31/10/2010 - 11:02

البحث عن منظمة التحرير الفلسطينية!../ ماجد كيال

البحث عن منظمة التحرير الفلسطينية!../ ماجد كيال
باتت منظمة التحرير بمثابة الشغل الشاغل للساحة الفلسطينية، فالقيادة الرسمية، وهي نفسها قيادة المنظمة والسلطة و"فتح"، أضحت تطرح ضمن أجندتها تفعيل هذه المنظمة، من خلال توسيع المشاركة في أطرها، وتنشيط هيئاتها، وتعزيز دورها. أما المعارضة الفلسطينية، وعلى رأسها "حماس"، فهي تطرح ذات الأمر ولكن على قاعدة إعادة بناء المنظمة، وفق أسس جديدة تكفل كسر احتكار "فتح" لقيادتها، وتراعي التطورات المستجدة في هذه الساحة.

وبغض النظر عن وجاهة هذا التوجه، وضرورته، على اعتبار أن المنظمة ليست مجرد تنظيم سياسي جامع، وإنما هي أيضا، بالنسبة للفلسطينيين، بمثابة كيانهم السياسي، وقائد نضالهم، وممثلهم الشرعي الوحيد، فثمة شكوك تحيط بصدقية هذا التوجه لدى الطرفين المعنيين، أي قيادتي حركتي "فتح" و"حماس"، بمعنى أن الطرفين يتعاملان مع هذا الأمر من باب الاستهلاك السياسي ليس أكثر.

وكما هو معلوم فإن القيادة الرسمية، ومعها قيادة "فتح"، كانت تعمّدت خلال مرحلة ما بعد أوسلو (1993) وقيام السلطة، تهميش منظمة التحرير، ومصادرة دور أطرها القيادية الشرعية، وإضعاف مؤسساتها الخدمية والشعبية، بدعوى تغير الظروف، وبغرض تعزيز السلطة الناشئة في الأراضي المحتلة، بعد انتقال مركز الثقل السياسي الفلسطيني إلى الداخل.

وبينما يتحرك الرئيس الفلسطيني، ومعه قيادة فتح والمنظمة والسلطة، وبغض النظر عن النوايا، من واقع أن المنظمة التي قامت في ظرف فلسطيني وفي زمن عربي ودولي معين، لم تعد ملائمة، وبالأصح لم تعد مرغوبة، ضمن الإطار العربي والدولي الراهن، فإن أبو مازن يلوح بإحياء دور المنظمة، لغايات أخرى ضمنها، استيعاب "حماس"، والحد من مغالاتها بادعاء القيادة والشرعية، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، وتعزيز شرعية قيادة "فتح" للساحة الفلسطينية.

أما المعارضة، المتمثلة بحركة "حماس" تحديدا، فهي تعتقد بأن الظروف باتت مهيأة لها للهيمنة على النظام السياسي الفلسطيني، بعد أن هيمنت على مقاعد المجلس التشريعي، ووصلت إلى سدّة رئاسة الحكومة في السلطة، وأحكمت سيطرتها على قطاع غزة (حزيران/يونيو 2007). لذلك فإن قيادة "حماس" تتحرك وفق اعتقاد مفاده أن قيادة "فتح" للعمل الفلسطيني قد انتهت وأيامها قد ولت، وهذا ما يفسر تمسكها بمبدأ إعادة بناء المنظمة. والواضح أن قيادة "حماس" لا تشتغل على المنظمة القائمة بالتحديد، فمن وجهة نظرها فإن هذه المنظمة لا تعنيها، لا من قريب ولا من بعيد، كونها جزءا من المرحلة الماضية، وجزءا من تراث "فتح"، ببناها وكوادرها وتراثها السياسي. وإذا كانت "حماس" أدارت ظهرها لكل بني ومؤسسات السلطة، وعملت على إعادة صياغتها من جديد، على قياسها، ولاسيما في قطاع غزة، فكيف الأمر بالنسبة للمنظمة؟

هكذا يمكن الاستنتاج بأن القيادة الرسمية ومعارضتها المتمثلة خصوصا بحركة حماس، كلتاهما تتحملان المسؤولية عن تهميش المنظمة، وتآكل دورها، الأولى بسبب هيمنتها الكاملة عليها، ومصادرتها لأطرها، وتجويف مؤسساتها، والثانية بسبب استنكافها عن العمل من داخلها، وتشكيكها بمكانتها وبشرعيتها.

