31/10/2010 - 11:02

إسرائيل والمشروع النووي الإيراني(1/2)../ د.محمود محارب

إسرائيل والمشروع النووي الإيراني(1/2)../ د.محمود محارب
احتل مشروع إيران النووي قمة أجندة المباحثات التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، مع الرئيس الأميركي بوش. فقد سعى أولمرت إلى وضع الملف الأيراني في قمة أولويات الأجندة الأميركية والى إحداث تاَكل في صدقية تقرير أجهزة المخابرات الأميركية والى التشديد على ضرورة توجيه ضربة عسكرية لإيران إذا لم تؤثر العقوبات الدولية عليها، والى التوصل إلى اتفاق مكتوب مع الرئيس بوش يلزم الإدارة الأميركية القادمة بمنع ايران من الوصول إلى السلاح النووي ووضع جدول زمني لتحقيق ذلك.

تزداد في الأسابيع الأخيرة تصريحات الكثير من قادة اسرائيل ضد إيران ومشروعها النووي، في ضوء أزمة اولمرت واحتدام المنافسة على خلافته. وفي هذا السياق صرح، مثلا، شاؤول موفاز نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير المواصلات ومسؤول ملف الحوار الأستراتيجي مع الولايات المتحدة لصحيفة "يديعوت احرونوت" (6-6-2008) ، انه لا مناص لإسرائيل سوى شن هجوم على إيران لمنعها من تطوير السلاح النووي، وان الوقت قد انتهى.

تولي القيادة الإسرائيلية المشروع النووي الإيراني الأهمية القصوى وتضعه منذ سنوات في مقدمة أجندتها لكونه، وفق اعتقادها، يحمل بين ثناياه، إذا تمكنت إيران من تطوير مشروعها النووي والحصول على القنبلة النووية، كما تدعي إسرائيل، وضع حد لاحتكار إسرائيل السلاح النووي، وإحداث تغيير استراتيجي في ميزان القوى في الشرق الأوسط، بصورة جذرية وغير مسبوقة، وخلق واقع جديد تصبح فيه إيران دولة إقليمية قوية للغاية وذات مكانة وتأثير ونفوذ في المنطقة، تشكل فيه محورا قويا وهاما جدا في مواجهة السياسة الإسرائيلية.

إن من شأن حدوث ذلك، وفق إسرائيل، أن يحجم مكانة ونفوذ إسرائيل في المنطقة وان يقود إلى تعزيز قوة ونفوذ القوى المناهضة والمقاومة لإسرائيل والمتحالفة مع إيران، وخاصة سوريا وحزب الله وحماس والجهاد، وان يحد من قدرة إسرائيل من الأعتداء عليهم والحاق الأذى بهم، وقد يمنحهم مظلة نووية في مواجهة إسرائيل النووية. كذلك بإمكان امتلاك إيران للسلاح النووي أن يخلق حالة من الخوف والهلع في المجتمع الإسرائيلي، وقد يقود في المراحل الأولى إلى وقف الهجرة إلى إسرائيل وزيادة الهجرة المعاكسة وانخفاض الإستثمارات في إسرائيل. كذلك تشكل إيران النووية، وفق المنظور الإسرائيلي، ضغطا على العديد من الدول خاصة مصر والسعودية وسوريا وتركيا والجزائر إلى محاولة اللحاق بها.

انصب الجهد الإسرائيلي، منذ سنوات طويلة، حول كيفية منع إيران من تطوير مشروعها النووي، فادعت منذ البداية أن ايران تسعى لتطوير السلاح النووي، وكانت بمثابة الموتور المحرك للجهد الدولي من أجل منع إيران من تحقيق هذا الغرض. وحرصت إسرائيل، في سياستها تجاه مشروع إيران النووي، ألا تظهر أنها هي المحرك المركزي للنشاط الدولي ضد إيران، وألا تقود علنا الحملة ضد برنامج ايران النووي، وألا تظهر المشروع النووي الأيراني كمشكلة لأسرائيل بالدرجة الأولى؛ واجتهدت، عوضا عن ذلك، أن تظهر ان المشروع النووي الإيراني يشكل، أولا وقبل كل شيء، خطرا على السلم العالمي، وأنه يخل بالأستقرار وموازين القوى في المنطقة، وفي هذا السياق ادعت أنه يعرض وجود إسرائيل للخطر.

