31/10/2010 - 11:02

كيف تعمل اللجنة الدولية وكيف يساعدها اللبنانيون؟ /إبراهيم الأمين

كيف تعمل اللجنة الدولية وكيف يساعدها اللبنانيون؟ /إبراهيم الأمين
يقول الياس عطا الله تعليقا على اشتباه ديتليف ميليس بالمسؤولين الامنيين الاربعة، ان اهم ما لفته في الامر، هو صدق الحدس والحس عند الجمهور اللبناني. كان عطا الله يشير الى تظاهرات المعارضة التي رفعت صور القادة الامنيين بوصفهم متهمين بالجريمة، وذلك بعد أيام قليلة على جريمة الاغتيال. هو ذاته الموقف الذي ساقه آخرون من القوى التي كانت في 14 آذار في معرض توسيع هامش الاشتباه والإدانة ليشمل آخرين في لبنان وسوريا. والله وحده الأعلم اذا كانت هناك صور اخرى قيد الطبع والتجهيز لرفعها في تظاهرات يبدو ان بين منظمي الرابع عشر من آذار من اشتاق لها سريعا.
إذاً، وبحسب عطا الله فإن ديتليف ميليس احتاج الى بضعة شهور ليصل الى النتيجة التي كانت المعارضة قد توصلت إليها ومعها الجمهور بعد أيام قليلة على الجريمة، وهي لم تكن تحتاج الى تحقيق بل كان يكفي الحدس ليوصل الى الحقيقة. هكذا هو قدر ديتليف ميليس، الذي احتاج 15 عاما ليكتشف من ارتكب جريمة <<لابيل ديسكو>> في برلين، بينما كان الرئيس الاميركي رونالد ريغان قد اعلن النتيجة نفسها بعد عشرة أيام على وقوع الانفجار، وذلك عندما امر سلاح الجو الاميركي بقصف مقرات تعود الى القيادة الليبية في طرابلس الغرب وبنغازي.

وبرغم أن النقاش الداخلي يبدو عقيما او مقطوع الجذور في متابعة هذه القضية، فإن سلطة الوصاية السياسية والاعلامية والاخلاقية القائمة الآن في البلاد من قبل فريق الغالبية الحاكمة، قد فرضت حرما على طرح أي سؤال حول ما يقوم به المحقق الألماني. وكل محاولة للبحث عما يقوم به الاخير سوف يتم التعامل معها على انها اعاقة او عرقلة او تضليل للتحقيق، ولا احد يعرف او يضمن ما اذا كان الامر يتطور الى اكثر من ذلك. وتزداد المشكلة تعقيدا عندما يقال ردا على الاسئلة: ماذا لو توصل ميليس الى نتيجة تقول بأن اسرائيل هي من اغتال الرئيس الحريري؟

ومع ذلك، فإن ثلاث ملاحظات تم جمعها من المداولات القانونية والاعلامية والبحثية التي ركزت على عمل ميليس في ملف <<لابيل>> وهي:

أولا: ان ميليس نفسه حسب رواية بعض العارفين قد تجاوز حرفية القواعد في القانون الالماني نفسه، لناحية عدم جواز عقد صفقة مع شاهد أو متهم. وذلك عندما توجه الى مالطا في التاسع من أيلول من العام 1996 (غريب أمر أيلول شهر الويلات) للقاء من هذا النوع.. وقد حضر ميليس الى جانب ضابط من الاستخبارات الالمانية يدعي فينتر شتاين ومحقق في الشرطة الالمانية يدعى اوفيه فيلهلمس مع المدعو مصباح التير الذي كان موظفا في السفارة الليبية في برلين الشرقية في العام 1986، والذي عرض صفقة تقوم على مقايضة تقديم إفادة امام المحكمة الالمانية تدين ياسر شريدي الذي سلمه لبنان الى الحكومة الالمانية مقابل العفو عنه في الملف. ولاحقا جرى إبطال الصفقة برغم ان التير قدم افادته واعتقل لاحقا وأدين بالجريمة في العام 2001.
والسؤال هنا، هل أن ميليس يحترم القوانين المعمول بها في إدارته للملف الذي يديره؟

