اجتهد العديد من الكتاب والمحللين خلال الأيام القليلة الماضية في تحميل القيادة المصرية المسؤولية عن حصار غزة، والتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه عليها، ارتكازاً إلى تحليل الواقع المستند على استمرار إغلاق مصر لمعبر رفح، وهذا هو السبب ذاته الذي دفع الشعوب العربية الغاضبة والمنتفضة إلى مهاجمة القيادة والسفارات المصرية في العديد من العواصم.
في المقابل حاول عبثاً العديد من أنصار السلطة في مصر ورام الله الدفاع عن الموقف المصري، بأنه موقف مساند لغزة وبأن معبر رفح مفتوح، بدليل تقاطر العديد من المساعدات العربية إلى مطار العريش، وأن قوافل المساعدات تتجه إلى غزة عبر معبر رفح.
هذا الدفع الإعلامي المكشوف لكل ذي بصيرة، لم يدم طويلاً، بعد ظهور الرئيس حسني مبارك أمام الرأي العام في كلمة متلفزة عبر التليفزيون المصري (30/12)، قائلاً بلغة واضحة: "أن مصر لن تفتح معبر رفح في غياب السلطة الفلسطينية، والمراقبين الأوروبيين..، وبما لا يتفق مع اتفاق عام 2005" معللاً ذلك بأنه لا يريد تكريس حالة الانقسام الفلسطيني.
تصريح الرئيس مبارك وضعنا أمام مجموعة من الملاحظات، أهمها:
• أولاً: أن كل ما قيل خلال الأيام القليلة الماضية عن فتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولنقل الجرحى إلى مصر ما هو إلا ذر للرماد في العيون، فالمساعدات التي دخلت القطاع وقفت عند حدود 16 شاحنة نصفها من الحجم الصغير، وعدد الجرحى الذين نقلوا إلى المشافي المصرية وقف عند 49 مصاباً. والأكثر من ذلك أنه بعد ساعات من إلقاء الرئيس مبارك لكلمته المتلفزة تم إرجاع الشاحنات المتوقفة على الجانب المصري من معبر رفح والمتهيئة للعبور إلى غزة، تم إرجاعها إلى مدينة العريش في الوقت الذي أخلت فيه سيارات الإسعاف المكان بعد أن أوصدت أبواب المعبر. أي أن المعبر كان قد فتح لساعات قليلة كدعاية إعلامية لامتصاص نقمة الشارع المصري والعربي ليس إلا..
• ثانياً: الموقف من فتح معبر رفح وإغلاقه، وحسب الموقف المصري المعلن هي مسألة سياسية، وليس مجرد موقف صهيوني رافض لفتح المعبر بمعزل عن إرادة القيادة المصرية، فالرئيس مبارك ربط فتح المعبر بوجود قوا ت الرئيس عباس على المعبر حسب اتفاقية المعابر لعام 2005 والتي انتهت صلاحيتها منتصف عام 2007، وبلغة أخرى، فالمطلوب انسحاب حركة حماس من المشهد السياسي لصالح الرئيس عباس وحكومة سلام فياض، بعيداً عن إرادة الشعب الفلسطيني الذي حسم خياره عبر صناديق الاقتراع..، وإلا فالحصار والعدوان سيستمر، وهذا الموقف هو ذاته الذي دفع الرأي العام المصري والعربي إلى اتهام القيادة المصرية بشراكتها وتواطئها في العدوان الصهيوني على غزة.
• ثالثاً: تعليل الرئيس مبارك عدم فتح المعبر بأنه لا يريد تكريس حالة الانقسام الفلسطيني، مسألة في غاية الغرابة..، لأن الانقسام حاصل أصلاً، هذا من جهة ومن جهة ثانية، فالمنطق يقودنا إلى التفريق بين الحاجات الانسانية للمدنيين وبين الانقسام الحاصل بين الخصوم السياسيين، وإلا فإن الموقف سيفسر بأن القاهرة ورام الله تستعمل الحصار والمدنيين الفلسطينيين في غزة كأداة للضغط على حماس، لدفعها إلى قبول الشروط السياسية كوقف المقاومة، وتمديد ولاية الرئيس عباس، كمدخل لقبول شروط الرباعية الدولية..، وهذا يوضح مدى انحياز القيادة المصرية لصالح طرف دون طرف، مما يطعن في حيادية الموقف المصري المفترض به أن يكون على مسافة واحدة من الفرقاء الفلسطينيين سعياً لرأب الصدع واستعادة الوحدة الوطنية. ومن جانب آخر، فإن حالة الحرب والعدوان التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون في غزة تفترض من مصر ومن العرب أن يضعوا المصلحة العامة فوق كل الخصومات السياسية الحزبية وليس العكس. إلا إذا كان للبعض مصلحة في خلق المزيد من الصعوبات والتعقيدات الميدانية أمام المقاومة والفلسطينيين في غزة عقاباً لهم على انحيازهم للمقاومة، لدفعهم إلى الانحناء والانكسار أمام آلة الحرب الصهيونية، فليس خافياً على أحد أن القيادة المصرية رافضة لبرنامج المقاومة لصالح برنامج التسوية لأسباب سياسية محلية، ودولية تتقاطع مع توجهات دول "الاعتدال" العربي السائرة في ركب السياسة الأمريكية.
خلاصة القول، أن كلمة الرئيس مبارك كشفت المستور، فأصبح اللعب على المكشوف: مصر تنحاز إلى صالح عباس ومشروعه التسووي، ضد برنامج المقاومة الذي تقوده حماس، والعمل جارٍ على كشف قطاع غزة أمام آلة الحرب الصهيونية، لتصفية الحساب مع حماس، وما التحفظ والتسويف في عقد القمة العربية إلا سهماً في هذا الاتجاه. ولكن السؤال: ماذا لو صمدت المقاومة في غزة؟ ما هو موقف مصر والدول التي تواطأت مع الاحتلال في عدوانه على غزة؟ وكيف ستواجه تلك الأنظمة شعوبها الغاضبة؟ ألا يجدر بها أن تتعظ من نتائج حرب تموز على لبنان؟!
التعليقات