31/10/2010 - 11:02

عباس و مصيدة بوش../ عبد الباري عطوان

عباس و مصيدة بوش../ عبد الباري عطوان
سيحل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضيفا صباح اليوم على البيت الابيض، حيث من المقرر ان يلتقي نظيره الامريكي جورج بوش ويلتقط معه الصور الى جانب المدفأة الشهيرة بعد مصافحات حارة وابتسامات متبادلة.

من حقنا ان نقلق، وان نضع ايدينا على قلوبنا خوفا من النتائج التي يمكن ان تترتب على الزيارة، فالرئيس بوش، مثلما تفيد التسريبات الاخبارية الامريكية والاسرائيلية، هو الذي وجه الدعوة الى الرئيس الفلسطيني، من اجل ممارسة ضغوط عليه للتوصل الى اتفاق ما يحمله معه الى القدس المحتلة، ويعلنه هناك، اثناء مشاركته في الاحتفالات بمرور ستين عاما على قيام اسرائيل على الارض الفلسطينية.

فالرئيس عباس ليس مثل سلفه ياسر عرفات، يستطيع ان يقاوم الضغوط الامريكية ويتمسك بالثوابت دون ان يتزحزح عنها قيد انملة، فهو لا يحظى بدعم الاجماع الفلسطيني، ولا حتى بدعم غالبية عناصر تنظيم فتح الذي يحكم باسمه، ويعتمد اعتمادا مباشرا على المساعدات المالية الامريكية التي تأتي اليه عبر قناة سلام فياض رئيس الوزراء، باعتباره الشخص المعتمد، وموضع ثقة الدول المانحة.

ويمكن تلخيص مخاوفنا من هذه الزيارة لواشنطن، واللقاءات التي ستجري خلالها في النقاط التالية:
اولا: الرئيس عباس كشف امس في حديث لقناة العربية ان هناك مفاوضات سرية فلسطينية ـ اسرائيلية تجري بعيدا عن اعين الاعلام. وكان السيد احمد قريع رئيس فريق المفاوضات الفلسطيني قد اشتكى من وجود قناة تفاوضية موازية وسرية تتم من خلف ظهره. اي ان التاريخ يعيد نفسه، فمثلما كان السيد قريع يتفاوض في اوسلو خلف ظهر الدكتور الراحل حيدر عبد الشافي والفريق المفاوض معه انطلاقا من قرارات مؤتمر مدريد، جاء من يذيق السيد قريع من الكأس نفسه، ويفتح قناة مفاوضات سرية دون علمه.

السؤال هو: لماذا يلجأ السيد عباس الي المفاوضات السرية طالما ان هناك مفاوضات علنية يقودها السيد قريع الرجل الثاني في تنظيمه، ومن المفترض ان يكون محل ثقته، ثم ماذا يجري في هذه المفاوضات السرية والعلنية، اليس من حق الشعب الفلسطيني ان يعرف ماذا يطبخ له ولقضيته؟

ثانيا: خرج علينا السيد عباس بتصريحات قال فيها انه يسعى للتوصل الى اتفاق اطار وليس اعلان مبادئ كنتيجة لمفاوضاته مع الاسرائيليين برعاية امريكية، ولا نعرف اسباب هذا التلاعب بالكلمات، فالفروق بسيطة جدا بين الاثنين، والشعب الفلسطيني ما زال يكتوي بنار اتفاق اوسلو الذي هو اعلان مبادئ ووظفته اسرائيل لمضاعفة استيطانها، وتدمير منظمة التحرير ومؤسساتها، واخراج حركة فتح كبرى المنظمات الفلسطينية واهمها من دائرة المقاومة.

ثالثا: تتردد انباء ان الولايات المتحدة تفضل تأجيل القضايا الكبرى الخلافية مثل القدس والمستوطنات لمدة خمس سنوات، واقامة دولة فلسطينية مؤقتة في الضفة الغربية، والغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين بشكل نهائي، باعتباره حقا غير عملي لا يمكن تطبيقه.

رابعا: الرئيس عباس صرح، بالصوت والصورة، لقناة العربية ايضا انه سيتم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين لا سيما في لبنان مؤكدا انه لن يبقى في لبنان اي لاجئ فلسطيني ولكنه لم يقل الى اين سيعود هؤلاء، هل سيعودون الي الجليل وحيفا وصفد وعكا حيث ما زالت بيوتهم واراضيهم موجودة، ام الى الدولة الفلسطينية التي ستقام علي اشلاء الضفة الغربية وقطاع غزة؟

خامسا: السيدة تسيبي ليفني التي حظيت باستقبال حار في الدوحة قبل اسبوع، وهو امر مؤسف، قالت ان حق العودة للاجئين الفلسطينيين يجب ان يمارس في الدولة الفلسطينية تماما مثل حق العودة لليهود الى الدولة اليهودية، وذهبت الى ما هو ابعد من ذلك عندما قالت ان عرب 48 الذين يقدر تعدادهم بمليون ومئتي الف مواطن فلسطيني يجب ان يعودوا ايضا الى هذه الدولة الفلسطينية، اي طردهم من اسرائيل.