ثانيا: وحسب الروايات نفسها فإن ميليس كان يلح على احضار المدعو محمد عمايري الى المحكمة. لكن الاخير لم يحضر ولم يتم توقيفه بعدما غادر الى النروج حيث منح حق اللجوء السياسي هناك. ولم يعرف احد لماذا تراجع ميليس عن طلبه. لكن مجلة <<فرونتال>> حاولت الوصول الى السبب وقابلت عمايري في النروج وسألته عما إذا كان يعمل لمصلحة جهاز مخابرات ما. رفض الإجابة وأوقف المقابلة وخرج من الحوار. لكن مراسل المجلة نفسها نقل عن محامي العمايري الذي يدعى اود دريفلاند ان موكله <<رجل موساد>>.. وفي هذا السياق نفسه، من المفيد العودة الى كتاب عميل الموساد الشهير فيكتور اوستروفسكي الذي أقر بأن الموساد هو <<من حبك المؤامرة التي ادت الى اتهام القذافي بالمسؤولية عن الانفجار>> وذلك من خلال عملية نوعية تحت عنوان <<تركيب الأدلة الدامغة>>.

ولقد نفى ميليس ان يكون قد استمع الى اسرائيليين في ملف جريمة اغتيال الحريري، برغم ان تقريره الإجرائي يشير الى تعاون إسرائيل، وبرغم ان صحافة تل ابيب نقلت عن رئيس مجلس الامن القومي في إسرائيل أن ميليس التقى مؤخرا في اوروبا 14 من ضباط الجيش والموساد، زوّدوه بما لديهم من معلومات ومعطيات حول الجريمة.. فهل يمكن لميليس توضيح هذه النقطة؟

ثالثا: أصر ميليس على اختيار معاونيه في هذا الملف، وهو اختار من يثق بهم من ألمانيا، لكنه وافق على ما عرض عليه من قبل اطراف أخرى في الامم المتحدة. وإذا كان ممنوعا في لبنان السؤال عن هوية هؤلاء وحجم خبراتهم وأين عملوا وعلى أي ملفات فإن اللافت هو التدقيق الذي اجراه <<خبير معني>> والذي توصل من خلاله الى توزع لاجهزة المخابرات العالمية في داخل الفريق القضائي والقانوني والتقني المنتشر في بيروت..

والسؤال هو: هل لدى ميليس ما يحرجه إن شرح أو وزع بيانا يشرح فيه آلية اختيار الخبراء ومن رشحهم لهذه المهمة ونبذات عن أعمالهم السابقة والحالية قبل استلام ملف الجريمة؟
عود على بدء!

قبل عشرة أيام، قرر ميليس الانتقال بالتحقيق إلى المرحلة الثانية. حصلت التوقيفات والتحقيقات الأولية في مقر اللجنة ثم احيل الملف إلى النيابة العامة التمييزية التي إحالته الى المحقق العدلي الذي استجوب المسؤولين الأربعة وأصدر مذكرات توقيف بحقهم. على أمل ان يجري إمداده خلال الايام القليلة المقبلة بملفات اضافية تتضمن الأدلة المفصلة للمعلومات التي تبرر طلب ميليس توقيف هؤلاء. وفي ضوء ذلك سوف يفتح الرئيس الياس عيد الملف على جلسات جديدة من الاستجوابات والمقابلات والتحقيقات قبل ان يعد ورقته الاتهامية أو يقرر إخلاء السبيل... لكن ماذا في ملفات ميليس؟
بحسب مطلعين على محاضر التحقيقات، وبحسب مراجع أمنية مواكبة لعمل لجنة التحقيق ومتعاونة معها، وبحسب مرجعين سياسيين في بيروت وباريس يتوليان عملية التدقيق في الملفات والعناوين التفصيلية، واستنادا الى تسريبات جرى التدقيق في مصدرها وتبين انها تعود بأغلبها الى اشخاص على صلة بلجنة التحقيق فإن <<حكاية ميليس>> تقول الآتي:

