31/10/2010 - 11:02

خيارات الاحتلال في مواجهة المقاومة الفلسطينية../ أحمد الحيلة*

خيارات الاحتلال في مواجهة المقاومة الفلسطينية../ أحمد الحيلة*
انعقد المجلس الوزاري المصغر لحكومة الاحتلال الصهيوني يوم الأربعاء (5/3) لمناقشة مجموعة من الخيارات أو البدائل في التعامل مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. وحسب مصادر رفيعة المستوى في مكتب رئيس الوزراء، فإن المجلس ناقش أربعة خيارات على النحو التالي: الخيار الأول: اجتياح كامل لقطاع غزة. الخيار الثاني: الإبقاء على وتيرة العمليات الجارية. الخيار الثالث: الرد تناسبياً على إطلاق الصواريخ. الخيار الرابع: تفاوض غير مباشر مع حماس للاتفاق حول وقف إطلاق النار.

كان واضحاً أن المجلس الوزاري قد اقترب من الخيار الثاني الذي يتيح للجيش القيام بعمليات عسكرية مكثفة وشبه متواصلة بغرض إنجاز الهدف الرامي إلى وقف إطلاق الصواريخ نهائياً من قطاع غزة، عندما طالب أولمرت جيش الاحتلال بإعداد خطة تُفضي إلى وقف نهائي لإطلاق الصواريخ، في الوقت الذي أكد فيه على أن الجيش سيستمر في عملياته العسكرية في القطاع حتى يتوقف إطلاق الصواريخ.

في ظل هذا القرار للمجلس الوزاري المصغر، يمكن قراءة عدة ملاحظات على النحو التالي:

• أولاً: إن الاحتلال خفّض من سقف أهدافه التي رافقت عمليته الأخيرة في شمال قطاع غزة (شتاء حار)، والتي جاءت على لسان وزير الدفاع باراك (يديعوت أحرونوت 29/2) عندما حدد أهداف العملية العسكرية بـ : وقف إطلاق الصواريخ ـ وقف "تهريب" الأسلحة ـ إضعاف حكم حماس حتى إسقاطها ـ استكمال فك الارتباط عن قطاع غزة. وفي ذلك إشارة إلى تراجع الاحتلال خطوة إلى الوراء بعدما لمس صعوبة تحقيق تلك الأهداف نتيجةً لما شاهده من صمود وشجاعة المقاومين الفلسطينيين الذين قال فيهم بعض جنود الاحتلال الشهادات التالية: "إن العمليات كانت في منطقة صعبة وأن مسلحي حماس هم مقاتلون حقيقيون. في الماضي كانوا يجرون نحوك لتفجير أنفسهم، الآن يتصرفون بحكمة ومن الصعب إيجادهم" (موقع صحيفة معاريف 3آذار، نقلاً عن جنود من لواء "غفعاتي") ، بينما نقل موقع صحيفة يديعوت 3آذار، عن جنود من نفس اللواء قولهم: "هناك الكثير من الجنود الذين لم يشاركوا في حرب لبنان، إلا أن عدد من الذين شاركوا يشعرون أن الوضع هنا مشابه"، وتنقل الصحيفة عن أحد الجنود قوله: "الوضع هناك ليس كما تركناه، المقاتلون الفلسطينيون أكثر شجاعة وأكثر مراوغة وحنكة، وكأنهم جزء من جيش. لديهم أيضا معدات متطورة". ويضيف: "لقد دارت هنا بعض المواجهات الجدية في الأيام الأخيرة. كانت نهاية الأسبوع مليئة بالأحداث كإطلاق الصواريخ المضادة للدبابات، ولكننا عملنا بشكل جيد، وسلاح الجو ساعدنا جدا.. وبطبيعة الحال، مع تسارع نبضات القلب، فبالنهاية غزة هي غزة".

هذا الواقع جعل القيادة الصهيونية تدرك أنه من الخطأ التمسك بأهداف مبالغ فيها، حتى لا يتكرر خطأ حرب تموز 2006 على لبنان، عندما أعلنت إسرائيل عن أهدافٍ غير واقعية وغير قابلة للتحقق، الأمر الذي أوقعها في مأزق. وبالتالي فإن خفض الاحتلال لسقف أهدافه دلالة على عجزه أو فشله في إملاء شروطه على المقاومة وعلى الشعب الفلسطيني.

