31/10/2010 - 11:02

لا مبرر للغياب../ ساطع نور الدين

لا مبرر للغياب../ ساطع نور الدين
لم يكن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد يحمل تكليفا رسميا من قبل العالم الإسلامي بأن يواجه وحده الغرب كله في معركة العنصرية التي دارت في مؤتمر جنيف ـ دربان 2، لكنه انتهز فرصة ذهبية للقيام بهذه المهمة عندما قرر جميع المسؤولين العرب والمسلمين الغياب عن ذلك المؤتمر الدولي، وتركوا لإيران أن تتولى سد هذا الفراغ السياسي المعيب.

مع أن الفكرة جذابة إلى حد ما، فإنه لا يمكن الاشتباه مثلا بأنه كان هناك توزيع مسبق للأدوار، بحيث يمتنع كبار المسؤولين العرب والمسلمين عن المشاركة في تلك المعركة الدبلوماسية، ويكلفون أكثرهم تشددا بالتصدي للغربيين بلغة تخلو من الدبلوماسية، وبموقف يكشف زيف الادعاء بأن الغرب تخطى خلفياته وسياساته العنصرية، ويقدم دليلا لا يدحض على ذلك النفاق الغربي، يتجسد في فلسطين والمشروع الصهيوني الذي كان حتى سنوات قليلة خلت معادلا للعنصرية حسب قرارات الأمم المتحدة ووثائقها ومعاييرها.

مثل هذه الحركة الإيرانية المثيرة التي قام بها نجاد في مؤتمر جنيف واستحق فيها الخبر الأول في مختلف وسائل الإعلام العالمية، تدل على حيوية دبلوماسية يفتقر اليها العالم العربي كله، الذي يسلم سلفا بأنه مهزوم وضعيف ومحدود، مع أن عناصر قوته وهوامش حركته السياسية تتخطى بكثير ما تتمتع به إيران، التي تقاوم على أكثر من جبهة، لا من أجل تصدير ثورتها أو عقيدتها، بل فقط من أجل تحسين شروطها التفاوضية مع الغرب وانتزاع الاعتراف الغربي بمصالحها القومية، غير المرسومة بدقة منذ الغزو الأميركي لأفغانستان ثم العراق.

كان المجال مفتوحا أمام الرئيس الإيراني لكي يؤكد أنه المتحدث الرسمي والشرعي الوحيد باسم العالم الإسلامي، وكان يتمنى أن يقاطعه الحضور الغربي بالاحتجاجات وأن ينسحب المندوبون الغربيون من القاعة غضبا، لكي يثبت وجهة نظره بأن الغرب ليس لديه ما يقوله ولا يستطيع سوى الفرار من المواجهة عندما يجري المس بأحد أبرز المؤشرات على عنصريته تجاه العرب والمسلمين: قيام دولة إسرائيل.

ثمة مؤشرات أخرى عديدة على هذه العنصرية الغربية، لا يمكن لأحد أن يخطئها ولا يمكن حتى للغرب نفسه أن ينكرها، وبينها الملف النووي الإيراني نفسه، لكن نجاد تعمد أن يقصر خطابه على فلسطين وحدها والحاجة إلى استئصال المشروع الصهيوني منها. وهو ما لم يكن صدفة ولا عبثا، في ضوء التهديدات الإسرائيلية بالحرب على إيران، التي تصاعدت في الآونة الاخيرة وأرخت بظلالها على أجواء الانفتاح والحوار التي يشيعها الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما.

لكن هذه المعركة التي أشعلها نجاد في مؤتمر جنيف دربان 2 والتي تهدف أساسا إلى إبلاغ الغرب أن طهران لن تكون مستعدة للتفاوض والمصالحة ما لم يجر إسكات إسرائيل وسحب تهديداتها الحربية.. لم تكن تبرر ذلك الإحجام العربي عن انتهاز فرصة ثمينة لمقارعة الغرب في عنصريته، ولاسترداد القضية الفلسطينية من إيران وسواها من الدول غير العربية!
"السفير"

التعليقات