31/10/2010 - 11:02

"تطهير عرقي " لنتنياهو و "تطير" عربي !/ ناصر السهلي

-

يبدو أن أفيغدور ليبرمان أُوكل مهام أخرى، أو طُلب منه التنازل قليلا عن صلاحياته وصلاحيات اليمين المتطرف لبنيامين نتنياهو، فلم تؤثر فضيحة اعتراف والد الأخير بأن ابنه يقوم بعملية تمويه وخداع حين يتحدث عن "حل الدولتين".. ونتنياهو حسبما نقلت الأخبار أمر سفرائه ( وهم من المفترض أن يتبعوا ليبرمان) بالإكثار من استخدام مفردة "التطهير" لربطها بالرد على مطالب إنهاء الاستيطان.

كتب "المؤرخون الجدد" في إسرائيل كلاما كثيرا عن "التطهير العرقي" الذي مارسته الحركة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني قبل وبعد النكبة، توقف بعض هؤلاء وأجرى مراجعات لما قدمه.. فلم نعد نسمع كثيرا من بني موريس الذي أخبرنا فيما بعد " لم يكن من خيار آخر أمام الحركة الصهيونية" ( هآرتس 2004).. وصمت ما يسمى "اليسار الصهيوني" صمتا تاما عن ما جرى حتى يومنا هذا من حشر الفلسطينيين في مدنهم، مع نهب المزيد من الأرض لمصلحة "يهودية الدولة".. ولم يحرك هذا "اليسار" "جماهيره العريضة" احتجاجا على القمع الفكري للمؤرخ إيلان بابي.. أو لصد الهجمات العنصرية المنظمة في المدن المختلطة ومن ثم توسعها إلى المدن العربية تحت حماية وغطاء سياسي وأمني.. وتحريض فاضح ضد "الطابور الخامس" وهم أصحاب الأرض الأصليون الصامدون فوقها قبل أن يولد ليبرمان ونتنياهو وكل عتاة التطرف والعنصرية المستوردون إلى " الدولة الديمقراطية"!
اليوم نجد أن نتنياهو الذي يمارس كما هائلا من النفاق واللصوصية السياسية والدبلوماسية، لا يجد حرجا من قلب وتزوير الحقيقة، فيصبح القانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة واتفاقية لاهاي وقرارات الأمم المتحدة ،التي كلها وبدون استثناء لا تعترف ولا حتى بخطوة واحدة من التغييرات التي يجريها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تصبح تلك والدعوات الأوروبية الخجولة لوقف الاستيطان بمثابة "تطهير عرقي" بحق اليهود!
تدمير البيوت في القدس المحتلة، حتى بأيدي أصحابها حسب الأوامر العسكرية المستترة بأوامر قضائية، وتقطيع أوصال الضفة المحتلة وحصار غزة القاتل.. أفعال لا تحفز فيما يبدو "معسكر السلام!" ولا ذاك المسمى " يسار" أو " المعارض لليمين المتطرف" للتحرك لا الجسدي ولا اللفظي.. إلا إذا كان هؤلاء يمارسون تحركاتهم داخل منازلهم المرفهة في فصل الصيف وبالتالي لا نسمع ولا نقرأ سوى سخافات فردية على وزن تصديق الرسمي العربي لفكرة " أوباما المخلص".. وعلى ذكر أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون، فقد سُحر البعض بخطاب الأول في القاهرة وخصوصا استخدامه لمفردات دينية لا يستخدمها حتى الزعماء العرب.. بينما سحرتهم عبارات كلينتون عن الاستيطان.. والسياسية الرسمية العربية التي تمارس التطير في تعاملها مع قضايا إستراتيجية تقف اليوم حائرة بين الدعوة بداية لوقف كل "أشكال الاستيطان" والتوافق فيما بعد على بناء 2500 وحدة استيطانية فقط لا غير!

