07/11/2010 - 07:48

أوباما يعترف!../ عبد اللطيف مهنا

-

أوباما يعترف!../ عبد اللطيف مهنا
قبل عامين لا أكثر، تصادف أن شاءت المؤسسة الأمريكية تغييراً، أو هي أرادت أن توحي به. كانت ترى في هذا ما هو في حكم الضرورة، وكان مما يدفعها إليه واقعان لا يُحتملان في نظر الشارع الأمريكي. واحدهما داخلي وله الأولوية، وثانيهما خارجي يليه في الأهمية. الداخلي، كان المتعلق بالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والتي عمقتها نفقات غزوات بوش الاستباقية وحروبه الكونية الهوجاء التي اتسعت ساحتها لتشمل أربع جهات الكون، والتي يشنها على عدوه اللامرئي المسمى الإرهاب. والخارجي، حيث أن حروب بوش، وسياسات محافظيه الجدد ذات السمة الملتاثة بالجموح الإمبراطوري، والمفتونة بعضلات القوة الأعظم الهائلة، والتي يفقدها اتزانها غرور الأحادية القطبية ذات الأذرعة التكنولوجية الفتاكة والمسلحة بآلة دمارها المتطورة، قد زادت صورة الولايات المتحدة الكونية، التي لم يفارقها قبحها يوما، قبحا مضافاً، في نظر عالم أرعبه مثل هذا الجموح والعتو، واستفزه ما ارتكبته تلك الإدارة من حماقات، وما ألحقت به، أو ما تنذره بها من ويلات.
 
جاء ذلك التغيير المنشود بباراك أوباما إلى السلطة، وأسكن أمريكياً أسود لأول مرة في البيت الأبيض، وكان أن فتن هذا، وهو الخطيب المفوّه، الذي يحسن توظيف بلاغته وبراعته المشهود له بها في العلاقات العامة أيما إحسان، عالماً ضاق ذرعاً بسلفه، فبنى الحالمون فيه على القادم آمالاً تغييرية عظاماً عسى أن تنال بركاتها جنباته، وفيما يتعلق بنا في هذه المنطقة، حلم الحالمون من عرب التسوية، وفي المقدمة منهم الواهمون من "دعاة المفاوضات حياة"، وإجمالاً، سائر عشاق "السلام خياراً استراتيجياً وحيداً"... حتى تصفية القضية الفلسطينية، وكافة مستمرئي الخضوع التام للمشيئة الأمريكية ووكيلها الإسرائيلي في المنطقة... حلموا بلبن وعسل أوباما السلامي الموعود، وأدار رؤوسهم خطابه الشهير في جامعة القاهرة.
 
قلنا يومها، إن المؤسسة شاءت التغيير فجاءت بالرجل المطلوب إلى المكتب البيضاوي ولم يأت هو ليغيّر. واقتصرت مشيئتها التغييرية على مجرد تغيير لون وجه الإدارة وليس سياسات أو استراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية. وكان هناك أسابيع من الحكايات الأوباماوية ومشاهد من الطلات الإعلامية الواعدة، حيث كثرت التحليلات وبولغ في التوقعات، وانشغل العالم بأيام أوباماوية مسلية، أعقبتها شهور اتسمت بقعقعة لم تسفر عن طحن، وأكمل عهد التغيير الموعود عامين اعجفين من عمره انتهيا البارحة... الاقتصاد الأمريكي المأزوم لا زال في قاع أزمته التي تشير الدلائل على أنها قد تتعمق ولا ثمة ما يشير إلى اقتراب انتشاله منها، على الأقل في المدى المنظور وحتى ما بعده.
 
 كما أن حربا بوش، أو ورطتاه الأفغانية والعراقية تتواصلان... في أفغانستان، الهزيمة قاب قوسين أو أدنى على الرغم من اجتهادات الجنرال بترايوس وزملائه الأطلسيين الدموية. وفي العراق، لم يزد أوباما على مواصلة تنفيذ خطة بوش للخروج من العراق وضمان البقاء فيه. أما حروب بوش الكونية على الإرهاب، فتعاظمت وزادت كلفتها واتسعت مساحتها وتعددت ساحاتها، فأضيفت إلى الساحة الأفغانية جارتها الباكستانية، ولهاتين اليمنية، ولا ننسى الصومالية، وذاك الذي يجري في الصحراء الكبرى ويقض مدجعة الدول من على جانبيها الشمالي والجنوبي... وآخر تجليات هذه الحروب الطرود المفخخة العابرة للقارات!
 
