طالعتنا وسائل الإعلام يوم السبت (30/6) بأن الرئيس عباس اقترح على الرئيس الفرنسي ساركوزي، وعلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وعلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون "نشر قوات دولية في قطاع غزة.. لأنه ينوي إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، ولضرورة ضمان الأمن في القطاع.."، وفي هذا السياق فقد أكد ياسر عبد ربه عبر فضائية الجزيرة ما تناقلته وسائل الإعلام مضيفاً بأن الرئيس عباس سيطالب مجلس الأمن الدولي النظر في إرسال قوات دولية من أجل منع الاعتداءات الإسرائيلية على غزة..
عند مناقشتنا للمبررات التي ساقها الرئيس عباس بين يدي دعوته لنشر قوات دولية في قطاع غزة، فإننا نتساءل: هل إجراء انتخابات مبكرة يتطلب قوات دولية أم يتطلب توافقاً فلسطينياً داخلياً؟! وهل الانتخابات المبكرة الآن وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بها القضية الفلسطينية يمكن لها أن تعزز الصف الداخلي أم تزيد من حدة الانقسام والاختلاف بين الأخوة والأشقاء في الوطن الواحد؟
أولم يكن من الأجدى بالرئيس عباس بدلاً من السير باتجاه القرارات الأحادية، أن يتوجه إلى الشعب الفلسطيني، وقواه وفصائله للتشاور معها حول أهمية الانتخابات..، في محاولة منه لإقناعها بضرورة وحيوية هذه الخطوة، من أجل توفير أغلبية فلسطينية داعمة له ولخطوته تلك، وحتى تكون هذه الانتخابات في حال إجرائها معبرة عن الكل الفلسطيني وليس الجزء الذي يمثل أقلية أفرزتها الانتخابات التشريعية الماضية في كانون ثاني (يناير) 2006.
إن إقدام الرئيس عباس على الانتخابات المبكرة وبهذه الطريقة، وفي هذا التوقيت، وبدون توافق فلسطيني، إنما هي خطوة تكرس شبح الفصل بين الضفة وغزة، وتوسع من الهوة والتباين القائم بين حركتي فتح وحماس، وهي تكريس لسياسة التفرد، والإقصاء، والتهميش، على حساب روح العمل الجماعي، والشراكة السياسية، والوحدة الوطنية. الأمر الذي يعني تقديم خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى للفصل والتجزئة بين الضفة وغزة، ولإحداث المزيد من الانقسام في الصف الوطني الفلسطيني، فقد أكد أيهود أولمرت في أكثر من مرة أن على إسرائيل أن تستغل الظرف الراهن للحيلولة دون عودة اللقاءات والحوارات بين حركتي فتح وحماس، وعلى ضرورة دفع رئيس السلطة وحكومته الجديدة (حكومة الطوارئ) لمحاربة "الإرهاب".
أما فيما يتعلق بمسألة حفظ الأمن، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، فإنه من غير المنطقي ومن غير المقبول عقلاً أن نطالب بوجود قوات دولية لحفظ الأمن في القطاع الذي بدأ يشهد هدوءً واستقراراً أمنياً، بعيداً عن المطالبة بتلك القوات لحفظ الأمن في الضفة الغربية التي تشهد مزيداً من الفلتان والاضطراب الأمني بعد فرار مجموعات المصالح من غزة عقب تخليها عن عناصرها في أجهزة الأمن واستقرارها في رام الله!!
وبخصوص ذريعة الاعتداءات الإسرائيلية فهي مسألة ليست خاصة بغزة فقط، فالاعتداءات تشمل الضفة وغزة على السواء، بل يمكن القول أن الضفة الغربية وبسبب وجود الاحتلال المباشر والمكثف فيها، هي أكثر عرضة للاستباحة من قبل جنود الاحتلال الذين يواصلون اعتداءاتهم قتلاً واعتقالاً في الوقت الذي يواصل فيه جدار الفصل العنصري مصادرة الأراضي وعزل الفلسطينيين في معازل وجزر، هذا ناهيك عن وجود أكثر من 600 حاجز عسكري بين المدن والقرى تنغّص على أهلنا في الضفة حياتهم اليومية ساعة بساعة.
إذن دعوة الرئيس عباس لنشر قوات دولية في غزة ليست دعوة بريئة أو مبررة كما هو معلن، بل هي دعوة لا تخلو من أهداف وغايات مضمورة ومكتومة، يمكن وصفها بأنها أهداف تخدم أجندات خاصة، ومصالح ضيقة لا تتجاوز تلك المجموعات التي هربت من غزة واستقرت في رام الله؛ فتلك المجموعات فقدت سيطرتها على غزة، كما أنها لا تجد ترحيباً ومقاماً لائقاً بها في الضفة الغربية لما لها من سمعة سيئة، ولذلك نرى أن وجود القوات الدولية في غزة سيعني عودة مظفرة لتلك الفئات المدعومة من واشنطن ومن بعض العواصم الغربية والعربية..، أملاً في استعادة نشاطها وعودة الاقتتال الداخلي من جديد بهدف إقصاء ونزع الشرعية عن حماس، ولكن في هذه المرة برعاية وإشراف من القوات الدولية.
من جانب آخر، فإن نشر قوات دولية في غزة يحتاج بالضرورة إلى موافقة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا لا يمكن أن يكون إلا إذا كانت تلك القوات معنية بتنفيذ مهمات تفي بغرض حفظ الأمن الإسرائيلي، أي منع إطلاق الصواريخ كمقدمة لنزع سلاح المقاومة، وذلك تماشياً مع شروط الرباعية التي يوافق عليها الرئيس عباس، وتماشياً مع قناعاته الشخصية برفض "عسكرة" الانتفاضة، أي منع المقاومة المسلحة ضد الاحتلال. وهذا بالمناسبة ما أكد عليه السيد الرئيس محمود عباس في خطابه أمام الاشتراكية الدولية في جنيف بالقول: "إن الحكومة الفلسطينية مصرّة على عزل حماس، وحرمان كافة الميليشيات المسلحة من الشرعية".
مختصر القول: أن السيد عباس يراهن على نشر القوات الدولية في غزة للقضاء على المقاومة الفلسطينية بعدما فشل أمراء الأجهزة الأمنية في هذه المهمة، وذلك تطلعاً لاستعادة المكانة المفقودة، وأملاً منه في بث روح الحياة من جديد في مسار التسوية السياسية التي لفظت أنفاسها منذ سنوات عدة.
يخطئ الرئيس عباس عندما يراهن على واشنطن وتل ابيب، ويظن أن كسر المقاومة وإنهاءها سيمهد الطريق لإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67.., وعليه أن يعتبر بفترة التهدئة التي استمرت أكثر من عام والتي منحتها إياه الفصائل الفلسطينية بموجب اتفاق القاهرة في آذار(مارس) 2005، تلك التهدئة التي لم يحترمها الاحتلال باستمراره في سياسة الاغتيال والقتل والاعتقال، والتهرب من أي التزام سياسي تجاه السلطة الفلسطينية.
وبالتالي فالرهان من جديد على الأعداء اللدودين للشعب الفلسطيني لن يجد نفعاً وسيخسر لا محالة، لأن الحقوق الوطنية لا تمنح هبة من الأعداء، وإنما تؤخذ بقوة الحق والمقاومة.
التعليقات