<<بعد قرار التمديد للرئيس اميل لحود، شعرت جهات سياسية في لبنان وسوريا بأن الوضع يتجه صوب تعقيدات كثيرة، وأن الرئيس رفيق الحريري يمثل عقبة رئيسية أمام استقرار البلاد على نتائج التمديد، وأنه تقرر إزاحة الحريري. وأن ضباطا سوريين رفيعي المستوى وهم من قادة الاجهزة الاساسية في سوريا كلفوا بالمهمة، وتم تحديد خط سير من خلال تكليف ضباط كانوا في لبنان يشاركون في دورة اركان لدى الجيش اللبناني، وكانوا يستخدمون شقة في شارع معوض تعود لرجل كان له صلة بمسؤول المخابرات السورية في بيروت العميد جامع جامع وأنه حصلت اجتماعات في هذه الشقة بين المسؤولين الامنيين السوريين وبين المسؤولين الأمنيين اللبنانيين، وأنه جرى خلال هذه الاجتماعات البحث في الخطة وتم الاتفاق على تحديد مسرح العملية، وجرى اختيار نقطتين، واحدة في مكان حصول الجريمة في السان جورج وأخرى على طريق نفق سليم سلام. وأنه جرى إعداد خطة مراقبة مفصلة لحركة الحريري ومواكبه وإجراءاته الامنية وأنه تم تقليص الحماية الموضوعة بتصرفه من قبل وزارة الداخلية، ثم جرى الاتفاق على سيناريو يقضي باللجوء الى انتحاري من الجماعات التي تقاتل في العراق وتقاتل في السعودية وتم إحضار سيارة <<الميتسوبيشي>> من السوق الحرة السورية أي من دون أوراق، وتم تجهيزها وإعدادها في محلة الزبداني هناك (أهملت الرواية التي تقول بأن السيارة جُهزت في احد مخيمات لبنان) . في الوقت الذي كانت التحضيرات تستمر في بيروت، لناحية قيام المسؤولين الامنيين بتفقد مسرح الجريمة والتدقيق بكل التفاصيل الخاصة به، وأن قائد الحرس الجمهوري تولى شخصيا الإشراف على عملية استطلاع للمكان ليلة الجريمة.

وفي مرحلة البحث عن الشخص الانتحاري، تم العثور في ملفات خاصة على أحمد أبو عدس الذي جرت محاولة لإقناعه بالمهمة، وأنه رفض على الأرجح فتم قتله بعدما أجبر على تسجيل الشريط الذي بثته لاحقا قناة <<الجزيرة>>. ثم جرى اختيار شخص آخر، (يقال إنه عراقي وإن ميليس يعرف كامل هويته) وتم إقناعه بالمهمة على انها تطال رئيس الحكومة العراقية السابق أياد علاوي، ثم جرى البحث في آلية للتفجير من خلال تكليف الانتحاري نقل السيارة الى المكان الذي انفجرت فيه، وأنه يعتقد على نطاق واسع بأن عملية التفجير تمت ليس من خلال الانتحاري بل من خلال جهاز لاسلكي متطور لديه القدرة التقنية على تجاوز موجة التشويش التي توفرها المعدات الموجودة بحوزة موكب الرئيس الحريري، وأن هذا الجهاز موجود في عدد محدود من الشركات المتخصصة في العالم وأن هناك بحثا مع هذه الشركات لمعرفة هوية من اشترى منها هذه الاجهزة.

وتمضي الرواية فتقول: في منتصف عملية التحضير التي استمرت طيلة شهور تشرين الثاني وكانون الاول وكانون الثاني، جرى إبعاد احد الضباط السوريين عن الخطة لاسباب مجهولة. وكان هذا الضابط شريكا في التخطيط الاولي، وأنه اطلع على كثير من التفاصيل، وقد شعر بأنه مهدد وفي وقت لاحق عمل على تهريب عائلته الى الاردن ومنها الى دولة عربية أخرى قبل ان يهرب بنفسه الى تلك الدولة حيث جرى تسليمه لاحقا الى جهات وفرت له اجتماعات مع محققي اللجنة الدولية، وأن هذا الضابط قدم الرواية الكاملة، وقدم أسماء ثمانية من كبار الضابط السوريين الذين كان لهم دور مباشر في هذه العملية، ثم جرى تدقيق معه في كل ما قاله قبل أن يبدأ ميليس عملية التحقيق بطريقة مختلفة.