على ذلك فثمة قطاعات واسعة من العاملين بالشأن العام الفلسطيني، تتساءل عن مدى صدقية توجه قيادتا "فتح" و"حماس" إزاء المنظمة، وتوظيفهما لمسألة تفعيلها أو إعادة بنائها، وتطرح فوق ذلك تساؤلات هامة من نوع: هل ثمة فعلا (لا قولا) إمكانية لإحياء المنظمة؟ ثم هل ثمة دور للمنظمة يمكن أن تضطلع به في الواقع الفلسطيني الحالي؟ وهل ثمة مجال لذلك في الأجندة العربية والدولية؟

وفي اعتقاد كثيرين فإن مسألة إحياء دور المنظمة جد صعبة في المعطيات الفلسطينية الراهنة، وبغض النظر عن النوايا، خصوصا وأن فلسطينيي اللجوء، الذين نشأت المنظمة بينهم، وتعززت بفضل تضحياتهم، باتوا بحكم الأمر الواقع (وليس الإرادة) خارج العملية السياسية، وهذه هي حال تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسورية، لأسباب ذاتية ضمنها، انتقال العمل الوطني إلى الداخل، ونشوء السلطة ككيان سياسي متجسد في إقليم معين، وانتهاء زمن الكفاح المسلح من الخارج، والتحول نحو عملية التسوية، التي تعنى تحديدا بدحر الاحتلال والاستقلال في الضفة وقطاع غزة.

أيضا، وبمعزل عن الأسباب الذاتية، فثمة ظروف موضوعية باتت تنفي المنظمة، لصالح السلطة، فالوضع العربي لم يعد يسمح البتة بأي وجود سياسي فلسطيني، مقرون بأي أجندة عسكرية أو خدمية في التجمعات الفلسطينية الموجودة في البلدان العربية، كما كان الحال في السابق. والوضع الدولي يرى بأن المنظمة باتت أثرا من الماضي وأنه يجب التركز في تدعيم الكيان الفلسطيني المتجسد بالسلطة، في الضفة والقطاع وهكذا.

وللتدليل على هذا الواقع يمكن ملاحظة كيف تحولت السلطة إلى مرجعية للمنظمة، بدلا من أن تكون المنظمة بمثابة مرجعية عليا للسلطة، وكيف أن المنظمة باتت تجير لصالح تعزيز مكانة السلطة، ولو على حسابها. وهكذا مثلا فإن المنظمة باتت تعتمد في مواردها المالية، ورواتب موظفيها على السلطة، حيث لم يعد ثمة دعم مالي مستقل للمنظمة كمنظمة. وهذا حال الدائرة السياسية، التي همشت لصالح وزارة الخارجية في السلطة. أما القوات العسكرية التي كانت تابعة للمنظمة، فتحولت لدى قيام السلطة إلى مجرد أجهزة أمنية وقوات شرطة وأمن وطني.

من ذلك فإن منظمة التحرير تشهد مرحلة انتقالية، وحتى أنه يمكن القول أن هذه المنظمة التي دب فيها العطب منذ زمن طويل، من الناحية النظرية والعملية، باتت تعيش مراحلها الأخيرة.

طبعا ليست المسألة هنا التمسك بالمنظمة كمجرد مسألة مبدئية، ولا كمجرد ضرورة سياسية، فأية منظمة، أو أية ظاهرة أو كيانية سياسية، هي رهن مرحلة تاريخية معينة، تأتي وتزدهر وتذهب بها ومعها، وهذا ما يجب إدراكه جيدا.

لكن هذه المسألة في الساحة الفلسطينية، وفي معطياتها الراهنة، تتمظهر على شكل معضلة حقيقية، فليس ثمة بعد كيان سياسي بديل يحظى بإجماع الفلسطينيين، في كافة أماكن تواجدهم، ويمثلهم ويقود نضالهم. أما الكيان الفلسطيني الناشئ في الأراضي المحتلة (السلطة) فهو لم يتبلور بعد، بل ويخشى أن يجهض في ظل سياسة العنت والغطرسة والتملص التي تمارسها إسرائيل، وحتى في حال إنجاز هذا الكيان فالراجح إنه لن يستطيع تغطية كل جوانب القضية الفلسطينية.

على ذلك فإن الفلسطينيين معنيون بإمعان النظر في أحوالهم وواقعهم ومشكلاتهم الحقيقة، بدلا من تصعيد الخلافات فيما بينهم، بشأن جنس الملائكة، أو بشأن لمن القيادة لفتح أو لحماس؟ أو من يمتلك شرعية أكثر من من؟ فالوضع بات أكبر من ذلك وأخطر بكثير!

التعليقات