• ثانياً: اتخاذ قرار مواصلة العمليات العسكرية، في ظل وجود وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في تل أبيب، إشارة واضحة للغطاء والضوء الأخضر الأمريكي، وإلى شراكة واشنطن لتل أبيب في ارتكابهما المزيد من الحماقات والمجازر بحق الشعب الفلسطيني، وهذا كان واضحاً من تصريحات رايس في القاهرة (4/3) عندما أكدت على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، في الوقت الذي حمّلت فيه حركة حماس المسؤولية عن العمليات العسكرية الصهيونية في قطاع غزة.


• ثالثاً: ما يجري في قطاع غزة، على صلة بالتطورات الحاصلة عموماً في الشرق الأوسط ؛ فاجتياح جيش الاحتلال لشمال القطاع (شتاء حار) تزامن مع إعلان واشنطن إرسال المدمرة الأمريكية "كول" ـ جرى استبدالها مؤخراً بالمدمرة "روس" ـ إلى الشواطئ اللبنانية، التي تشهد اصطفافاً سياسياً حاداً ينذر بنشوب حرب أهلية، بتحريض من الولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك بالتوازي مع محاولات التشويش على انعقاد القمة العربية في دمشق أواخر آذار/ مارس الحالي، أي أن ضرب المقاومة في قطاع غزة على صلة برؤية صهيوأمريكية تسعى لفرض أجندتها على المشرق العربي. ولعل القوم اختاروا قطاع غزة أولاً، اعتقاداً منهم بأنه الحلقة الأضعف بعد ثمانية أشهر من الحصار المتواصل، وظناً منهم أن استهداف القطاع سيعيد لهم هيبة الردع، من خلال ارتكاب المزيد من المجازر التي يراد لها أن تفت في عضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ودول الممانعة الداعمة لها.

إذن يتوقع من الاحتلال أن يستمر في سيناريو استهداف غزة عبر توجيه المزيد من الضربات المركزة والمكثفة شبه المتواصلة، بهدف استنزاف المقاومة، وإنهاك الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر، من أجل تغيير معادلة (ميزان الرعب) التي تعمل حركة حماس والمقاومة على تثبيتها من خلال استهداف البلدات والمستوطنات المجاورة للقطاع بالصواريخ، عند كل اعتداء سافر على الشعب الفلسطيني. فالاحتلال يريد وقف الصواريخ نهائياً لتأمين جبهته الداخلية مع إبقاء يد جيشه طليقة في الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل استمرار ملهاة ما يدعى بالمفاوضات التي يراد لها أن تقزّم القضية وأن تختزلها في حكم ذاتي هزيل، أو دولة فلسطينية مرهونة وتابعة حسب المواصفات الصهيوأمريكية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تطور وتدحرج العملية العسكرية الصهيونية على قطاع غزة أمر وارد، وهو مرهون بقدرة المقاومة على الصمود واستنزاف جيش الاحتلال، وعلى قدرتها في استهداف الجبهة الداخلية للاحتلال (اسديروت، وعسقلان..)؛ فإذا تمكن الاحتلال من استنزاف المقاومة، فإنه قد يطور أهدافه بالانتقال إلى الخيار الأول، أي اجتياح كامل القطاع، وإسقاط حكومة السيد إسماعيل هنية تمهيداً لوصول قوات دولية أو أطراف فلسطينية متمثلة في الرئاسة وحكومة السيد فياض وأجهزتها الأمنية، لملء الفراغ "السلطوي" الناشئ، مما يعني التخلص من المقاومة وصواريخها التي يعتبرها الرئيس عباس عبثية، وذريعة لارتكاب الاحتلال المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين!

أما إذا حدث العكس، وتمكنت المقاومة من استنزاف الاحتلال، ومن استهداف الجبهة الإسرائيلية الداخلية لفترة طويلة نسبياً، أو توسيع جغرافية المقاومة لتنسحب على الضفة الغربية ـ التي شهدت شبه انتفاضة أثناء عملية الشتاء الحار على شمال القطاع، والتي أرسلت رسالة اعتراض شديدة اللهجة في السادس من هذا الشهر، عندما تمكن الشهيد علاء أبو دهيم (سكان منطقة جبل المكبر في القدس الشرقية) من اقتحام المدرسة التلمودية في القدس، موقعاً ثمانية قتلى ونحو أربعين جريحاً ـ ، فإن ذلك سيدفع الاحتلال إلى خفض سقف أهدافه بالانتقال إلى الخيار الثالث، أي الرد تناسبياً على إطلاق الصواريخ، أو حتى الانتقال إلى الخيار الرابع، أي البحث في جدوى التفاوض غير المباشر مع حماس لعقد صفقة تفضي إلى الهدنة أو التهدئة المتبادلة ورفع الحصار، وإلى إطلاق سراح الجندي "جلعاد شاليت" مقابل إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال.

التعليقات