لذلك رأت السياسة الإسرائيلية أنه يتوجب على المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، اتخاذ الأجراءات الملائمة والكفيلة بمنع حصول إيران على السلاح النووي، فدعت وسعت إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية مؤلمة ومستمرة ضد ايران، تحت مظلة مجلس الأمن الدولي، واستنفاذها إلى أقصى مداها. ولكن في حالة عدم تحقيقها الهدف المنشود، وعند اقتراب إيران من المرحلة التي يمكنها فيها صنع القنبلة النووية، يتوجب استعمال القوة العسكرية، لمنعها من الحصول على السلاح النووي.

وتهدد إسرائيل، بين الفينة والأخرى، باستعمال القوة العسكرية ضد المشروع النووي الإيراني، لاعتقادها أن ذلك يشجع الدول الهامة في العالم على المضي قدما بخطى اسرع نحو فرض عقوبات اقتصادية مؤلمة ضد إيران، وأنه يبقي استعمال القوة العسكرية ملاذا أخيرا، في حال فشل العقوبات الإقتصادية.

كان يبدو قبل صدور تقرير أجهزة المخابرات الأميركية في نهاية العام الماضي، أن إسرائيل حققت ما تريده في جهدها متعدد الجوانب من أجل منع ايران من تطوير مشروعها النووي. وظهر ذلك من خلال تصريحات العديد من قادة الدول الهامة، الذين أبدوا إصرارهم على منع ايران من الحصول على السلاح النووي، وأكدوا أنه ينبغي استعمال العقوبات الاقتصادية والسياسية والقوة العسكرية ضد إيران إذا لم توقف مشروعها. وتجلى ذلك بوضوع في تصريحات الرئيس الأمريكي بوش حول خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة إذا استمرت إيران في تطوير مشروعها النووي، وأيضا في تصريحات كل من قادة فرنسا وبريطانيا الذين حذروا إيران وأكدوا أنه ينبغي استعمال القوة العسكرية ضدها إذا ما استمرت في تطوير مشروعها النووي. بيد أن كل ذلك انقلب رأسا على عقب، على أثر نشر تقرير أجهزة المخابرات والأمن القومي الأميركية، التي أكدت فيه أن إيران أوقفت منذ سنة 2003 تطوير برنامجها النووي العسكري.

تقرير أجهزة المخابرات الأميركية:

علمت إسرائيل جزئيا حول مضمون تقرير أجهزة المخابرات الأميركية قبل نشره، فقد حصل كل من إيهود براك وزير الدفاع الأسرائيلي والوزير شاؤول موفاز المسؤول عن ملف الحوار الأستراتيجي مع الولايات المتحدة، على معلومات أولية ومحدودة حول مضمون تقرير أجهزة المخابرات الأميركية، قبل شهر من نشره. واثناء اللقاء على هامش اجتماع انابولس أطلع وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أيهود براك بمضمون التقرير، والذي أسرع بدوره بأطلاع أولمرت.

وبحث هذا الموضوع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت مع الرئيس بوش في لقائهما على هامش اجتماع أنابولس. ورغم الاتصالات بين القيادتين الأميركية والأسرائيلية، تفاجأت القيادة الإسرائيلية من التقرير لجهة نشره على الملأ ولشدة اختلاف مضمون التقرير عن الخط الرسمي للإدارة الأميركية واسرائيل تجاه مشروع إيران النووي.

اتفق معظم المحللين والخبراء الاسرائليين على أن تقرير المخابرات شكل ضربة قوية لسياسة إسرائيل تجاه إيران ومشروعها النووي. وعبر عن هذا التوجه بصورة واضحة شموئيل روزنر مراسل صحيفة هآرتس في واشنطن والوف بن المحلل السياسي لصحيفة هآرتس في مقالهما (هآرتس 4/12/2007) حيث أكدا أن التقرير خلق واقعا جديدا على مستوى متخذي القرار الأميركي والمستوى الداخلي الأميركي وعلى الصعيد الدولي، وان الخيار العسكري، سواء الأميركي أو الإسرائيلي، لم يعد قائما في الزمن المرئي، على الأقل إلى أن يكتب التقرير الذي يقول عكس ذلك، أو أن تظهر بينة جديدة تؤكد نقيض ما يقوله التقرير.

التعليقات