31/10/2010 - 11:02

حركة فتح وفعل اندثارها الراهن../ يونس العموري*

حركة فتح وفعل اندثارها الراهن../ يونس العموري*
وكأنه يُراد لحركة فتح أن تنتهي وأن يتم اندثار مشروعها وإسدال الستار على تاريخها. وكأن السيناريو المرعب الذي نشهد فصوله في الظرف الراهن يوحي بأن ما وراء الأكمة ما وراءها. فبعد سلسلة طويلة من تباين المواقف وتصارع البيانات وضياع الحقائق واختلاط الحق بالباطل، وتداخل كل مفاهيم الفعل التحرري وانقلاب قوانينه واستحداث هجائن جديدة من شأنها إعادة التموضع من جديد بكل ما يتصل بالقضية الفلسطينية، بثوابتها وحقائقها من خلال اعادة صياغة المشروع الوطني ليكون له كما يُراد ان يكون منسجما ومتوافقا والأطروحة (السياسية المتعولمة) المستندة لقوانين العصر الحديث، واقتصاديات السوق والتسليم بالأمر الواقع، من خلال خلق ساحات جديدة للصراع لضمان فعل السيطرة العالمية على كل مناحي اللعبة الإقليمية، وللإمسال بخيوط هذه اللعبة، وحيث أن المنطقة الشرق أوسطية هي المنطقة ذات الحساسية العالية والمحددة لطبيعة توجهات السياسات الدولية وإشكال الفعل ألأممي، كان لابد من خلق صراعات تأخذ الطابع الإستنزافي أكثر، أو بالأدق كان لابد من حرف مسار قضايا المنطقة عن مسارها التاريخي ومنطلقاتها الأساسية وتحويرها وزج عوامل جديدة فيها ليكون بالإمكان من خلال ذلك الإبقاء على جذوة الصراع الذي يخدم مصالح الدول الكبرى، وتحديدا المصالح الأمريكية في المنطقة، وتحقيق القاعدة الإستقطابية لمعسكر السياسات الاحتلالية والسيطرة على شعوب المنطقة. وبذلك كان لابد من إبراز الواجهة الأيديولوجية للصراع.

وفي هذا السياق كان لابد من إقحام تصارع العقائد الدينية في خضم الصراع العربي الإسرائيلي، ليُصار بالتالي الى امكانية الصاق تهمة الأرهاب وتسويقه، وبالتالي ضرورة مواجهته من قبل (العالم الحر). وحتى يستوي هذا الأمر نجد أن فعل الإستقطاب المُشار اليه قد امتد بل ونجح في اختراق الجبهات الائتلافية الوطنية في المنطقة، والتي كانت تواجه الفعل الاحتلالي الكولونيالي بشكل منسجم وخطوط المواجهة العريضة.

وفعل الاختراق هذا استند بالأساس الى زعزعة الجبهة الإئتلافية من خلال العديد من الأساليب والوسائل، لعل أهمها على الإطلاق تمثل بتفريغ الحركات الوطنية ذات البعد الوطني العروبي القومي بالوعاء العلماني من محتوياتها الوطنية، أو على الأقل لربطها بمسار الفعل السياسي المرتبط بالأطروحة السياسية للراعي الأكبر في المنطقة، وبالتالي خلق الفجوات العميقة ما بينها وبين قوانين فعل التحرر، وزج وتأجيج التناقضات مع باقي تشكيلات الحركة الكفاحية النضالية.