سادسا: تتردد بكثرة هذه الايام مقولة عرض اي اتفاق يتوصل اليه الرئيس عباس على الشعب الفلسطيني في استفتاء عام، ومن المؤلم ان السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقع في هذه المصيدة بحسن نية، عندما قال للرئيس الامريكي جيمي كارتر انه يقبل بأي اتفاق يقره الشعب الفلسطيني في استفتاء عام حتى لو جاء متعارضا مع مواقف حماس.

ونخشي ان تعمي اضواء الاعلام المرافقة لزيارة الرئيس كارتر قادة حماس عن بعض الحقائق، وعليهم ان يتذكروا ان لقاءات كهذه هي التي دفعت الرئيس عرفات للتنازل عن مشروع الدولة العلمانية على كل فلسطين، والقبول بقرار مجلس الامن رقم 242 وحل الدولتين، ومن ثم نبذ الارهاب او المقاومة، وتبني الحلول السلمية كخيار وحيد للتسوية.
الاستفتاء في حال حدوثه سيقتصر على اهالي الضفة والقطاع فقط، ويمكن تزويره بسهولة على ايدي من زوروا التاريخ ونفوا وجود شعب اسمه شعب فلسطين.

سابعا: العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني يتواجد في واشنطن هذه الايام، والتقى الرئيس بوش قبل ان يلتقي الثاني الرئيس عباس، الامر الذي يؤكد ان هناك جهودا متسارعة لبلورة اتفاق ما ، وهناك من يهمس في الاردن بان عودة صيغة المملكة المتحدة بين الضفتين باتت موضع دراسة مستفيضة، ومن ضمن الخيارات المطروحة حاليا وتلقى قبولا من الادارة الامريكية.

ثامنا: كل هذه الزيارات واللقاءات والمفاوضات السرية والعلنية، والقنوات الموازية وغير الموازية، وتحالف دول المعتدلين وزيارات رايس التي بلغت حتي الان 15 زيارة في اقل من 18 شهرا، وقمم عباس واولمرت التي اقتربت من الرقم 17، نقول رغم كل هذا السيرك لم يتم حتى الآن تفكيك حاجز عسكري اسرائيلي في الضفة، او وقف بناء وحدة سكنية واحدة في المستوطنات المحيطة بالقدس الشرقية المحتلة رغم صراخ السيد عباس وعويل المتحدثين باسمه.

تاسعا: الرئيس عرفات صمد لاكثر من اسبوعين في كامب ديفيد، وواجه ضغوطا لا تحتملها الجبال من قبل الرئيس بيل كلينتون وبعض الزعماء العرب، ورفض القبول بأي سيادة منقوصة على القدس، او التنازل عن حق العودة، لانه كان يدرك ان اي اتفاق لا يتضمن القدس واللاجئين سيكون نهايته، وقال للرئيس كلينتون انه سيمشي في جنازته اذا وقع هذا الاتفاق. وللتاريخ نؤكد ان الرئيس عباس كان من اكبر المساندين لعرفات في هذا الموقف في مواجهة مجموعة من المستسلمين الذين كانوا يحيطون به ويشجعونه على التفريط.

الرئيس عرفات اختار ان يموت شهيدا في مقره في رام الله على ايدي الاسرائيليين، على ان يموت خائنا برصاص أحد ابناء شعبه، وسجل بذلك سابقة لكل مسؤول فلسطيني من بعده. ولا بد ان السيد عباس يعرف هذه الحقيقة وهو يجلس الى مائدة المفاوضات مع الرئيس بوش صباح اليوم.

عاشرا: اي اتفاق سلام او اطار او اعلان مبادئ يتم في ظل حال الانقسام الفلسطيني الراهن، وفي ظل الحصار التجويعي الذي يمر به الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، هو مشروع فتنة وربما حرب اهلية ولذلك كان على السيد عباس ان يذهب الي دمشق او غزة او القاهرة ويلتقي قادة حماس لانهاء هذا الوضع الشاذ المؤسف، وبعدها يذهب الى واشنطن او موسكو او اي مكان آخر.

نتمني، بل ونصلي، ان يصمد الرئيس عباس في مواجهة ضغوط رايس وبوش وبعض الزعماء العرب الذين يتوقون للدخول في حلف مع اسرائيل ضد ايران وسورية و حزب الله و حماس، وان لا يسمح باستخدام هذه القضية الفلسطينية العادلة كورقة لتنفيذ حروب امريكية قذرة ضد اشقاء عرب ومسلمين، لتكريس الهيمنة الاسرائيلية ـ الامريكية على المنطقة.
نحن مع السلام الذي حددته الثوابت الفلسطينية وقرارات المجلس الوطني، والميثاق الفلسطيني، وقرارات الامم المتحدة جميعا بما في ذلك قرار حق العودة، ولا نعتقد ان ما تطرحه واشنطن حاليا من حلول تقترب من نصف هذه الثوابت، ولذلك الحذر مطلوب والتحذير ايضا.

التعليقات