31/10/2010 - 11:02

الخطأ القاتل../ ساطع نور الدين

الخطأ القاتل../ ساطع نور الدين
لم يكن من قبيل الصدفة عقد الاجتماع التشاوري حول الأزمة اللبنانية على هامش مؤتمر دول الجوار العراقي في الكويت اليوم: لبنان هو أحد هوامش المسألة العراقية، ولن يبلغ الأمان طالما أن بلاد الرافدين لم تنعم بالاستقرار، ولن يكون بالإمكان الإطلالة على شؤونه الداخلية بمعزل عما يجري في العراق.

الاستنتاج صحيح الى حد بعيد. لا خلاف على أن جذور الأزمة الحالية في لبنان تمتد الى الغزو الاميركي للعراق قبل خمس سنوات، الذي كان بمثابة زلزال مدمر ضرب المنطقة العربية برمتها، وكان نصيب اللبنانيين التعرض لسلسلة من الهزات الارتدادية العنيفة التي لا تزال حتى اليوم تقوض إحساسهم بالأمن وتهدد مصيرهم ووحدتهم الوطنية، بشكل يشبه ما يعانيه الأشقاء العراقيون، مع فارق كبير في منسوب الدم.

والكل يدرك أن تلك المسألة التي انفجرت بطريقة مروعة على التخوم الشرقية للعالم العربي، حلت محل القضية الفلسطينية التي كاد تمركزها في لبنان منذ نهاية الستينات وحتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي، يؤدي الى زوال الجمهورية اللبنانية وتفكك الدولة التي كانت تختزلها. استغرق الامر نحو عشرين سنة من الحروب الأهلية والإقليمية، قبل ان تخرج فلسطين من المعادلة اللبنانية وتتحول الى عنوان لقصائد الزجل المحلي حول التوطين.

لا يعني ذلك ان لبنان سيضطر الى الانتظار عشرين سنة أخرى لكي يتوصل الى اخراج المسألة العراقية من ازمته والى ابتكار طائف جديد يعيد تركيب الصيغة اللبنانية، بناء على ما ستنتهي اليه المواجهات الدامية حاليا في العراق.. لان الاحتلال الاميركي لا يمكن ان يصمد هذه المدة، ولا بد ان يشهد تغييرات جذرية في طريقة إدارته للشأن العراقي، كما ان العراقيين قد لا يظل منهم احد اذا استمرت وتيرة الفتنة المذهبية على حالها لعشر سنوات اخرى فقط، وليس لعشرين.

إيقاع المسألة العراقية هو بلا ادنى شك أسرع بكثير من إيقاع القضية الفلسطينية التي يمكن أن تستغرق القرن الحالي كله، وهو كما بدا في مناسبات عديدة يمثل خلفية مختلف المبادرات والوساطات العربية والدولية التي تقدمت نحو لبنان في السنوات الخمس الماضية، وكان دافعها الرئيسي الانفجار العراقي، والإرهاب الاسلامي ، فضلا عن دور سوريا وإيران وتحالفهما المثير للجدل من وجهة نظر غالبية الدول العربية.

على هذا الإيقاع العراقي المتسارع يوما بعد يوم لا يمكن أن يأتي حل للبنان في المرحلة الراهنة، لا من الاجتماع التشاوري المقرر اليوم في الكويت لدول جوار العراق، ولا من أي اجتماع يعنى بالشأن العراقي وينعقد على أساس أن أميركا تقترب من نقطة تحول حاسمة في سياستها العراقية، التي كانت ولا تزال تمثل ركيزة أساسية لسياستها في الشرق الأوسط الكبير.
قبل أن تتضح الصورة في بغداد، لا يمكن أن تتضح الصورة في بيروت ، إلا إذا أقدم طرف ما على ارتكاب ذلك الخطأ القاتل الذي تنتظره الأطراف الأخرى بفارغ الصبر.
"السفير"

التعليقات