• تلاعب أميركي واضح وفاضح

ومع التطير العربي طار كل كم التفاؤل.. كما طارت قبل 7 سنوات "المبادرة العربية" لتصير اليوم إلى دعوات من أوباما بدأها من المغرب "لفك العزلة عن إسرائيل" .. فإلى جانب أن الأخيرة تبدو "الضحية"، ولهذا يبتدع نتنياهو للغرب خطابا موازيا للتطهير الألماني في محاولة لاستعادة قصة تأنيب الضمير وابتزاز الصمت والقبول بكل ما تأتي عليه "الضحية" من جدران الفصل العنصري إلى خداع لفظي عن حل "الدولتين" ووصولا إلى "لا يوجد شريك" في الجانب الفلسطيني.. والأخطر هذا التوافق، الذي تنفيه تارة الخارجية الأميركية وتؤكده تارة أخرى الممارسات الاستيطانية المستمرة بدون توقف.. ونقول أنها الأخطر لأنها أدت وظيفتين:
الأولى، تلاعب كامل بالعقل الرسمي والإعلامي العربي لجهة "تغير في السياسات الأميركية".. بينما الثوابت باقية بقاء المصالح الإستراتيجية التي لا تجرؤ السياسات الرسمية العربية على تحديها وهي تلعب لعبة " نحن أولا" في علاقاتها التاريخية مع الغرب وأميركا على رأسه..
الثانية، أن قبول إدارة أوباما باستثناء هنا أو هناك ( كاستكمال بناء الوحدات الاستيطانية المذكورة) تعني أننا سنعود إلى لعبة الألفاظ واللف والدوران على القانون الدولي.. فبدل أن تكون كل النشاطات الاستيطانية غير شرعية.. سنجدها في بازار "عقبة في طريق السلام".. وبأن " التوقف عن بناء مستوطنات جديدة يتطلب من العرب التقدم خطوة تطبيعية تدفع الثمن" لمحتل يجعل من الضحية معتدية!

• مساهمة عربية في توطيد مواقع التطرف
ما يجري في شعفاط وسلوان وفي داخل وتحت البلدة القديمة من القدس الشرقية المحتلة والإذلال على حواجز جدار الفصل العنصري، والاقتحامات اليومية لمدن وقرى الضفة واعتقال العشرات وبث روح العنصرية والكراهية ضد الوجود الفلسطيني على كل أرض فلسطين التاريخية وتبني سياسات سرقة الأرض ومحاصرة الشعب الفلسطيني في كانتونات .. هي سياسات ستجعل من فكرة حل "الدولتين" أمرا سخيفا بعد سنوات قليلة..
من يعتقد أن نتنياهو أو باراك ( الذي يستقبل في العواصم العربية) لديهم شيئا مختلفا عما كان لدى شارون من حلول سيجد نفسه واهما، ولن تفيد كل سياسات التدليل والتطير والاستجداء الرسمي العربي في وقف مخططات التلاعب وكسب الوقت.. ومن مارس التطهير العرقي في 1948 و1967 لن يجد مشكلة في صناعة تطهير من نوع آخر.. فبمجرد السير في سياسة الاعتراف التدريجي بيهودية الدولة والنزول عند طلبات وشروط الإدارة الأميركية " لتعزيز موقف نتنياهو " ليرفع حاجزا هنا او هناك.. وتمثيلية إزالة "بؤرة عشوائية".. يعني بأن العرب لم يتعلموا شيئا من التاريخ القريب، فما بالنا بالبعيد الذي أنتج كارثة باتت مجرد ذكرى في قاموس السياسة العربية عن حق العودة..
ليس بالضرورة أن يقوم الائتلاف اليميني الحاكم في تل أبيب بجلب عصابات الآباء المؤسسين لدفع الشعب الفلسطيني نحو "الوطن البديل".. وهذه أيضا سُكت عنها سكوت مريب..بل يكفي أن تأتي الديموغرافيا في فلسطين التاريخية بعد سنوات قليلة بنسبة متساوية لنجد أنفسنا نبدأ من نقطة الصفر.. وقد تكون نقطة الصفر هذه بداية لانهيار أوهام يعيش على فتاتها من لا يزال يؤمن بها..
الساحتين الفلسطينية والعربية تتحملان مسؤولية كبيرة أمام ما يجري للشعب الفلسطيني، وبيد الطرفين الكثير مما يفعلان لوقف هذه المهزلة الأميركية – الإسرائيلية.. لكنني شخصيا غير متفائل بأن الدروس التي مرت بها القضية الفلسطينية قد أفادت العرب مثلما أفادت غير العرب.. وعلى رأسهم إيران التي تتحول الآن إلى الهدف المشترك لكل "معسكر الاعتدال" ومعسكر "الصمت" الجديد..

التعليقات