27/09/2010 - 12:41

إمبراطورية مصرية بالأمس، وإيرانية اليوم!../ نصر شمالي

-

إمبراطورية مصرية بالأمس، وإيرانية اليوم!../ نصر شمالي
يتذرّع الأميركيون والإسرائيليون (ومن يجاريهم من الحكام العرب وجماعاتهم) بالخطر الإمبراطوري الفارسي!
 
إنّها الذريعة ذاتها، طبق الأصل، التي استخدمت ضدّ الخطر الإمبراطوري المصري (الفرعوني!) في الخمسينيات، والتي قبلها "عقلاء" العرب حينئذ، وأخذوها على محمل الجدّ، وعملوا على أساسها!
 
 فليس مهمّاً أن يتوفّر سبب حقيقي مقنع لشنّ الحرب أو لا يتوفّر، والتلفيقات جاهزة في جميع الأزمنة والأمكنة، والذين سيقبلونها من العرب، ويأخذونها على محمل الجدّ ويعملون على أساسها، ضدّ مصر أو ضدّ إيران، وضدّ حزب البعث أو الحزب الشيوعي أو حزب الله أو حركة حماس لا فرق، لا يزالون على عهدهم، بل أشدّ من ذي قبل بعد صمود المقاومة في مواقعها ودحرها للهجمات الإسرائيلية في لبنان وفلسطين.
 
لقد كان معروفاً تماماً لقادة الكيان الصهيوني، في منتصف الخمسينيات الماضية، أنّ نظام عبد الناصر في مصر لم يكن يشكّل بعد أيّ تهديد للوجود الإسرائيلي، ومع ذلك حاول ديفيد بن غوريون في اجتماع وزاري (إسرائيلي) بتاريخ 29/7/1955 أن يثبت أنّ مصر تطمح إلى السيطرة على أفريقيا كلّها، حتى على جنوب أفريقيا حيث سيقوم السود يوماً بذبح البيض، ثمّ يخضعون أنفسهم للسلطة المصرية الإمبراطورية!
 
هذا ما جاء في يوميات موشي شاريت.... ويقول شاريت إنّ واشنطن هي من كان يقف وراء عنف واتقاد موقف بن غوريون الداعي إلى شنّ الحرب ضدّ مصر (بسبب صفقة الأسلحة التشيكية تحديداً).
 
كانت الحكومة الأميركية مرتبكة أشدّ الارتباك في تعاملها مع القيادة الثورية المصرية، بخاصة بعد صفقة الأسلحة التشيكية.... وقد أرسلت وكالة المخابرات المركزية برقية إلى الإسرائيليين، وقّعها المدعو كرميت روزفلت، جاء فيها: "إنّنا مندهشون لصمتكم"! وكانت ترجمة ذلك هي: إذا كنتم ستضربون مصر حين تصلها الأسلحة السوفييتية فلن يحتجّ أحد! وبالفعل أعلن بن غوريون أمام اجتماع وزاري قائلاً: إذا حصلوا على طائرات ميغ فسوف ندمّرها، وباستطاعتنا فعل ذلك!
 
لقد استنتج رئيس الاستخبارات الإسرائيلية عزرا هاريل من برقية الاستخبارات الأميركية ما يلي: البرقية تقول لنا إنّ يدنا مطلقة، وأنّ الربّ سيباركنا إذا تصرّفنا بجرأة، وأنّ الولايات المتحدة معنية بالإطاحة بنظام عبد الناصر، لكنّها لا تستطيع الآن استخدام الأساليب التي استخدمتها للإطاحة بحكومة مصدّق في إيران (عام 1953) وهي تفضّل أن تقوم "إسرائيل" بعملها كلّياً!
 
وبعد سنة بالضبط احتلّت القوات الإسرائيلية قطاع غزّة، وسيناء، ومضائق تيران، وانتشرت على طول شاطئ قناة السويس، تتابع القاذفات الجوية البريطانية والفرنسية وهي تقصف المدن المصرية الساحلية.
 
في لحظة الهجوم الثلاثي تلك ضدّ مصر (عام 1956) تظاهرت واشنطن بالدهشة وبالسخط، لكنها ميّزت بوضوح بين موقفها من البريطانيين والفرنسيين، الذين تريد إخراجهم من المنطقة والحلول محلّهم، وبين موقفها من الإسرائيليين الذين سيصبحون في خدمتها وحدها، والذين تركتهم يحققون المكاسب التي توخوها من وراء اشتراكهم في العدوان الثلاثي، وخصوصاً الحصول على ميناء في البحر الأحمر!
 
إنّ الحرب مفتوحة ومستمرة، وهي حقاً حرب وجود، وظيفتها أن لا يستردّ العرب أوطانهم المحتلة والتابعة، وأن لا يحقّقوا أيّ حضور مستقل كريم.
 
 وهذه الحرب العدوانية، التي تتكرّر جولاتها كلّ بضع سنوات، تردّد الاتهامات ذاتها بالضبط ضدّ المتمرّدين والمقاومين.
 
 ولو عدنا إلى ما اتهموا به حكومة عبد الناصر، وحكومة صدّام حسين، وغيرهما، لوجدنا أنها الاتهامات نفسها التي يوجّهونها اليوم إلى حكومة طهران، وغداً إلى حكومة أنقرة. كما أنّ الأساليب والوسائل هي ذاتها في جوهرها وليس في مظهرها، وأهمّها الاستفادة من الاختراقات العميقة، فالاصطفاف اليوم، في لبنان مثلاً، هو صورة عن اصطفاف الخمسينيات، وما تغيّر هو أنّ طهران متهمة اليوم، بدلاً من القاهرة، بالتهم ذاتها لا أكثر ولا أقلّ!
 
الحلّ لهذا المأزق التاريخي؟ إنّه القضاء على الاختراقات، واستقلال الإرادة العربية، واعتماد إستراتيجية المقاومة.
وإذا كان أوان تحقيق ذلك قد آن فذلك يعني أنّ خلاص الأمة التاريخي أصبح ممكناً! 

التعليقات