31/10/2010 - 11:02

15 عاما على أوسلو؛ الوهم والحقيقة!../ نواف الزرو

15 عاما على أوسلو؛ الوهم والحقيقة!../ نواف الزرو
بينما يقول الرئيس الفلسطيني في لقاء له مع هآرتس العبرية بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على أوسلو:
"هذا أمر لا يصدق، أبعد من أي خيال أننا لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق سلام حتى الآن، ولكن اليوم أيضا، أنا على قناعة أنني كنت سأوقع على اتفاق أوسلو، وأنا لا أندم على اتفاق أوسلو/هآرتس-12/09/2008 ".

وبينما يقول أوري سفير- مدير عام وزارة الخارجية ونائب سابقا، الذي أدار المفاوضات السرية التي أدت إلى اتفاقات أوسلو – في معاريف-11 / 9 / 2008 " إن أوسلو ما زال هو الطريق وانه لا سلام بدونه"، يوضح المحلل الإسرائيلي اليكس فيشمان في مقال نشره في يديعوت/ – 12/9/2008 تحت عنوان" القانون الحديدي" قائلا:"القانون الحديدي الذي تجذر منذ أوسلو: السياسيون في الشرق الأوسط ملزمون بإجراء مفاوضات ولكن من المحظور عليهم الوصول إلى الهدف، فالتفاوض يعني البقاء والحكم أما اتخاذ القرارات فيعني الموت السياسي، والوصفه الموثوقة لضمان حياة طويلة للسياسيين هي مفاوضات عقيمة".

وعن موت أوسلو كان نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وربما القادم أيضا قد أعلن في عهده غير مرة : " أن اتفاق أوسلو قد مات " و "أنه يعتزم خفض سقف الطموحات الفلسطينية إلى أدنى حد ممكن ".

وتحدثت مصادر إسرائيلية سياسية وأمنية وإعلامية عديدة في ذلك الوقت عن " موت " أو " احتضار أوسلو أو " أنه في غرفة العناية الحثيثة ".. فتحدثت صحيفة هآرتس مثلاً عن " أن كل الطرق تؤدي للهروب من أوسلو – إسرائيلياً – "، وأكد شلومو غازيت الجنرال الاحتياط والمفكر الاستراتيجي الإسرائيلي المعروف " أن اتفاق أوسلو مات – "، بينما دعا يوسي بيلين مهندس أوسلو من الجانب الإسرائيلي – سابقاً – إلى تأجيل مفاوضات التسوية الدائمة- ".

وعمليا تحقق كل ذلك، غير أن القيادة الفلسطينية لا تريد أن ترى ذلك وتتمسك باستمرار المفاوضات من اجل المفاوضات فقط ولأنه لا بديل من وجهة نظرها للمفاوضات!

حتى من الجانب الفلسطيني تحدثت كذلك مصادر فلسطينية سياسية رسمية وفصائلية مؤيدة ومعارضة على حد سواء، وفي أكثر من مناسبة عن " أن أوسلو في غرفة الإنعاش، وأن العملية برمتها في " مأزق " أو في " نفق مظلم "، وأن على الفلسطينيين البحث عن مخرج لهذا المأزق – هاني الحسن- كمثال- في وثيقته حول مأزق أوسلو مثلاً.

فمنذ البدايات تبنى الفلسطينيون والعرب السلام كخيار استراتيجي بعد أن سقط الخيار العسكري تماماً بعد كامب ديفيد، وكان شعار مدريد " الأرض مقابل السلام " على أساس قرارات مجلس الأمن المعروفة - 242 و 338 فجاء اتفاق أوسلو الالتفافي على مفاوضات واشنطن - والوفد الفلسطيني بقيادة المرحوم الدكتور حيدر عبد الشافي - ليفاجئ الجميع بصيغة أخرى وليفعل فعله في خلق وتكريس المأزق الفلسطيني الداخلي من جهة، وليفاقم المأزق الفلسطيني في مواجهة مشروع الاحتلال من جهة أخرى.

والتفسير الرسمي الفلسطيني لأوسلو: أنه يتكون من مرحلتين الانتقالية باستحقاقاتها المختلفة وخاصة على صعيد تطبيق الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة والقطاع - ولتستمر هذه المرحلة مدة خمس سنوات، تسلم إسرائيل في إطارها معظم الأراضي المحتلة إلى السلطة الفلسطينية التي يجب أن تصل نسبتها إلى نحو 90% من المساحة الإجمالية، والمرحلة الدائمة التي كان يجب أن تبدأ مفاوضاتها عام/1998 حول القضايا الفلسطينية الجوهرية المؤجلة، لتنتهي المرحلة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الرابع من أيار 1999.

أما التفسير الإسرائيلي فمختلف تماماً، حيث يتحدث فقط عن حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة والقطاع في المرحلة الانتقالية، وعن تسوية دائمة للقضايا المؤجلة في المرحلة الثانية دون أي إشارة إلى استقلال فلسطيني في إطار دولة، وتحدث باراك تحديداً عن الفصل والانفصال عن الفلسطينيين وقد واصل في هذه النقطة طريق رابين.

