31/10/2010 - 11:02

حكومة إسرائيل "وزئير الفأر" مقابل حكومة حماس/محمد ميعاري

حكومة إسرائيل
منذ ان قال الشعب الفلسطيني كلمته بالانتخابات الاخيرة، حين اعطى لحركة حماس الدعم الكامل والثقة شبه المطلقة ببرنامجها السياسي الذي طرحته امام الجمهور وبالطريقة التي تدير بها امورها التنظيمية وممارساتها الشعبية، اخذت علامات الذعر والبلبلة تجتاح صفوف العديد من الاطراف ذات العلاقة المحلية منها والعربية والدولية.

ولعل الزلزال الاكبر لهذه النتيجة ووقعه المدوي انما وقع على رأس الحكومة الاسرائيلية واجهزتها الامنية من «شاباكها» و «موسادها» وعلى الرأي العام الاسرائيلي باحزابه الصهيونية ووسائل اعلامه الرسمية منها وشبه الرسمية.

اما الهزة الاولى فكانت بسبب عدم توقع هذه النتيجة من قبل هذه الاجهزة بالرغم مما تدعيه من امتلاكها لوسائل البحث والمراقبة والاستطلاعات المسبقة، وقوة الاحتلال واجهزته المدنية منها والعسكرية مما دفع الكثيرين الى وصفها بالفشل الذريع تارة وبالاخفاق المطلق تارة اخرى، والذي يمكن اعتباره حلقة جديدة في مسلسل الاخفاقات المتواصلة، كلما تعلق الامر بارادة الشعوب وردود فعلها وكيفية التعبير عن مواقفها المبدئية. وهذا ما حصل عند غزو لبنان والعدوان على العراق، والانتفاضات المتكررة للشعب الفلسطيني ضد العدوان والاحتلال والحصار والتجويع واعمال الاغتيالات والقتل المنظم.

لقد اسقط فوز حركة حماس من يد اسرائيل اكثر من ورقة كانت تحاول التلاعب بها على مدى سنين طويلة.. اولها ان الشعب الفلسطيني الذي طالما وصفوه بالتأخر والفوضى والارهاب قد برهن انه يستطيع ان يخوض معركة انتخابات ديمقراطية سليمة وبصورة متفوقة شهد لنزاهتها واحترامها العدو قبل الصديق، واذا كانت قد جرت تحت ظروف استثنائية واكثر تعقيدًا من اي مكان في العالم بأسره.ويكفي ان نشير الى ممارسات الاحتلال العسكري والحواجز الرهيبة والحصار وتقييد حرية الحركة للمرشحين والمصوتين على حد سواء.

لقد بنت اسرائيل سياساتها المتهربة من استحقاقات التفاوض والتقدم نحو تنفيذ الشرعية الدولية،على انه لا يمكن الركون للتعامل مع انظمة غير ديمقراطية ولا تمثل ارادة الشعب، لان بوسعها الانقلاب على كل ما يتم الاتفاق عليه، بفعل غياب المصداقية الديمقراطية...مما يبرر استمرارها باتخاذ الخطوات احادية الجانب، وفرض الامر الواقع تحت ذريعة غياب الشريك لدى الطرف الاخر.

وعندما حضرت الديمقراطية التي طالما تغنّوا بها زورًا وبهتانًا ها هم يتنكرون لها ولنتائجها الساطعة ويفرون منها نحو اتخاذ ذرائع جديدة - قديمة، بالحديث عن الارهاب كما فعلوا مع منظمة التحرير الفلسطينية ومع فترة الرئيس المغتال ابو عمار، بالرغم من انه كان رئيسًا تاريخيًا ومنتخبًا في آن واحد، وكما فعلوا مع محمود عباس الرئيس المنتخب هو الآخر، الى حد تجاهله، بالرغم من مشروعه متدني المطالب، الامر الذي دفع الشعب الفلسطيني الى دعم حركة حماس بعد ان تأكد ان الطريقة العبثية التي تعاملت بها اسرائيل معه، قد اوصلته وقضيته الى الطريق المسدود، على امل ان تكون هناك بدايات جديدة ومواقف اكثر حزمًا وتمسكًا بالحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف.

نعم، اين هو الخطأ؟ فعندما تقول اسرائيل ان كل ارض فلسطين بين النهر والبحر هي لها (بالحقيقة هي تدعي بما هو اكثر من ذلك) وهي مستعدة ان «تتنازل» عن جزء منها «من اجل السلام» فلماذا لا يكون الرد، وانا اقولها بكل مسؤولية ان كل ارض فلسطين هي للشعب الفلسطيني، وهو مستعد في سبيل الوصول الى حل عادل، لان يكون موضوعيًا في بحثه عن الشروط الملائمة للتوصل قريبًا او بعيدًا الى مثل هذا الحل المنشود، والبادي اظلم.

والذي حدث انه حال إلتئام الجلسة الاولى للمجلس التشريعي باكثريته الحماسية سارعت الحكومة الاسرائيلية باعتبار السلطة الفلسطينية، ما يعني الشعب الفلسطيني باسره، «منظمة ارهابية» مهددة ومتوعدة باتخاذ الاجراءات المترتبة على مثل هذا الوضع، ولكن ما كان باستطاعتها ان تفعل اكثر مما فعلته لغاية الآن؟ فقد جاءت القرارات التي اتخذتها الحكومة فعلاً بجلستها الاخيرة وبعد التهديد والوعيد، كمن يردد اغنية قديمة كالحة او كما وصفها المعلق الاسرائيلي ألوف بن، في صحيفة هآرتس «كزئير الفأر» مثل زيادة الاجراءات الامنية في المعابر والحواجز وكأن هناك من زيادة لمستزيد، والتوجه الى الدول الاجنبية لقطع مساعداتها عن السلطة..

وهنا كانت استجابة امريكا سابقة لهذا الطلب، حين استردت مبلغ 50 مليون دولار كانت قد نقلتها للسلطة لتحديد التنقل بين غزة والضفة، وكأن كل الطرق كانت سالكة ومفتوحة، ثم ايقاف اموال الضرائب والجمارك التابعة للسلطة الفلسطينية التي تجنيها اسرائيل والتي هي من اموال الشعب الفلسطيني اصلاً وحسب الاتفاقات التي تطالب اسرائيل بتنفيذها وهكذا تكون اسرائيل كمن يقتل القتيل ويطالب بالاستيلاء على ورثته.
ولعل اسخف ما في الامر النكتة الوقحة التي اطلقها مستشار شارون المحامي فايسكلس، نحن نريد ان يصل الفلسطينيون الى حد الهزال وليس الموت!!

ولم يتعلم هذا المستشار المهووس ولم تتعلم حكومة اسرائيل من كل الدروس السابقة ان الشعب الفلسطيني بكل ما يملك من طاقات وابداعات قادر على التغلب على مثل هذه الازمات ولا يعدم ايجاد البدائل وانه مستعد لان يجوع ولكن، لن يركع، واذا دل هذا التصرف المشين لحكومة اسرائيل على شيء فانه يدل على جهلها وعدم اخلاقيتها وتوحشها مقابل موقف الشعب الفلسطيني الصابر والمرابط وصاحب التضحيات الجسام.. وانها لجولة جديدة والزمن طويل.


صحيفة "فصل المقال"

التعليقات