المؤسسة لم تصبر على رجل تغييرها أكثر من هذين العامين بخسي المردود، فأعدت له حفلات شايها، وسنت له أنياب محافظيها الطامحين في العودة إلى واشنطن خفافاً... أسفرت الولايات المتحدة عن وجهها الأصيل الموصوف آنفاً. عاد الجمهوريون إلى الكونغرس فيما تسمى الانتخابات النصفية. عادوا ليسلبوا الديموقراطيين ستين مقعداً في مجلس النواب، وليقلصوا الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ بستة مقاعد. كما ربحوا خمسمائة مقعد تقريباً في برلمانات الولايات، وسيطروا تماماً على خمسة برلمانات منها... وأكدت حركة "حفلة الشاي" المتطرفة وجودها في الساحة السياسية بدخولها الكونغرس.
 
وحيث عاد الجمهوريون إلى الكونغرس هذه العودة وتصدروه، أقر أوباما بالهزيمة التي تجرعها الديموقراطيون وذاق هو صابها، بمسؤوليته عنها. كان السبب عنده لمثل هذه "الهزيمة القاسية" هو الإحباط الشديد الذي يشعر به الأمريكان أزاء الأوضاع الاقتصادية، واعترف الواعد بالتغيير، الذي ربما بدأت المؤسسة من الآن في الإعداد لاستبداله بسارة بيلين بعد عامين من الآن ينتهيان بانتهاء فترة رئاسته الأولى التي مضى نصفها... اعترف: أننا قد " نفقد أحياناً إثر الطرق التي ربطتنا بالناس الذين أوصلونا إلى هنا (البيت الأبيض) أصلاً"...!
كان في خطابه نغمة اعتذار وتسليم بعجز وإعلان عن تراجع وانكفاء عن أحلام وأوهام وسياسات ووعود سبقه ضجيجها إلى البيت الأبيض... وتلميح يساوي التصريح باستعداد لمراجعتها والمساومة عليها... وفيه اعترف الرجل ضمناً بضعفه أمام المؤسسة التي جاءت به كما جاءت بسواه ممن قطنوا أو سيقطنون البيت الأبيض والذين يذهبون عادة بعد أربع أو ثمان سنوات، وتظل هذه المؤسسة مع ثوابتها وخطوطها الحمر، هذه التي في مقدمتها دائماً الإسرائيلية من حيث الأهمية، والتي تظل السبّاقة حتى على الأمريكية.
 
...المؤسسة التي إن غيرت لون بشرتها احتفظت بما تحت جلدها، هذا الذي إن شاءت فهي تستبدله عند الضرورة كما تستبدل الأفعى جلدها... كان اعترافاً منه بعجز وتسليم بعدم القدرة والرغبة في مواجهتها.
 
اعتراف أوباما بالهزيمة جعل المنتشين بالفوز لهزيمته لا يكتمون بهجتهم وحتى شماتتهم. في إسرائل قال قائلهم: "إن نتيجة الانتخابات ساهمت دون شك في تقوية العنصر الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة بشكل عام". وفي الولايات المتحدة نفسها، قال المتحدث السابق باسم البيت الأبيض آري فيشر: إن " سيطرة الجمهوريين على المجلس خبر رائع بالنسبة لإسرائيل ومناصريها. قيادة المجلس وكل أعضاء الحزب الجمهوري تقريباً يقفون وراء إسرائيل بصلابة الصخر"... والسؤال، وحتى لو لم يسيطر الجمهوريون على الكونغرس، فمتى كان هذا المجلس، أديموقراطياً كان أم جمهورياً، لا يقف وراء إسرائيل؟!
 
بل وما الفارق بين باراك أوباما وبوش أو سارة بيلين بالنسبة لقضايانا نحن العرب والمواقف الأمريكية منها، وهل من اختلاف جوهري بين مواقف الثلاثة المعهودة وراء إسرائيل؟!
 
هذه الانتخابات النصفية الأمريكية، وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات غير النصفية القادمة، الرئاسية والاشتراعية، التي تؤشر هذه النصفية الأخيرة سلفاً عليها، تكشف عبر الخمسة بالمائة من المقاعد التي حصل عليها تيار "حفلة الشاي" المتطرف عن تحوّل نحو المزيد من العنصرية في المجتمع الأمريكي، والتي سوف تتعاظم بتعاظم اهتزاز الموقع الإمبراطوري الأمريكي في العالم، ولسوف تكشف ارتدادات هذا الاهتزاز الانحداري في الداخل الأمريكي لنا عن المزيد من هذا التحوّل، الأمر الذي سينعكس لا محالة على السياسات الأمريكية الكونية ويزيدها تخبطاً، وسيكون بالنسبة لنا كعرب أكثر اعدائية والأكثر دعماً لأعدائنا... جاء في استفتاء لمؤسسة جيمس زعبي المعروفة، إن مواقف الجمهوريين هي سلبية بالنسبة للعرب بنسبة ستين في المائة، وللمسلمين بنسبة خمسة وثمانين بالمائة... بعد عامين قد تغير أمريكا مرة أخرى لون وجهها القبيح وليس سياساتها أو استراتيجياتها، وهي إن استبدلت سمرة أوباما بشقرة بيلين أو لم تفعل فستظل سحنتها الأقرب إلى سحنة نتنياهو!

التعليقات