31/10/2010 - 11:02

تشكيل لجنة تحقيق.. خطوة في الاتجاه الصحيح../ هاني المصري

تشكيل لجنة تحقيق.. خطوة في الاتجاه الصحيح../ هاني المصري
أوقف الرئيس رئيس ديوانه عن العمل على ذمة التحقيق بالقضية المثارة ضده، وشكل لجنة تحقيق لسبر أغوار هذه القضية التي أثارت اهتمام الرأي العام الفلسطيني، كما لم تثره قضية من قبل.

إن تشكيل لجنة تحقيق خطوة في الاتجاه الصحيح، وتشكل نوعاً من الاعتراف بوجود مشكلة ما تحتاج للتحقيق، وهذا يختلف عن الرد الأول للسلطة الذي اكتفى بالنفي والتكذيب واعتبار كل ما جرى "مؤامرة إسرائيلية" و"كال الاتهامات لفهمي شبانة"، هذا الرد أساء للسلطة كثيرا لأنه أظهرها ضعيفة وتبريرية وغير قادرة على الاقناع.

لا يمكن إخفاء الشمس بغربال، ولا يمكن دحض الصورة والوثائق بالنفي والتكذيب. إن تشكيل لجنة تحقيق وحتى توجيه الاتهام لا يعني الإدانة وإنما يعني وجود بعض الأدلة والقرائن والاتهامات التي تستدعي التحقيق، والمتهم وفقاً للقانون "بريء حتى تثبت إدانته".

وبدون التدخل في سير التحقيق، فإن رفيق الحسيني معروف بالاستقامة ولم يعرف عنه على الإطلاق بأنه فاسد. ولكن القضية المثارة تتعلق بمسلكه الشخصي وبالعبارات التي قالها بحق الرئيس الراحل والرئيس الحالي وغيرهم، إذا كان قد قالها فعلا، التي لم تكن في محلها ووقتها، وإذا كان مقتنعا بها وهذا من حقه، فلماذا يرضى أن يتبوأ هذا الموقع الرسمي الرفيع جدا؟.

إن الشخصية العامة، التي تتبوأ منصباً عاماً، عليها أن تصون مكانة وهيبة وأخلاق هذا المنصب، فالشخصية العامة خلافاً للمواطن العادي، حريته الشخصية مقيدة وعليه أن يتعامل على هذا الأساس. فالذي يحتل مواقع حساسة يؤخذ بالشبهة خلافاً للمواطن العادي، وبالتالي المحافظة على الشكل جزء من الضمانة الضرورية لتحصينه.

وهذا الأمر ليس خاصاً بفلسطين التي تقع تحت الاحتلال وتقتضي مراعاة خاصة في كل شيء، وإنما أمر عام نجده في جميع البلدان، وخصوصا التي تسمى البلدان المتقدمة والديمقراطية. فكم وزير، وعضو مجلس نواب أو كونغرس استقال عند تورطه بقضايا أخلاقية أو تتعلق بالفساد، أو لمجرد وجود شبهات حوله!!.

إن استكمال المعالجة الصحيحة يتطلب تشكيل لجنة تحقيق أخرى وطنية وقانونية ومستقلة، وقيام النائب العام فعلا، بالتحقيق الذي أعلن الشروع فيه بعد الأنباء الأولى على الفضيحة، لأن اللجنة التي شكلها الرئيس لجنة سياسية فتحاوية. وإذا كان من حق فتح أن تشكل لجنة خاصة بها، لأن المتهمين ينتمون إليها، إلا أن هذا لا يغني عن ضرورة تشكيل لجنة مستقلة تضم شخصيات اعتبارية وقضائية لكي تعالج البعدين الوطني والقانوني.

الأمر الآخر الذي من المهم توضيحه هو ما هي صلاحيات لجنة التحقيق، وهل ستكون مقيدة بالحادثة المصورة التي تتعلق بمسألة شخصية لها أبعاد عامة، أم مفتوحة للتحقيق بقضايا الفساد المثارة والمستندة الى وثائق نشرت على مرأى ومسمع من العالم كله وأحدثت تشويشاً كبيراً، له أولاً وليس له آخراً.

وهنا لا ينفع القول إن هذه القضايا مفبركة أو صحيحة، قديمة أو جديدة، وإنما يجب التحقيق الجاد فيها، والوصول الى نتائج حاسمة وإعلام الرأي العام بها، لأنه من حقه أن يعرف ماذا يجري في بلاده، وخصوصاً أن السلطة منذ تأسيسها وحتى الآن فتحت بنفسها قضايا فساد كثيرة، وهذا يسجل لها، مثل تقرير هيئة الرقابة الشهير، وتقرير اللجنة الرئاسية، وتقرير اللجنة البرلمانية، كما طرحت قضايا الفساد من قبل جهات فلسطينية أخرى، ومن جهات أوروبية ودولية وإسرائيلية، وتناولتها الصحافة أكثر من مرة، ولم تنته هذه القضايا بغالبيتها الساحقة الى الإغلاق لعدم كفاية الأدلة أو الى المحاكم والمحاسبة، بل بقيت جرحا مفتوحا ينهش بجسم النظام السياسي الفلسطيني ويهدده بالابتزاز من كل من تسول له نفسه بابتزازه.

