يرى مصدر ديبلوماسي متابع ان طابع الصراعات والتخبط القائم حاليا على صعيد السياسات الاميركية الخارجية وعلى صعيد النزاعات والتخبط القائم حالياً على صعيد السياسات الاميركية الخارجية وعلى صعيد النزاعات الاقليمية والشرق ــ اوسطية يتسم بتداعيات ما يمكن وصفه بـ «نهاية عصر الهيمنة الاميركية» في المنطقة، او بمعنى اوضح فشل المشروع الكبير الذي اطلقه الرئيس الاميركي جورج بوش لنشر الديموقراطية في الشرق الاوسط، الذي بدأ العد العكسي الفعلي له مع خسارة الجمهوريين الغالبية في الكونغرس الاميركي وسيطرة الديموقراطيين عليه في الانتخابات النصفية التي جرت في الخريف الماضي، وعادة ما تقسم «نهايات» المشاريع او العهود بحالة من المراوحة في حسم الاتجاهات والتخبط والتشابك ومحاولات الاطراف المختلفة جمع اكبر المكاسب الممكنة تحسبا للتغييرات المقبلة.
فعلى الصعيد الدولي، تظهر محاولات «الجبار» الروسي استعادة نفوذ سابق له في مناطق مختلفة من العالم، ومنها الشرق الاوسط، في ما يشبه «حربا باردة» مصغرة، وكأنها التجليات الاولى لانهيار المشروع الاميركي، الذي افسح المجال لـ «الشريك» الروسي للدخول على خط اللعبة الدولية عبر خطوط عدة سياسية واقتصادية من خلال ورقة النفط خصوصا. فاللاعب الروسي اعلن رفضه القوي لنشر واشنطن الدرع الصاروخية في دول في «اوروبا الشرقية» السابقة، وانتقد بعنف السياسة الاميركية في العراق وسواه من المناطق على اساس انها تجرّ الى العنف، وخرق الدول العربية الحليفة تقليديا للولايات المتحدة من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للسعودية والاردن وقطر، وان كانت روسيا لن تعود بالطبع احد الجبارين، فانها تتطلع بلا شك الى كسر الاحادية الاميركية التي طبعت السياسات الدولية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي السابق واستبدالها بعالم متعدد الاطراف، تكون روسيا احد اعضائه، اضافة الى الاتحاد الاوروبي الذي يفرض نفسه لاعبا كبيرا على الساحة الدولية يوماً بعد يوم.
أما على المستوى الاقليمي، فثمة اكثر من لاعب يعمل لتحسين مواقعه على حساب المشروع الاميركي الذي يشهد فصوله النهائية، رغم الاستراتيجية الاميركية الجديدة في العراق، والتي لا تعدو كونها «استراتيجية خروج مشرف» في واقع الامر، ومن ابرز الدول التي تتأثر بنهاية المخطط الاميركي السعودية حليفة واشنطن التقليدية التي تخشى انقلابا في الموازين او تغيرات بعد الانسحاب الاميركي من العراق، خصوصا اذا تم في ظل عدم استتباب الامن والاستقرار في بغداد. ولذا، فان الرياض تكثف في هذه الاونة اتصالاتها مع طهران، من اجل الامساك بطرفي النزاع الاساسيين في المنطقة منعا لتداعيات محتملة على صعيد صراع المحاور والنزاع السني ــ الشيعي المنطلق من العراق والذي يهدد بالانتشار السريع في المحيط القريب والابعد ربما، وتسعى الى تثبيت موقعها تجاه المحور الايراني (الشيعي) كقوة سنية اساسية في العالم العربي لها نفوذ وامتداداتها في بلدان عربية عدة. والتي خرقت ايرانيا عبر دمشق. وهي البلد الاساس في السنوات الماضية الذي كان في قلب الصراع العربي - الاسرائيلي بالتعاون مع المحور العربي وليس مع المحور الايراني حصراً.
وهذا كله انعكس في اتفاق مكة الذي جسد نوعا من التوافق السعودي ــ الايراني ومن الرضا السوري، ولو ان افاق هذا التوافق ومدى نجاحه لم تتضح بعد، وانطلاقا من ذلك يأمل القائمون بالاتصالات السعودية ــ الايرانية التوصل الى توافق مشابه على الخط اللبناني ولكن العقد التي تحكم كلا من الازمتين اللبنانية والفلسطينية مختلفة الى حد كبير، وان كان بينهما ايضا الكثير من وجوه الشبه، فهل يمكن الحصول على الرضا السوري ايضا في الملف اللبناني لبلورة تسوية تحل الازمة القائمة؟ الجواب عن هذا السؤال قد تحمله نتائج زيارة الرئيس السوري بشار الاسد لطهران، وهي الثانية له في عهد الرئيس الايراني الحالي محمود احمدي نجاد، وقد يتبلور ايضا بعد عودة النائب سعد الحريري من زيارته المفاجئة امس الاول الى السعودية.
ولكن، واستنادا الى نظرية الدخول في عصر انتهاء المشروع الاميركي، فان لا معطيات دولية او اقليمية توحي بوجود احتمالات جدية للتوصل الى توافق، لان لعبة الاستفادة من عامل الوقت عادت تغري من جديد اللاعبين الاقليميين، وعلى رأسهم ايران وسوريا اللذان قد يتمكنان من الصمود حتى انتهاء ولاية الرئيس بوش في اواخر العام 2008، وعندها «يخلق الله ما لا تعلمون».. ولكن ثمة من يقول ايضاً ان «نهايات العهود» قد تشهد اعمالا دراماتيكية ومفاجئة تقلب المعادلات، فهل يشعر الاطراف الاقليميون بهذا الامر، وهم الان في مرحلة استعجال الحلول قبل ان يقع ما لم يكن في الحسبان؟
"الديار"
التعليقات