26/11/2010 - 21:37

الحلقة المركزية للصراع.. والسلسلة المفقودة ../ نزار السهلي*

-

الحلقة المركزية للصراع.. والسلسلة المفقودة ../ نزار السهلي*
فيما يدور الحديث حول جولة جديدة من المواقف الفلسطينية المتعلقة بالمفاوضات والتي تعلن بين الحين والآخر، برفض العودة لطاولة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، في ظل تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي مع حالة الاستهتار والتعالي عن المجتمع الدولي، والحديث عن رزمة الضمانات الأمريكية لإسرائيل، في حال الموافقة على التجميد الجزئي لأعمال الاستيطان ولمدة تسعين يوما، يظهر بشكل جلي الموقف الملتبس لقراءة خارطة الصراع، وفي نهج الحوار غير المنتج مع إسرائيل، والذي يقود شيئا فشيئا لتثبيت الأطماع الصهيونية في فلسطين، في ظل تثبيت الجانب الفلسطيني والعربي مواقف أكثر ليونة وميوعة في التعاطي مع ملف الصراع.
 
تقديم الضمانات الأمريكية لإسرائيل، وإغداقها بمواقف تضمن تفوق الهجمة الصهيونية على الجانب العربي، تعني بكل بساطة أن الرهان الخاسر والوهم الكبير على أمريكا أفقد الفلسطينيين والعرب سلاسل القوة والمناعة لصالح حلقة العدوان المركزية. وفي كل يوم ترمي إسرائيل بوجه الفلسطينيين والعرب ملهاة جديدة، تدور في فلكها السياسة الفلسطينية والعربية، تنديدا وشجبا ومناشدة ممجوجة، فيما لجم المقاومة يتخذ عنوانه الأول في أجندة العمل اليومي للسلطة الفلسطينية.
 
حالة العويل والصراخ، كردة فعل على إجراءات العدوان الإسرائيلية، فوق مساحة فلسطين التاريخية والفشل المتكرر للخيار المفاوض، مع حالة انتظار عربي وفلسطيني لموقف أمريكي جديد، هو كارثة الرهان المتجدد على أمريكا التي تتبنى الموقف الإسرائيلي في نهاية الأمر، وهو ما يعني رضوخ الطرف الفلسطيني، للمطلب الإسرائيلي وللأمر الواقع، الذي انحصر في تمديد التجميد الجزئي للاستيطان، الذي يشكل حلقة صغيرة من سلسلة العدوان، التي تقدم خارطتها حكومة اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو.
 
صياغة القوانين العنصرية، في الكنيست الإسرائيلي هي صفعات متتالية على الخد الفلسطيني والعربي، كي يصحو من غفوته، وهي أسباب موجبة لنفي أي وهم يرتجى من السياسة الإسرائيلية، التي يقتصر فهمها الفلسطيني عبر الإرشادات الأمريكية الواضحة الضمانة لا من إسرائيل، والضاغطة على الفلسطينيين لقبول الفرص الذهبية للأمر الواقع، ولغة المصالح التي يتحدث عنها كبير المفاوضين حتى صغيرهم، أيضا تقتضي قراءة صحيحة بديلة عن تقزيم الخيارات المقاومة للاحتلال. وإذا كان من غير المنطقي أن نتصور، في ظل المعطيات الملموسة، أن الخيارات المقبلة للقيادة الفلسطينية واجتماعاتها، تنفيذية أو ثورية أو حركية، لن تقف بجدية أمام عنوان المراجعة السياسية، تمهيدا لرسم سياسة بعيدة عن "مجرى المفاوضات" العبثي والكارثي، فإن على القوى والفصائل أن تتهيأ لمواجهة استحقاقات أكثر سوءا مما هي عليه اليوم.
 
فعندما تصوغ الذاكرة القاصرة للمفاوض الفلسطيني لاءاتها وشروطها وخيارها العقيم، يكون المشروع الصهيوني قد خطا نحو مزيد من ابتلاع الأرض وهي حلقة الصراع المركزية، والانشغال الدائم في استمالة المحتل واستبدال أدوات المواجهة عبر منابر الاستكانة والانتظار والقبض على ناصية القرار بالخضوع مجددا للإرادة الإسرائيلية وللإدارة الأمريكية، من خلال انتظار الموقف من واشنطن وتل أبيب.
 
