31/10/2010 - 11:02

هذا الترحيب الشاذ بقرار تقسيم العراق../ عوني فرسخ

هذا الترحيب الشاذ بقرار تقسيم العراق../ عوني فرسخ
أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بما يقارب الإجماع اقتراح عضو ديمقراطي بإنشاء ثلاثة أقاليم فيدرالية في العراق المحتل على أساس عرقي ومذهبي. وذلك في استهانة صارخة بسيادة العراق، وتهديد خطير لوحدة ترابه الوطني ونسيجه المجتمعي وأمن وأمان مواطنيه، وافتئات مفضوح على حق شعبه في اختيار النظام الاكثر توافقاً مع تراثه في العيش المشترك والسلام الاجتماعي. وبالتقاء شيوخ الحزبين الجمهوري والديمقراطي على تأييد القرار ما يدل على إجماع أمريكي على اعتماد مخطط تقسيم العراق وإذكاء النزاعات فيما بين قواه السياسية، باعتبار ذلك ما يؤمن المصالح الأمريكية بعد انسحاب قوات الاحتلال تحت ضغط المقاومة متصاعدة الفاعلية والتأثير.

وللقرار الأمريكي، وإن كان خاصاً بالعراق المحتل، دلالته العربية العامة. فهو أولاً يتجاوز القانون الدولي وشرعة حقوق الانسان في التعامل مع الشعوب العربية، بإهدار حقها في تقرير مصيرها واختيار أنظمتها السياسية والاقتصادية وتوجهاتها الاجتماعية، إن لم تكن متوافقة مع المصالح الاستغلالية وطموحات الهيمنة الأمريكية. والمثال الحي رفض نتائج انتخابات المجلس التشريعي في الضفة والقطاع المحتلين التي فازت بها حماس، على خلاف ما كان يأمله صناع القرار في واشنطن والقدس المحتلة. وهو ثانيا يؤشر الى اعتماد استراتيجية تفتيت الاقطار العربية لإقامة “الشرق الاوسط الكبير الجديد” المشكل من كنتونات عرقية وطائفية تدور في الفلك الأمريكي بإشراف صهيوني.

وقد رأت غالبية القوى السياسية العراقية في القرار الأمريكي محاولة تحفيز التناقضات الثانوية فيما بين أبناء الوطن الواحد لتغدو تناقضات رئيسية تتقدم في الاولوية والاهتمام على تناقضهم العدائي مع القوى الخارجية المستهدفة العراق وإمكاناته المادية وقدراته البشرية وتراثه الحضاري. وعليه التقت على إدانته فور صدوره، مستنكرة التدخل الأمريكي في شأن خاص بدولة عضو مؤسس في جامعة الدول العربية وبين أوائل أعضاء الأمم المتحدة. وعليه أجمع أعضاء مجلس النواب العراقي على رفض القرار في جلسة طارئة، شاركت في الدعوة لها كل من: جبهة التوافق العراقية، والائتلاف العراقي الموحد، والتيار الصدري، ومجلس الحوار الوطني، وحزب الفضيلة، والقائمة العراقية الموحدة، والجبهة التركمانية، والكتلة العربية المستقلة. فيما أعلن ممثل المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السستاني رفضه وإدانته للقرار. وأما قوى المقاومة والهيئات والشخصيات الرافضة لما يسمى “العملية السلمية”، فإن في رفضها المبدئي للاحتلال وإفرازاته، والتزامها بمقاومته بكل الوسائل المشروعة، الرد العملي على قرار مجلس الشيوخ الأمريكي.

وتوالت بيانات الرفض والإدانة عن الانظمة والقوى السياسية وهيئات المجتمع المدني العربية. فأمين عام الجامعة العربية أعلن إدانته ورفضه للقرار، كما أعلن أمين عام مجلس التعاون الخليجي رفض دول المجلس القرار الأمريكي وتحميلها الاحتلال وما تمخض عنه مسؤولية تدهور الأوضاع العراقية. كما دان اليمن القرار باعتباره تدخلا غير مشروع بالشأن العراقي. فيما اتفقت دول جوار العراق على عقد لقاء تشاوري لاتخاذ موقف من القرار قبل اجتماعها في اسطنبول أواخر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. وفي باريس أعلن مساعد الناطق بلسان الخارجية تمسك فرنسا بوحدة العراق وسلامة أراضيه وسيادته.

