31/10/2010 - 11:02

لهذه الاعتبارات لم يكن ممكناً تجنب "قدر" الضربة الوقائية../ عماد مرمل

لهذه الاعتبارات لم يكن ممكناً تجنب
لعله من المبكر الحكم منذ الآن على نتائج المواجهة المفتوحة في البلاد وتحديد الخسائر والارباح بالنسبة الى كل طرف، وخصوصا ان غبار الشارع لم ينقشع بعد، وبالتالي فان الرؤية ليست واضحة. ولكن الاكيد ان ما بعد 8 أيار لن يكون كما قبله، ولمزيد من الدقة، يمكن الافتراض ان المرحلة التي بدأت في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري واستمرت ثلاث سنوات قد انتهت عمليا لتبدأ مرحلة جديدة تحمل سمات سياسية مختلفة.

ولئن كانت المعارضة تربط في خطابها العلني وقف تحركها الميداني بتراجع الحكومة عن قراراتها الاخيرة والعودة الى طاولة الحوار، إلا ان موازين القوى المستجدة على الارض تدفع الى الاعتقاد ان قواعد اللعبة بل قواعد الاشتباك التي كانت تتحكم بمسار مجمل الصراع الداخلي قد تبدلت برمتها، وبالتالي لا بد لقوة الدفع المتأتية عن تحرك المعارضة من ان تأخذ مداها في أي نقاش سيتم حول التسوية الشاملة او ما يعرف بالسلة المتكاملة.

بهذا المعنى، فان الحوار الذي قد يتم مباشرة او بالواسطة من خلال اللجنة العربية سيتأثر حكما بالتحولات الطارئة التي طالت «الجغرافيا السياسية» خلال الايام القليلة الماضية، برغم أن فريق الموالاة، او بعضا منه على الاقل، ما زال يحاول تجاهل الحقائق الناشئة ويسعى الى حصر «حريقها» ومنع تمدده في اتجاه مواقعه.

وفي ما خص حزب الله تحديدا، يشعر الحزب وبمعزل عن «جردة الحساب» النهائية انه تمكن حتى الآن من تحقيق المكسب الاستراتيجي الاهم بالنسبة إليه والمتمثل في حماية سلاح المقاومة على المدى الطويل، ومنع أي كان من مجرد التفكير مستقبلا في إمكان المساس به، لان من ستراوده هذه «النزوة» مجددا سيعد حتى الالف قبل ان يستسلم لها، آخذا بعين الاعتبار العبرة المستخلصة من الورطة التي انزلقت اليها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بفعل محاولتها محاصرة الشبكة الهاتفية للمقاومة وإقالة قائد جهاز أمن المطار.

وفي هذا السياق، يعتبر حزب الله ان ما قام به في الشارع لا يتعدى حدود العملية «الوقائية» او «الاستباقية»، التي كان مضطرا الى تنفيذها بعدما وصل السكين الى رقبته، مع قرار الحكومة بملاحقة الامين العام لحزب الله كما يُفهم من بيانها الشهير والشبيه الى حد كبير ببيان حل القوات اللبنانية، ولا يبدو ان الحزب قد تأثر او فوجئ بالحملات العنيفة التي يتعرض لها منذ بداية تحركه على قاعدة ان سلاحه فقد شرعيته مع تحوله نحو الداخل، ويقول أحد قيادييه في هذا الاطار: نحن ندير الآذان الصماء للاتهامات التي تساق ضدنا لان أصحابها لم ينتظروا ما فعلناه حتى ينزعوا الشرعية من سلاح المقاومة، إذ انهم اتخذوا هذا الموقف منذ وقت طويل، وليس أدل على ذلك من العبارة الشهيرة للنائب وليد جنبلاط الذي سبق له ان وصف سلاح المقاومة بانه سلاح الغدر، وهذا يعني ببساطة شديدة اننا لم نخسر شيئا حين يعود فريق الموالاة الى تكرار المعزوفة ذاتها اليوم، لانه لم يتوقف أصلا طيلة الفترة الماضية عن تردادها.

ولا يعتقد حزب الله، بعد مرور بضعة ايام على «انتفاضته»، انه كان متاحا أمامه ـ في ظل المعطيات المعروفة ـ تفادي المواجهة المباشرة، بل ان قيادته تؤكد ان «ضميرها مرتاح» لان خيارها باستخدام الشدّة فُرض عليها في أعقاب فترة طويلة من ممارسة سياسة ضبط النفس حتى الحدود القصوى. وتعدد اوساط قيادية في الحزب أمثلة عدة على «صبره» الذي تجلى بوضوح عندما جرت مصادرة شاحنات سلاح عائدة الى المقاومة، ويومها تعرض الحزب لضغوط من داخله كي يأتي رده عنيفا على قاعدة ان اليد بدأت تمتد الى سلاحه ويجب قطعها. ولكن قيادة الحزب تجاوزت ذاك القطوع بالتي هي أحسن، وحتى عندما اتخذت الحكومة قراراتها الشهيرة مؤخرا، تم إبلاغ السنيورة سرا وعلانية عبر أقنية عدة بوجوب التراجع عنها ثم كانت الرسالة الابلغ من السيد حسن نصرالله، إلا ان السراي رفضت التجاوب مع كل محاولات سحب فتيل الازمة، فكان الانفجار.

ويؤكد الحزب انه ليس بصدد تنفيذ حركة إنقلابية، «ولوكانت هذه هي نيتنا لما كنا قد تفادينا الدخول الى السرايا الحكومية والى الوزارات والمؤسسات العامة ولما كان نصرالله قد حدد شرطين واقعيين لوقف التحرك الميداني وهما التراجع عن خطيئة القرارات والعودة الى طاولة الحوار».

وتنصح أوساط الحزب النائب سعد الحريري بان يجري مراجعة دقيقة لحساباته بعدما دفع غاليا ثمن السير خلف النائب وليد جنبلاط الذي يملك القدرة الفائقة على الانعطاف السريع حين يشعر بانه أصبح محشورا ـ كما فعل حين لم يتردد في نفض يديه من قرارات الحكومة التي تولى شخصيا التحريض على اتخاذها ـ بينما لا يتمتع رئيس تيار المستقبل بهذه «الرشاقة».

ولأن جنبلاط هو «رأس الحربة» لمشروع المضاد، وفق تصنيف حزب الله، فقد أراد الحزب أمس الاول ان يبلغه، من خلال معركة الشويفات ومنطقة عاليه، انه قادر على زعزعة ركائز حضوره في الجبل، وإن يكن الحزب ليس بوارد السيطرة على قرى درزية. وحتى يضمن الحزب وصول الرسالة الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي كان اشتباك الباروك الذي أريد منه، على الارجح، إرسال إشارة الى جنبلاط فحواها ان الحزب يستطيع عندما يشاء الوصول الى الحديقة الخلفية للمختارة وان المختارة ذاتها يمكن ان تصبح في مرمى النار، إذا تطلب الامر ذلك.
"السفير"

التعليقات