ومع أهمية الاعتراف أن السلطة في السنوات الأخيرة اتخذت بعض الخطوات الهامة لتحجيم الفساد أو على صعيد منع اتساعه، على صعيد الإدارة والمهنية والشفافية، إلا أنها لم تكافح الفساد كفاحا لا هوادة فيه، ولم تحاسب الفاسدين، وهذا لم يمنع من ظهور قضايا فساد جديدة تنتظر من يكشف عنها، كما تحتاج الى الإرادة الضرورية للمحاسبة.

كما لا ينفع أن يتم تركيز الأضواء على لماذا نشرت القناة العاشرة قضايا الفساد والفضائح الأخلاقية، لأن هناك أسباباً مهنية وإعلامية وتجارية وأخرى سياسية وأمنية، ولكن الأمر لا يقتصر على الفلسطينيين، فالإعلام الإسرائيلي أيضا كشف قضايا فساد وفضائح لمسؤولين كبار إسرائيليين مثل رئيس الحكومة السابق ايهود اولمرت والرئيس الإسرائيلي موشيه قصاب، وفضح ولاحق الوزير حاييم رامون لأنه قبّل امرأة.

ما سبق لا يلغي أن القناة العاشرة، والمراسل الإسرائيلي الذي كشف القضية يمكن أن يكون قد استجاب لطلب أمني، لأن الحكومة الإسرائيلية لا تخفي أنها تمارس الضغوط وتسعى لاقناع القيادة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات وفقاً للشروط الإسرائيلية، لأن المفاوضات بلا مرجعية تقدم مزايا ضخمة لإسرائيل.

أما لماذا لم يلجأ شبانة للمؤسسات الفلسطينية والإعلام الفلسطيني، فهذا حديث آخر، فهو يريد أن ينتقم أو يريد أن يكسب أكثر أو لأن المؤسسة الفلسطينية لم تثبت حتى الآن انها قادرة على التصدي لمثل هذا الأمر، ما يستدعي العمل لإحداث التغيير والتجديد والإصلاح المطلوب. نقول ذلك بدون أن نبرر لشبانة لجوءه للإعلام المعادي، فهو كان، إذا لم يستطع فعلا أن ينشرها في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، ولم يجد من يستمع له في السلطة الفلسطينية - كما يدعي - يستطيع أن يلجأ الى الانترنت، فهو فضاء مفتوح يستطيع أي كان استخدامه.

لماذا لم يعالج الأمر في حينه، منذ حوالي عامين، وانتظر طوال هذه المدة ليثار بعد برنامج القناة الإسرائيلية.

وعلى أهمية الفضيحة الأخلاقية فإن أهم جزء يتعلق بهذه القضية، لا يجد الاهتمام الكافي، وهو ضرورة مراجعة دور الأجهزة الأمنية. فلا يحق لأي جهاز أمني، ولا لأي مسؤول سياسي، أن يراقب أي مواطن عادي (فكيف المسؤول) إلا في حالة ارتكابه جريمة تتعلق بالأمن الوطني وبعد صدور أمر قضائي بعد توفر دلائل كافية تستوجب صدوره.

إن مراقبة الفلسطيني، سواء أكان مواطناً أو مسؤولاً، ممارسة محرمة يحاسب عليها القانون، ولكنها ظاهرة شاذة، لا تزال تمارس من قبل الأجهزة الأمنية، كما شاهدنا في الشريط الذي بثته القناة العاشرة، وكما علمنا من خلال الوثائق والأشرطة التي حصلت عليها حركة حماس في مقرات الأجهزة الأمنية بعد سيطرتها عليها في غزة، وهذا يستدعي وقف هذه الممارسات التي تنتهك حقوق وحريات الإنسان وحرمته وحياته الشخصية، لتصفية حسابات شخصية أو للابتزاز. وهذا أسلوب يمارسه الاحتلال ولا يجب أن تمارسه الأجهزة الأمنية التي يجب أن تحرص على حماية أمن المواطن والوطن.

رب ضارة نافعة، وإذا استفادت السلطة من هذه الحادثة وذلك من خلال ثلاثة تحركات في ثلاثة اتجاهات:

الأول: متابعة قضايا الفساد ومحاسبة الفاسدين، ووضع الأنظمة والقوانين وتشكيل الهيئات القادرة على كشفه والمحاسبة عليه أولاً بأول.

الثاني: إعادة النظر بدور وصلاحيات الأجهزة الأمنية بحيث تقوم بدورها الأصلي.

الثالث: عدم الاستجابة للمطلب الإسرائيلي باستئناف المفاوضات، بشكل مباشر وغير مباشر، وفقا للشروط الإسرائيلية. فإذا لم تكن هناك مرجعية واضحة وملزمة للمفاوضات، ولإسرائيل تحديداً لا معنى لاستئناف المفاوضات. وهذا يعني أن الهدف الإسرائيلي المخفي من نشر الفضيحة لم يتحقق.

وإذا تحقق كل ذلك، تكون السلطة قد استخلصت الدروس والعبر، وحققت المثل الذي يقول الضربة التي لا تقتلني تقويني. أما إذا اقتصر التحقيق على معالجة محدودة، بحجة أنه ليس لدينا فساد أو أنه ينتمي للماضي، أو أننا لا نستطيع القضاء عليه، فعندها سينتصر الفساد. وإذا انتصر الفساد انتصر الاحتلال فالفساد والاحتلال يكملان بعضهما بعضا!!.

التعليقات