عاد ميليس وطلب إعادة جمع الوثائق الأولى: تسجيل لوائح المكالمات الهاتفية التي جرت في كل الفترة السابقة على جريمة الاغتيال وبعدها. والعمل على فرز ما هو معلوم منها وما هو غير معلوم وتدوين أرقام هواتف يشتبه أنها استخدمت من قبل المجرمين والتقصي عن عدد الهواتف، وفي الاتصالات التي اجريت من قبل الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في إفادة الشاهد السوري، وعودة إلى الافادات المفصلة التي تخص الواقع السياسي والتي تخص مرحلة ما سمي ب<<العبث بمسرح الجريمة>>، والعمل بجدية على فرز نقاط التناقض ونقاط التقاطع والتركيز على جملة امور عملانية منها:
الطلب الى الجهات اللبنانية تزويد لجنة التحقيق وعلى عجل بخارطة لمنطقة الضاحية الجنوبية لبيروت. ظن البعض ان الامر يتعلق بحركة معينة وتم ربط الامر بالكلام والتسريبات التي رددها دبلوماسي اميركي (ضابط المخابرات في السفارة) أمام شخصيات سياسية لبنانية حول فرضية: ماذا لو تبين ان ل<<حزب الله>> علاقة بالأمر؟ وظل الامر محل ارتياب الى ان اشار ميليس الى حاجته مداهمة شقة في المنطقة. وفي النقاش الاجرائي، قيل له انه يجب الاطلاع بالضبط على مكان الشقة وذلك باعتبار ان في الضاحية بعض الاجراءات الامنية الخاصة بقيادة المقاومة. فكان جواب لجنة التحقيق سريعا: الشقة المطلوبة تقع خارج المربع الامني الخاص بقيادة المقاومة. ثم تمت الاشارة الى الشارع بالاسم: سنتر معوض في شارع معوض وقرب الساعة الموجودة في وسط الشارع التجاري. ثم جرت عملية الدهم الاولى التي تبين أنها خاطئة. وكشفت لاحقا من خلال سؤال وجهه عضو في اللجنة بحثا عن ناطور مصري. ليتبين بعد ساعات انه حصل خطأ، قبل ان يخرج من الجهات اللبنانية من يتحدث عن <<مناورة>>، ولكن الذي حصل انه تمت مداهمة المكان الصحيح في اليوم التالي.

والسعي الى التدقيق في داخله وفي شقة اخرى في بلدة عرمون وفي ثلاث سيارات، يعود الى حاجة اللجنة الدولية لرفع بصمات وأدلة جنائية خاصة منها ما يخص فحص الحمض النووي. ولاحقا، ابلغ ميليس من يهمه الامر ان الشقق والسيارات كانت من ادوات الجريمة، وعندما وصل المستجوبون الى قاعات التحقيق كان السؤال عن الاجتماعات التي يقول الشاهد إنهم شاركوا فيها في هذه الامكنة، وعن عمليات الاستطلاع التي جرت لامكنة عدة تخص الجريمة. وكان هناك تركيز على قيام قائد الحرس الجمهوري وضباط من عنده بأمرين: الاول مراقبة مواكب الرئيس الحريري طوال الفترة السابقة لعملية الاغتيال كما افاد الشاهد المكتوم وكما أفاد آخرون من القيادات السياسية والأمنية اللبنانية. والامر الآخر حديث عن قيام العميد حمدان وضباط من عنده باستطلاع لمكان الجريمة ليل 13/14 شباط. وتبين لاحقا ان الامر يعود الى ان الرئيس لحود كان يتناول طعام العشاء على اليخت الخاص بنائب رئيس الحكومة عصام فارس والذي كان يرسو قبالة فندق السان جورج وأن الرئيس لحود يتحرك ضمن دائرة أمنية خاصة تتولى وحدات الحرس الجمهوري توفيرها.

وبحسب اللائحة الاتهامية، فإن ميليس يعتقد ان تسعة مسؤولين سوريين يترأسون ويعملون في أربعة اجهزة أمنية سورية قد شاركوا بالتعاون مع المسؤولين الامنيين الاربعة وآخرين بالعمل على التخطيط وتوفير حاجات العمل والتنفيذ والسعي إلى إبطال كل المفاعيل اللاحقة بما في ذلك إخفاء أدلة الجريمة>>.

وعندما قرر ميليس توقيف المسؤولين الامنيين الاربعة، اضطر الى إطلاع النائب العام التمييزي سعيد ميرزا على بعض المعطيات التي يعتقد أنها كافية لتبرير طلبه، ولكن هذه المعطيات والأدلة لم تعرض في محاضر الاستجواب التي قام بها المحقق العدلي الياس عيد قبل إصدار مذكرات التوقيف. وثمة كلام عن مزيد من الشهود ومزيد من الأدلة. لكن احدا من الذين تابعوا التحقيقات بتفاصيلها، لم يشر الى أي اعتراف أو الى أي قرينة حاسمة... خصوصا أن المحقق الالماني كما المحقق اللبناني حاول الحصول على أجوبة حاسمة وثابتة ونهائية لنوع العلاقات بين المسؤولين الأربعة وبين الضباط السوريين الذين سيطلب ميليس مقابلتهم في دمشق قريبا... أما البقية فهي متروكة للايام المقبلة.


عن صحيفة "السفير"

التعليقات