فما الذي حدث إذن على مدى سنوات المفاوضات السابقة... ؟
العنوان الكبير الذي ميز المرحلة السابقة من عمر عملية المفاوضات العقيمة الذي يمكن أن نضع تحته خطوطاً مشددة بلا نهاية هو : لعبة المتاهات وكسب الوقت من قبل الاحتلال وتكريس واقع الاحتلال والاستيطان والتهويد، وعن معطيات ذلك فلا حصر للوثائق...!.

فقد خضع الفلسطينيون والعرب للعبة الإسرائيلية المعروفة والمخبورة جيداً: لعبة المماطلة والتسويف والتتويه والتفكيك والانتقال من الجوهري إلى الهامشي ومن الأساسي إلى الإجرائي … إنها لعبة المتاهات الإسرائيلية.
ففرض رابين في عهده هذه اللعبة على الفلسطينيين حينما أخذ يتفلت ويتهرب تباعاً من استحقاقات المرحلة الانتقالية وخاصة على صعيد الانسحاب من الأراضي.. ورفع شعاره المعروف بـ " أن لا مواعيد مقدسة لديه ". فيما دخلت إسرائيل والمنطقة في مفترق طرق بعد اغتيال رابين، لتصبح عملية السلام كلها في مهب الرياح الإسرائيلية.

ثم جاء الجنرال نتنياهو بثوبه المدني ليفرض على الفلسطينيين والعرب الدخول مرة أخرى في نفق المتاهات وفقدان البوصلة والتوجهات والمرجعيات وأوراق الحول والضغط وطغى على سياساته آنذاك شعار:
" إذا أعطوا وقدموا..يأخذوا...!"، وقد اخذ الفلسطينيون من نتنياهو لعبة المتاهات وقتل الوقت وتوسيع وتكريس الاستيطان...!

ثم جاءنا الجنرال باراك بمطلبيه المعروفين:"إنهاء نزاع القرن"، و"إنهاء المطالب الفلسطيني"، ثم جاءنا شارونهم البلدوزري ليشرع في اجتياحات "السور الواقي" في الضفة والقطاع بهدف تدمير ليس فقط أوسلو بمنجزاته البائسة، وانما للإجهاز على انتفاضة الأقصى والقضية الفلسطينية، بينما يواصل اولمرت حتى اللحظة نهج شارون في استيطان وتهويد"ارض إسرائيل"، وليس من شك أن من سيأتي بعد اولمرت قريبا سيواصل السياسة ذاتها...!

وعلى المستوى الميداني توضح المعطيات أن الخرائط الإسرائيلية جاءت أولاً وقبل كل شيء من المنطلق الأيديولوجي اليميني الصهيوني الذي يعتبر الضفة الغربية وقطاع غزة جزءاً من " أرض إسرائيل " وأن على الفلسطينيين أن يقبلوا " الحكم الذاتي " لهم كسقف سياسي، وفي هذا الصدد نشير إلى تصريح لباراك الذي اعتبر فيه " أن قرارات الأمم المتحدة 242 و 338 لا تسري على الضفة الغربية وقطاع غزة " - صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، عدد 8/11/1999 -.

لذا نرى أن الخرائط تقطع أوصال الجسم الفلسطيني والوحدة الجغرافية والسكانية الفلسطينية إلى أجزاء وجيوب أو كانتونات وغيتوات معزولة محاصرة بتكتلات المستوطنات ومعسكر الجيش.
ويمكن القول أن الخرائط الإسرائيلية تقود إلى تكريس واقع الاحتلال والسيطرة الإستراتيجية الإسرائيلية على الأراضي المحتلة وتجهض مقومات إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ونتابع ونرى كيف دخلت المفاوضات نفقاً طويلاً معتماً بلا مخرج.. وكيف غرزت في الأوحال بلا حراك أو تقدم حقيقي … ؟!
ولذلك نعود لنتساءل اليوم أيضا بعد مرور خمسة عشر عاما على أوسلو:
- أين نحن اليوم حقيقة من آفاق الحل النهائي في القضايا الجوهرية الكبيرة المعلقة..؟
- وأين أصبح موقع هذا الحل في المساحة الممتدة بين الوهم والحقيقة …؟
- وإلى أين قادتنا المفاوضات منذ ذلك الوقت..؟
ثم والأهم من ذلك كله، ما هي السيناريوهات والآفاق والاحتمالات المقروءة لهذه المفاوضات..؟

الواضح أننا نقف اليوم في الحقيقة أمام مشهد سياسي ومسار تفاوضي عقيم حينما تكون كل المفاوضات والمؤتمرات السلامية بلا "جداول زمنية" ملزمة، وبلا "مواعيد مقدسة " تحترمها "إسرائيل" أو الإدارة الأمريكية، فنحن بالتالي أمام طريق مسدود حتما، وأمام مفاوضات عقيمة متأزمة تتنفس تحت الماء، وأمام خيبات أمل فلسطينية وعربية متلاحقة، وحسابات فلسطينية مرتبكة، لم تتطابق فيها أبداً حسابات الحقل مع حسابات البيدر، الأمر الذي يبقي الملفات مفتوحة على كافة الاحتمالات بما فيها الاحتمال المرجح دائما في ظل الاحتلال بلا أفق سياسي استقلالي وهو حتما الانتفاضات والمواجهات واسعة النطاق.

التعليقات