باختصار كأنه يُراد زج عوامل جديد بالصراع مع الدولة العبرية تأخذ المنحى الأيديولوجي فقط لا غير، بمعنى زج المسألة العقائدية وإبرازها وكأنها هي الأساس، وتحويل الصراع الى صراع ديني من الطراز الأول، ليُصار بالتالي إلى خلق الفزاعة الإرهابية لتبرير ما يمكن تبريره من ممارسات دولة الاحتلال وسياساتها. وهذا السيناريو يتطلب أولا وقبل كل شيء ضرورة إنهاء العصب الأساس للحركة الوطنية الفلسطينية عبر تفريغها من محتواها النضالي الكفاحي، وإجراء جملة من المتغيرات على برامجها ومنطلقاتها والتلاعب بمفاهيم فعل التحرر والتحرير ولجم تطورها وخلق التناقضات ما بينها وبين كافة تشكيلاتها، مما يعني رفع درجة التناقضات، والمفروض أنها ثانوية، ما بين التكتلات الوطنية في جبهة المقاومة للحركة الوطنية إلى تناقض رئيسي، وفي بعض الأحيان إلى أساسي، بمعنى تأجيج الصراع الفكري الأيديولوجي ليأخذ الطابع السياسي المصلحي قبل إنجاز المهمات الوطنية لحركة التحرر، وهذا لن يتم إلا من خلال دفع الواجهة الأيديولوجية ذات البعد الديني العقائدي إلى الواجهة، وتفريغ أو محاولة تفريغ عصب الحركة الوطنية من مضامينها التحررية وتمييع خطابها وتسويقه ليتناسب والأطروحة الليبرالية، إذا ما جاز التعبير.

وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها أكثر فإن ما يجري على الساحة الفلسطينية بالظرف الراهن يصب بشكل أو بآخر بهذا الاتجاه. فبلا شك إن الصراع القائم الآن ما بين حركة فتح وحركة حماس قد أخذ طابعا تصارعيا فعليا، حيث التشدد من قبل حركة حماس ودفع الخطاب الديني الأيديولوجي إلى الواجهة التي تتجاوز من خلاله الخطاب السياسي الوطني، حيث صار وفي الكثير من المحطات خطاب حركة حماس خطابا أيديولوجيا يعبر عن منطلقات الإسلام السياسي المستند إلى فكرة شمولية أطروحة الإسلام السياسي العقائدي، وتحديدا المستند إلى خطاب وتوجهات حركة الأخوان المسلمين وكل ما يتصل فيها.

والخطر الأكبر من هكذا أطروحات في ظل وقائع القضية الفلسطينية وتشرذم الحركة الأسلامية عموما، هو نمو الحركات الإسلامية الأصولية المتطرفة، والتي تنحو إلى فكرة إقصاء الآخر، وعدم تقبل المعايشة المشتركة معه وسيطرتها على المشهد المحلي. وهو ما نلحظه بشكل أو بآخر على مختلف الساحات المؤثرة بالصراع العربي الإسرائيلي حيث تنامي فعل الحركات الأصولية مؤخرا بالمنطقة، وخلق وتأطير التشكيلات التنظيمية لها كحركة فتح الإسلام، على سبيل المثال، في الشمال اللبناني وبعض التشكيلات الصغيرة القابلة للتطور في قطاع غزة.

وفي المقابل فإن حركة فتح، ومن خلال خطابها الرسمي وعلى لسان رأس هرمها، ومن خلال مشهدها الراهن قد صارت تعبر عن الأطروحة السياسية الليبرالية المصطدمة وفكرة المقاومة ومسار الفعل التحرري المستند الى قوانين العملية النضالية، حيث أصبح من هو مسيطر على قرار حركة فتح يعبر عن المسار السياسي الليبرالي الذي يتعاطى والقضية الفلسطينية بقوانين العمل السياسي الدبلوماسي مراهنا على إمكانية إحداث فعل التغير في موازيين القوى الإقليمية الدولية ليس أكثر مما يعني إحداث الانقلاب المطلوب في المفاهيم الجذرية لفتح، وهو ما يُراد له يشرعن من خلال العديد من الوسائل لعل أبرزها السعي لعقد المؤتمر العام السادس لفتح وفقا لمقاييس ومعايير هكذا أطروحات لضمان السيطرة على التوجهات السياسية، من خلال البرنامج السياسي العتيد المتطابق لما يسمى بفهم حيثيات المرحلة سياسيا، وضرورة الأخذ بالواقعية السياسية، لتتكون بالتالي محددات المسارات السياسية ومناهج الفعل العام بالإطار العام. وكل ذلك يتم في ظل إعادة التموضع من جديد وصياغة مفاهيم العمل الفلسطيني الرسمي بشكل أو بآخر لتصبح المسألة الفلسطينية قابلة للأخذ والعطاء والبيع والشراء على قاعدة الواقعية السياسية وتحقيق ما يمكن تحقيقه (خذ وطالب)..

