31/10/2010 - 11:02

عبثية المفاوضات مع تصاعد الاستيطان../ د.أسعد أبو شرخ*

عبثية المفاوضات مع تصاعد الاستيطان../ د.أسعد أبو شرخ*
في مقالته "مؤتمر أنابوليس أطلق مفاوضات متعثرة واستيطاناً متواصلاً " القدس 22/4/2008، يشعر السيد تيسير خالد بمرارة وخيبة أمل من استمرار هذه المفاوضات العبثية والتي تمخضت عن استمرار وتصاعد واستفحال الاستيطان وسرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية وتنفيذ المشروع الصهيوني دون أن يثير "ردود فعل دولية وردود فعل من الإدارة الأمريكية"،
ويرى الكاتب أن ما يجري على الأرض من نشاطات استيطانية يؤكد لكل من له إلمام بالسياسة أن حكومة إسرائيل تفاوض نفسها وتسعى إلى فرض تسوية وفق رؤيتها الخاصة لخارطة الطريق والدولية وتحفظاتها عليها".

ولقد وقّع الكاتب المقالة بصفته عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، مما يعكس موقفاً واضحاً وصريحاً وجليلاً ومسؤولاً عن المفاوضات العبثية هذه، التي أحجمت الأغلبية الساحقة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية عن المشاركة فيها في الوقت الذي تواصل فيه حكومة إسرائيل نشاطاتها الاستيطانية".

لقد عبرت عن هذا الرأي وطالبت بإيقاف هذه المباحثات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في أكثر من تصريح وأكثر من بيان، وكذلك فعلت قيادات الجبهة الديمقراطية وقيادات حزب الشعب، بل أن المبادرة الوطنية الفلسطينية، وعلى لسانها أمينها العام الدكتور/ مصطفى البرغوتي، وضحت بالحقائق والأرقام مخاطر استمرار المفاوضات في ظل مواصلة الاستيطان، بل أن حركة فتح وعلى لسان أكثر من مسؤول سواء كان ذلك في لقاءات بثها تلفزيون فلسطيني الرسمي أو مقابلات في وسائل إعلام أخرى حذّرت من مخاطر استمرار هذه المفاوضات وطالبت بإيقافها، وإن الإيقاف هنا نوع من تكتيكات المفاوضات للضغط على الجانب الإسرائيلي لإيقاف الاستيطان وتفكيك المستوطنات أولاً، هذا إن كان جاداً للوصول إلى تسوية عادلة.

إن إسرائيل مستمرة في بناء المستوطنات جهاراً نهاراً، بل والإعلان على الملأ وعلى مرأى ومسمع من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي بأنها توسع المستوطنات وتبني مستوطنات أخرى، وتحيط القدس بسلسلة من المستوطنات الكبرى، وتعزل منطقة الأغوار، وتعيث قهراً وفساداً في الضفة الغربية، رغم وجود السلطة، وتفرض حصاراً خانقاً نازياً على قطاع غزّة، وترتكب المجازر في الضفة وقطاع غزة، بل أن الضفة الغربية، التي لم تخرج منها أي صواريخ فلسطينية، أصبحت منطقة مستباحة لإسرائيل بالقتل والاعتقال والهدم واقتلاع الأشجار المثمرة وتقطيع أوصالها وتحويلها إلى منعزلات أو بانتوستانات تطوقها الحواجز العسكرية الصهيونية في كل مكان!.

إذا كان المفاوضات وبعد شهور على مؤتمر أنابوليس لم تأتِ بأي شيء جديد، سوى تصاعد وتيرة الاستيطان، واشتداد الحصار الخانق على قطاع غزة، واستباحة الضفة الفلسطينية، فما جدوى استمرارها؟ ألا تعطي انطباعاً خادعاً ومضللاً للعالم بأن السلام قادم بين الفلسطينيين والإسرائيليين طالما أن هناك مفاوضات مستمرة بين الطرفين؟.

لقد عقدت جلسات عديدة، يقال أنها بالعشرات بعيداً عن وسائل الإعلام وفي أماكن بعيدة عن الناس، ولا ندري من يشارك فيها، وما المواضيع التي تم بحثها، لكن ما تسرب من معلومات نقلته بعض وسائل الإعلام، يقول بأن هناك قضيتين لم يتم بحثهما أو التطرق إليهما، وهما قضية اللاجئين والقدس، وإذا كان هذا الكلام صحيحاً، فما الذي يتبقى للنقاش؟، بعض القضايا الإجرائية مثل إزالة حاجز هنا أو هناك أو الموافقة على مركز شرطة في هذه القرية أو تلك؟!