غير أن رئاسة إقليم كردستان العراق شذت عما يبدو من اجماع عراقي وعربي واقليمي ودولي، بل وخالفت ما التقى عليه بقية شركائها في “العملية السياسية” المدارة أمريكيا. إذ اصدرت بياناً تضمن القول: “إن مواطني وحكومة اقليم كردستان العراق يرحبون بقرار مجلس الشيوخ الأمريكي لإعادة بناء العراق على اسس فيدرالية، وهو قرار يؤكد ثوابت الدستور العراقي”. وبيان رئاسة اقليم كردستان العراق ليس شاذا فقط وإنما ينطوي أيضا على اكثر من دلالة جديرة بالتنبيه لها.

أولى هذه الدلالات، وأشدها خطورة، عدم اعتراض رئاسة إقليم كردستان العراق، على استهانة الشيوخ الأمريكيين بسيادة العراق، وتدخلهم المستفز بشؤونه، وعدوانهم الصارخ على حق مواطنيه بالتشريع لأنفسهم. وترحيب رئاسة الاقليم بقرار ينطوي على تهديد خطير لوحدة العراق ونسيجه الاجتماعي، ويؤسس لصراع دام بين مواطنيه، ظاهرة لها أكثر من مثال في مشرق الوطن العربي ومغربه.

وثانية الدلالات، التي لا تقل خطورة عن سابقتها، تصرف رئاسة اقليم كردستان في شأن يخص الشعب العراقي على اختلاف تكويناته الاجتماعية، دون مراعاة لمصالح بقية شركاء المسيرة والمصير. فهي بادرت للترحيب بالقرار التقسيمي من غير استطلاع وجهات نظر بقية شركائها في “العملية السلمية”، ناهيك عن قوى مقاومة الاحتلال ورفضه. وكأنها أرادت أن تضع الآخرين أمام الأمر الواقع وفرض رؤاها عليهم. وحين يؤخذ في الحسبان أن الأكراد لا يجاوزون 20 % من مواطني العراق يتضح أن الأقلية تتصرف، وكأنها باتت الأحق والأولى بصناعة القرار الوطني، مستقوية في ذلك بالدعم الأمريكي. وهي ظاهرة ملموسة في المشرق والمغرب العربيين.

وثالثة الدلالات عدم إدراك رئاسة اقليم كردستان أنها بلا مبالاتها بوحدة التراب الوطني والنسيج الاجتماعي العراقي، وغلبة الذاتي الخاص لديها على الكردي العام، انما تلقي بظلال الشك على مواقف وممارسات الاكراد في دول الجوار، الأمر الذي سينعكس على مواقف الانظمة وبقية مواطنيهم من حراكهم السياسي وانشطتهم الاجتماعية، مما سيكون له تأثيره السلبي على طموحاتهم ومصالحهم المشروعة. وفي الساحة التركية مثال ساطع.

وآخر الدلالات محاولة تسويق التفتيت العرقي والطائفي في لبوس ديمقراطي. ذلك لأن الفيدرالية حيث وجدت لم تقم على أسس عرقية أو طائفية، ولا هي حجمت دور السلطة المركزية لمصلحة السلطات المحلية، وفي الحالة الأمريكية برهان ذلك. والدستور العراقي، الذي جاء القرار الأمريكي يؤكد ثوابته على رأي رئاسة اقليم كردستان العراق. مطعون به لدور الاحتلال في صياغته وإصداره، ولأنه أسس على قاعدة المحاصصة العرقية والمذهبية وليس على أساس المواطنة وتدعيم الوحدة الوطنية.

فهل يكون هذا الترحيب الشاذ بالقرار التقسيمي الأمريكي، وهذه بعض دلالاته، منبهاً لأخطار ما ترسمه الإدارة الأمريكية، وتسخر في تنفيذه صقوراً محلية تجيد الرقص على إيقاع الأنغام الصهيونية ودقات الطبول الأمريكية؟

والسؤال الأخير: ماذا تقول رئاسة اقليم كردستان العراق بعد أن اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية بأن قرار مجلس الشيوخ كان خاطئاً؟!
"الخليج"

التعليقات