لابد من أن نلاحظ بذات الوقت أن ثمة عمل آخر وعلى جبهات اخرى تهدف فيما تهدف إلى استبعاد حركة فتح عن واجهة القيادة الفعلية للمشروع الوطني، وليس أدل على ذلك سوى ما جرى ويجري في مسألة تشكيل الحكومة الحالية حيث تم التعمد بأن يتم التعامل والتعاطي مع الحركة من خلال الشخوص فقط لا غير، وفي أحسن الأحوال من خلال تيارات بعينها بعيدا عن التعاطي الرسمي والحقيقي مع فتح. وهذا يدلل بشكل أو بآخر على استبعاد فتح عن واجهة القيادة.

اعتقد أن السؤال الأعظم الذي نواجه وتواجهه حركة فتح ويتطلب الإجابة عليه ومن خلال المؤسسات الرسمية للحركة وعلى رأسها مؤسسة المؤتمر العام للحركة، والذي يتمثل بضرورة إعادة تعريف هوية حركة فتح ومفاهيمها بالظرف الراهن. بمعنى آخر يجب أن تحدد حركة فتح طبيعتها وشكلها وهل ما زالت تعتبر نفسها حركة تحرر وطني أم أنها تعتبر ذاتها إطارا سياسيا يتعاطى بالشأن السياسي الفلسطيني العام من خلال النشاط الدبلوماسي ومحاورة الدولة العبرية والعالم فقط من خلال المفاوضات والمفاوضات فقط؟ أم أنها حركة تعتمد كافة الأساليب والوسائل الممكنة في سبيل تحقيق الحرية والسيادة والاستقلال وتقرير المصير من خلال بناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحق عودة اللاجئين، وذلك عبر وسائل التحرر والتحرير المعلومة والمعروفة، أي من خلال العمل الثوري النضالي بأدواته المختلفة الجماهيرية والشعبية وبأرقى أشكال العمل الثوري النضالي (الكفاح المسلح) بأسلوب حرب الشعب. وأنا هنا لا أمارس فعل التنظير الأجوف أو التنظير النظري، وإنما أتحدث من صلب أدبيات حركة فتح الأساسية التي تم تشويهها وحرفها عن مسارها.. وكل ذلك يعتمد برأيي على الإجابة على السؤال الأشمل والأعم والمتمثل بتوصيف طبيعة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، أي ضرورة أن نعي وأن نتفهم أن فلسطين ما زالت محتلة من نهرها الى بحرها، وبالتالي فالمرحلة مرحلة تحرر وطني وهذا يفرض أدوات وطبيعة وسائل العمل .

وأمام المعطيات المُشار إليها أعلاه، وحسب حالة التوصيف الراهنة، بات من الملاحظ أن العمل الجاري حاليا هو إحالة القضية الفلسطينية إلى قضية لها ارتباطات محورية ممزقة ما بين محاور الصراع الدولي الإقليمي، وهو ما بات ملموسا ومتمظهرا على الساحة الآن، وحيث ذلك فإننا نرى وبأم العين أن المؤسسة الفلسطينية الرسمية قد تحولت إلى مجرد مؤسسة تسعى لأن تستقبل المساعدات الدولية المشروطة بالمسار السياسي العام، ونلاحظ أن السلطة الفلسطينية قد تم ربط مصيرها ومصير استمرار دعمها من قبل الدول المانحة وصناديق الدعم العربية والدولية بشخص بعينه بل وبطاقم معين.

وبالتالي ثمة اعتقاد (وهذا الإعتقاد له ما يبرر حقيقة وجوده) أن هناك قرارا بمنع حركة فتح من العوده لقيادة الشعب الفلسطيني، وثمة برامج يتم إعدادها، ويتم تنفيذها تهدف إلى إخراج فتح من الساحة السياسية النضالية وإنهاء مشروعها بالكامل.

التعليقات