31/10/2010 - 11:02

غزة 2009../ مصطفى إبراهيم*

غزة 2009../ مصطفى إبراهيم*
في غزة يحاول الناس البحث عن مناطق منزوعة الذكريات إلا أنهم لم يستطيعوا وغاصوا في أدق تفاصيل حياتهم المأساوية والحزينة، ولم يفلحوا في الذهاب بعيدا عن آلامهم وجراحهم، وهم مستمرون في نكء جراحهم وأحزانهم، وفي ذات الوقت يعيشون حالة من اللامبالاة، وفي ما حل بهم من انقسام وشرذمة.

وفي غزة الحكومة منعت النساء من استقلال الدراجات النارية حتى مع أزواجهن، لكن في غزة يحدث العكس، مع عدم توفر المواصلات في الصباح الباكر لتلك المعلمات العاملات في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " أونروا" اللواتي ينتقلن للعمل من مدن قطاع غزة الجنوبية للوصول إلى أماكن عملهن مبكراً في مدينة غزة.

وفي غزة يتوجه الأطفال لتقديم امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول قبل بزوغ الشمس، وفي غزة تسأل سرين ابنة العاشرة وهي تذكرني باليوم الأول للعدوان، هل قدرنا أن يستمر حالنا كما هو عليه الآن الاحتلال والانقسام، والناس بدون بيوت والكهرباء تنقطع في أيام الامتحانات؟ و كيف أجد 20 مصطلحاً علمياً و20 سؤالاً علميا في مادة العلوم للصف الرابع الابتدائي؟

وفي غزة بيوت من طين ومشردين وآذان العالم من عجين، ومأساة 100 ألف مستمرة من دون حل، والفلسطينيون مختلفون ولا يجدون سوى بيوت من طين، والحصار يشدد بالجدران.

وفي غزة يموت الناس في الأنفاق ووصل عددهم نحو 130 قتيلاً، ومع ذلك يستمر الصبية والشبان والرجال العمل في الأنفاق للحصول على لقمة العيش المغمسة بالدم، ولا يجدون أعمالا أخرى في ظل حصار خانق وظالم.

وفي غزة وعلى حدودها الجنوبية يبنى جداراً فولاذياً جديداً، والناس منقسمون على أنفسهم بين معارض ومؤيد، ولا هذا أو ذاك يبحث عن وسائل أخرى.

وفي غزة تجد استسهالاً للدم الفلسطيني يقتلون ويَقتلون، يحزنون ويفرحون في آنٍ معاً، يتفقون على قضايا لا تعنيهم وليست من شأنهم، ويختلفون على قضاياهم الوطنية والمصيرية، ومن غزة يعتقد البعض أن المشروع الإسلامي الكبير سينطلق منها إلى أرجاء الدنيا.

وفي غزة عادت أزمة الوقود بعد تقليص إسرائيل الكميات التي تزود بها سكان القطاع من غاز الطهي والوقود الخاص بمحطة الطاقة، وعاد الناس مرة أخرى للوسائل البدائية الأخرى للتغلب على عدم توفر غاز الطهي وانقطاع التيار الكهربائي المستمر.

وفي غزة عاد الناس لاستغلال ما يصلهم من تيار ضعيف وغير ثابت للطبخ وتسخين المياه في فصل الشتاء غير البارد حتى الآن.

وفي غزة دب الرعب وانتشرت الشائعات مدة أسبوع بين الناس عند سماعهم انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير، وقاموا بشراء كل ما يلزم من مضادات حيوية طبيعية وكيماوية ومطهرات ووسائل النظافة الأخرى، وبعد أسبوع نسوا أن هناك فيروس خطير أو تكيفوا معه كما يتكيفون مع ما يحيط بهم من مصائب وكوارث.

وفي غزة وبعد توقف العدوان استمر بعض المحللين السياسيين بالتحليل في المستقبل القاتم لغزة والتنبؤ بالحرب القادمة على غزة، وان إسرائيل لم تنجز مهمتها بعد، وخلال العام كانوا ينتظرون شن إسرائيل الحرب، ومع نهاية العام عادوا للقول إن إسرائيل حققت حربها التي لم تشنها بطريقة أخرى، وهي الحرب النفسية وردع الناس وتخويفهم، ونسوا أنهم ساهموا في الحرب النفسية التي لم ولن تستطيع إسرائيل انجازاها.

وفي غزة ذكرتني جمانة ابنة الثانية عشرة وزميلتيها نور وآلاء كيف استطعن الخروج من مدرسة بلقيس الابتدائية للاجئين المجاورة لمقر جهاز الأمن الوقائي في حي تل الهوا بمدينة غزة والوصول إلى بيتي القريب من المقر حيث سقط بالقرب من المدرسة 7 شهداء من بينهم طفلتين، في الدقائق الأولى للعدوان.

وفي غزة على هامش قمة كوبنهاجن للمناخ تندر الناس بأن غرق غزة في البحر سيحسم قضيتهم.

وفي غزة تجد مبادرات تبحث في إنهاء الانقسام، لكنها مبادرات تعميق الانقسام، والخلاف في صفوف أصحابها أكبر وأوسع من الخلاف بين فتح وحماس، وفي غزة ينتظرون تغيير ومصالحة حتى ولو كانت مؤقتة.

وفي غزة لا يزال الناس ينتظرون الحرب القادمة واستمرار الاحتلال والانقسام.

التعليقات