لقد تحاورت وتحدثت مع أناس كثيرين في داخل فلسطين وخارجها، ومن داخل التنظيمات الفلسطينية أو مع شخصيات وطنية مستقلة، واستمعت إلى أراء الكثير من المثقفين والأكاديميين والمحللين السياسيين، وأصحاب الرأي والمشورة ووجدت أن هناك اجماعاً على وجوب إيقاف هذه المباحثات، وتركيز الجهد كل الجهد على إعادة اللحمة الفلسطينية وبذل قصارى الجهد على الوحدة الوطنية الفلسطينية، التي بدونها ومع استمرار الانقسام لن نحقق أقل القليل من حقوقنا.

إن استمرار المفاوضات ضمن الظروف الحالية، يوحي، كما يرى الأستاذ هاني المصري، "بأمل كاذب ويعطل أي إمكانية لوقوع إدانة دولية جادة لإسرائيل"، لا بديل عن وقف وتعليق المفاوضات حتى يتم التوصل أولاً إلى صيغة كاملة يكون فيها وقف العدوان والاستيطان وتبادل الأسرى ورفع الحصار وفتح الحدود والمعابر وتهدئة متبادلة وشاملة ومتزامنة،ّ ما عدا ذلك جريمة لا تغتفر".

إن ما يجري في هذه الأجواء هو في مستوى الجريمة التي لا تغتفر ولهذا لابد من وقفة جديدة وجدية مع النفس ومراجعة الموقف الفلسطيني برمته، ولهذا يرى الأستاذ تيسير خالد بأن الأمر بات يفرض على الجانب الفلسطيني العودة إلى المؤسسات الدستورية الوطنية للبحث في الخيارات السياسية الوطنية لحماية المشروع الوطني قبل فوات الأوان، فمؤتمر أنابوليس، كما يرى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لم يطلق عملية سياسية جادة وحقيقية، بقدر ما أطلق مفاوضات عاثرة واستيطان متوحش".

لكل هذا ومثله معه لابد من مراجعة الحسابات والعودة إلى الشعب الفلسطيني ومؤسساته وتنظيماته التي وافقت على وثيقة الوفاق الوطني بل وقياداته الثقافية والفكرية والوطنية والإسلامية، بل والتنسيق مع رموز وقيادات العمل القومي الفكري والإسلامي والتقدمي لمواجهة تحديات المرحلة ومتطلباتها.

وما يؤكد ما توصلنا إليه من استنتاجات هو تشاؤم الرئيس أبو مازن من زيارته الأخيرة لواشنطن وحديث الرئيس الأمريكي بوش عما أسماه تعريف الدولة!
بدلاً من إقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي إدخالنا في بهلوانيات لغوية مثل لعبة الأكروبات،!
كما يؤكد هذا الطرح ما صدر من عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومستشار الرئيس، الدكتور نبيل شعت حول الموقف الأمريكي غير الجاد والقائم على مشروع تفتيت وتقسيم المنطقة العربية برمتها كما يحصل في فلسطين ولبنان والعراق، إضافة إلى المخططات الشيطانية ضد الدول العربية، خاصة دول وقوى الممانعة والمقاومة.

إن استمرار المفاوضات، رغم اتفاق الكل الفلسطيني، بل وعلى رأس هذا الكل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على عدم جدية إسرائيل في الاعتراف بحقوقنا الوطنية المشروعة، بل وتحدي العالم ورفضها الالتزام بأي من حقوقنا أو قرارات الشرعية الدولية أو القانون الدولي أو حقوقنا في القدس والعودة وإنهاء الاحتلال والاستيطان، مع مواصلة المجازر اليومية وتصعيد الاستيطان وتحويل الوطن إلى معازل متقطعة الأوصال أشبه بالجيتوهات، وذبح الأطفال والرضع وشن حرب إبادة وصفها ايلان بابيه ورتشارد فوك وهما مثقفان يهوديان، بأنها نازية.

نقول إن استمرار المفاوضات يجعل المراقب المحايد يثير الكثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام المبهمة حول ما يجري من وراء الكواليس، مما يجعلنا نخشى من أن هناك ضغوطاً هائلة تمارس علينا وعلى القيادة الفلسطينية قد تصدمنا مرة أخرى على طريقة تمخض الجبل فولد فأراً.

التعليقات