والمتتبع لتصريحات القيادة الفلسطينية وطاقم المفاوضات، يلحظ مظاهر الإفلاس السياسي التي لا تقف عند حدود معينة، وإنبات جذور التضليل للشارع الفلسطيني والعربي أصبح الشغل الشاغل لعقلية اللاعقلانية للسياسي الفلسطيني، من خلال تأصيل الخيارات التفاوضية مع المحتل، والتهديد باللجوء للخيارات "الأخرى" بثوب فضفاض من العبارات المنتقاة والمتهالكة في بحر "العقلانية".
 
إن أدوات مواجهة الاحتلال الذي يصوغ تاريخا جديدا وفصلا مهما في الذاكرة الفلسطينية مع حملة العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني، قتلا وحصارا وتهويدا واستيطان، وقوانين عنصرية تستهدف الوجود الفلسطيني فوق الأرض، لا تتطلب اللهث خلف الشرعية الدولية الأسيرة لمنطق السياسة الأمريكية والإسرائيلية، بل بمواءمة كل أشكال النضال، لأن الاحتلال لا يقاوم عبر المناشدات الدولية، ولا بطلب ممارسة الضغط عليه من حليفه الاستراتيجي، لأن تكلفة المحتل للأرض والإنسان أصبحت زهيدة للغاية في ظل الانبطاح والتردي وسقوط ورقة التوت الأخيرة عن "المفاوضات" وكشف "عورة" الواقعية والعقلانية، التي تمارس سياسة مغتربة عن شعبها ومحيطها العربي، وتركل القضية والوطن خلف ظهرها.
 
تأجج التصريحات، الأخيرة للرئيس عباس، وفريقه المفاوض، في مطالبة إسرائيل والمجتمع الدولي، للالتزام بنصوص عملية السلام، مع إبقاء الخيارات التفاوضية، ستقود في نهاية الامر لتكريس سياسة الأمر الواقع، وهي تعكس البراعة الصهيونية في إدارة المفاوضات والصراع مع القيادة الفلسطينية.
 
 في معرض الرد الفلسطيني على ترسانة القوانين الإسرائيلية العنصرية، يقول السيد عريقات: يجب أن نتقن خطاب المصالح مع الولايات المتحدة، حتى يتم الضغط على إسرائيل. في حين أن خطاب الفلسطينيين والعرب لإسرائيل يخلو من أي ندية وجدية لمواجهة العدوان
 
مسائل جوهرية وإستراتيجية إسرائيلية
 
لقرع رأس كل غافل، وواهم في الساحتين الفلسطينية والعربية، يجب التركيز والتذكير بأن الحماية التي تتمتع بها إسرائيل من قبل الولايات المتحدة في رفضها للشرعية الدولية وقراراتها، هي التي تعطي إسرائيل حق التمرد على المجتمع الدولي وصياغة قوانين للقدس والجولان ولكل الأرض العربية المحتلة ولسكانها الأصليين المستند الأساسي للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، هي وثيقة التحالف بين البلدين في عهد ريغان 1982.
 
إسرائيل لم تزل هي الذخر الاستراتيجي لأمريكا واحتياطها الاستعماري في مواجهة المنطقة العربية وشعوبها. ومهما بلغت وظيفة أي نظام عربي، أو فلسطيني واستعداده لتأدية استحقاقات أمريكا في المنطقة فلن يكسب صفة البديل الاستراتيجي عن إسرائيل وإنما صفة المتمم للدور الإسرائيلي.
 
الرهان الخاسر، والوهم المتصاعد في العقلية الفلسطينية والعربية على حصول تناقض ساخن بين أمريكا وإسرائيل، هي نظرة قاتمة في العمل السياسي العربي، تستوجب الحفاظ على العقول والمبادئ والأفكار من التضليل السياسي، لإبقاء الحلقة المركزية للصراع وربطها مع السلسة المفقودة في الجيب الأمريكية الإسرائيلية وسحبها وإعادة الاعتبار للشارع الفلسطيني، والعمل بندية القرارات الإسرائيلية، أي تفعيل الرأي العام الفلسطيني، الرافض والمقاوم للعدوان الإسرائيلي كحل ومخرج من الكوارث المتلاحقة.

التعليقات