإنسان في فلسطين والوطن العربي والإسلامي والعالم يجمع أيضاً المثقفين والأكاديميين والصحافيين والإعلاميين المدافعين عن حقوق الإنسان وخاصة المجموعات العاملة في حقل BDS، المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل، وفرض عقوبات عليها وإطلاق حملة عالمية ضد إسرائيل أسوة بما حصل ذات يوم ضد نظام الأبارتهيد في جنوب أفريقيا والقيام باستقطاب خبراء وأساتذة القانون الدولي المتعاطفين مع القضية الفلسطينية خاصة من دول أمريكا وأوروبا للدور المهم الذين يمكن أن يلعبوه أمام شعوبهم في كشف حقيقة إسرائيل كدولة صهيونية عنصرية تفوقت على النازية في استخدام أحدث الأسلحة فتكاً ودماراً ضد الشعب الفلسطيني ليس أقلها الفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وأنواع أخرى من الأسلحة المحرمة دولياً التي تحرق وتبتر الأطراف وتقتل ببطء وتسبب أمراض مزمنة وغيرها.

• الاتفاق مع منظمات حقوق الإنسان بأن ترفع قضايا في بلدانها أمام المحاكم الوطنية لمحاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب واعتقال كل من يقوم بزيارة لهذه البلدان .

• رصد تحركات قادة إسرائيل العسكريين والسياسيين في البلدان التي يزورونها سراً أو عد علناً ورفع دعاوي قضايا ضدهم لجلبهم للعدالة.

• تزويد المحاكم الوطنية بالوثائق والشهادات والأرقام والإحصاءات والأسماء والتواريخ لكل جرائم الحرب التي ارتكبها المسؤولين الإسرائيليين.

• التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية بكل الوثائق والشهادات والدلائل لمحاكمة القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين الصهاينة بسبب جرائم ضد الإنسانية.

• العمل على رفع الحصار عن قطاع غزة باعتباره جريمة حرب إبادة تتطلب محاكمة من يفرض هذا الحصار على أساس هذه الجريمة ومحاكمة من يفرض الحصار كمجرم حرب.

• استخدام القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ووثيقة جنيف وثيقة العهد الإنساني والاقتصادي والاجتماعي وكل الوثائق المدافعة عن حقوق الإنسان الوطنية والدولية لملاحقة قادة إسرائيل جنائياً ودولياً وجلبهم إلى قفص الاتهام والمحاكمة لمحاكمتهم بتهم جرائم الحرب والإرهاب التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني.

• الضغط وتفعيل كل القرارات الصادرة عن مؤسسات الأمم المتحدة والخاصة بحقوق الشعب الفلسطيني، وخاصة القرار 194 الخاص بحق العودة والتعويض والقرار 3236 الخاص بتقرير بحق تقرير المصير والحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة وخاصة حقه في مقاومة الاحتلال في مختلف الأساليب والوسائل.

• فضح وكشف الدور الأمريكي ودور الدول الأوربية الأخرى التي ترفع لواء حقوق الإنسان وتنكره على الشعب الفلسطيني وتساند إسرائيل في مواقفها الإجرامية واللاانسانية والطاغية .

• الضغط لفرض حظر على بيع السلاح لإسرائيل وعدم التعامل معها عسكرياً على مستوى السلاح أو التدريب أو المناورات أو الاتفاقيات أو الزيارات.

• مساعدة الشعب الفلسطيني والوقوف مع ضحاياه في رفع دعاوى أمام المحاكم الوطنية والدولية للحصول على حقوق وتطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ضد إسرائيل.

• الإعلان أن إسرائيل دولة مارقة خارجة عن القانون لأنها لم تنصاع للقانون الدولي ولم تنفذ قرارات المجتمع الدولي الخاصة بالحقوق الوطنية الفلسطينية وخاصة حق العودة وإنهاء الاحتلال، وتقرير المصير والطلب من دول وشعوب العالم بقطع العلاقات الرسمية والشعبية معها وسحب السفراء وفرض عقوبات عليها أسوة بما حصل مع دول أخرى.

• العمل على جلب قادة إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم التطهير العرقي التي تمارسها في فلسطين وخاصة القدس والمناطق المحيطة بها والمس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية والتراث الإنساني لمدينة القدس.

إن إسرائيل المدعومة أمريكياً تشكل تهديداً للأمن والسلم العالمي كما قال المؤرخ البريطاني الشهير رنولد توينبي ولهذا إذا لم يتم وضع حد لسلوكها وتصرفاتها فقد تقود العالم إلى الهاوية، لأنها تتصرف وبدعم أمريكي أو دولي وكأنها فوق القانون، ومن هنا الأهمية القصوى لتحرك وعمل منظمات حقوق الإنسان، لوضع حد لهذه الدولة المارقة قبل فوات الأوان. إن الوقوف ضد هذه الدولة المارقة هو مسؤولية الضمير الإنساني العالمي قبل أن يصحو العالم ذات يوم وقد حلت الكارثة علينا جميعاً من مجرمي الحرب الإسرائيليين الصهاينة أمثال ليبرمان وباراك ونتنياهو وشكنازي وغيرهم . إن هؤلاء المجرمين الصهاينة النازيين قد يقودون العالم إلى الهاوية وربما إلى حرب عالمية تفني البشرية كما يرى أحد خبراء القانون الدولي.
وحينها لن ينفع الندم؟

--------
* كاتب وأكاديمي فلسطيني

التعليقات