24/12/2010 - 10:40

حيرة في الشارع الفلسطيني../ ماجد كيالي

-

حيرة في الشارع الفلسطيني../ ماجد كيالي
ثمة حيرة في الشارع الفلسطيني بشأن الخيارات السبعة التي كان الرئيس محمود عباس أعلنها، لمواجهة تملص إسرائيل من عملية التسوية، وانسداد حل الدولتين.
 
منبع الحيرة يكمن في كيفية تعداد هذه الخيارات مع أن غالبيتها، إذا استثنينا اعتماد المقاومة المدنية وحل السلطة، تقع تحت إطار واحد وهو مخاطبة المجتمع الدولي (اللجنة الرباعية ومجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية)، إن بشأن اعتماد مرجعية المفاوضات، والضغط لوقف الأنشطة الاستيطانية في كامل الأراضي المحتلة (عام 1967)، أو بشأن فرض الوصاية الدولية عليها، أو دعم استصدار إعلان قيام الدولة الفلسطينية في هذه الأراضي.
 
وبمعنى أوضح فإن هذه التوجهات (على أهميتها) لاتشكل بحد ذاتها خيارا سياسيا جديدا أو مغايرا، لأنها تدخل أساسا في صميم الحركة السياسية للقيادة الفلسطينية؛ التي ظلت لعقدين تؤكد بأن لابديل عن خيار المفاوضات سوى استمرار المفاوضات، وأن "المفاوضات حياة".
 
ويجدر التذكير هنا إلى أن ثمة قرارات كثيرة صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العامة تعرّف الضفة وقطاع غزة والقدس الشرقية بكونها أراض محتلة، وترفض أي تغيير في أحوالها، كما ثمة القرار 1397، الصادر عن مجلس الأمن الدولي (2002) ويقر للفلسطينيين بحقهم بإقامة دولتهم المستقلة. والمشكلة مع هذه القرارات إنها تبقى مجرد حبر على ورق، لأنها تصدر وفق الباب السادس (غير الملزم)، أي أن لها قيمة معنوية وقانونية فقط، مايفسّر عدم مبالاة إسرائيل بها؛ وبديهي أن الوضع لن يتغير مع إضافة قرار اخر او اثنين، ضمن هذا الإطار.
 
أما بالنسبة لخيار المقاومة المدنية (الشعبية) فإن قيادة السلطة لم تهيئ بناها، ولا شعبها، لهذا الخيار منذ زمن طويل، لاسيما بعد الاستنزاف والإرهاق الذي أحاق بالفلسطينيين على خلفية عسكرة الانتفاضة، وبحكم تفشي حال الفوضى والمزاجية والتنافسية في إدارة عمليات المقاومة المسلحة، والتي طغى عليها طابع العمليات التفجيرية في المدن الاسرائلية حينها. وكانت القيادة الفلسطينية، وفي مقدمتها الرئيس أبو مازن، استنتجت من هذه التجربة المريرة والمضرة وقف أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة (وضمنه في الأراضي المحتلة عام 1967)، كما وغير المسلحة، والارتهان فقط للإستراتيجية التفاوضية؛ مايفسّر معاودة التنسيق الأمني مع إسرائيل، وإيجاد حل توافقي مع إسرائيل بشأن مجموعات "المطلوبين"، مقابل وقف عمليات الاغتيال لهم.
 
وعلى أية حال، وبغض النظر عن هذه المسألة، فإن خيار المقاومة المدنية هو خيار شعبي أصلا، ولايمكن أن يتّخذ بمجرد كبسة زر، ولا بقرار من السلطة، لاسيما أن الطبقة القيادية المسيطرة في السلطة، مشغولة بامتيازاتها، وهي حريصة كل الحرص على الحفاظ على استمرار مكانتها في هذا الواقع، وبأي ثمن (وكانت مجموعات من هذه الطبقة قامت بإضراب مؤخرا احتجاجا على قيام رئيس الوزراء سلام فياض بسحب السيارات الخاصة منهم!).
 
وعلى الأرجح فإن خيار المقاومة المدنية، أو بأية درجة كانت، هي خارج جدول أعمال الفلسطينيين اليوم، بالنظر للاستنزاف الذي لحق بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وإرهاق طاقتهم الكفاحية، وبالنظر لحال الإحباط من الخيارات التي قيدوا إليها في الفترة الماضية، من المفاوضة إلى العمليات التفجيرية، وأيضا بالنظر لضعف مصداقية القيادات السائدة (سيان في الضفة وغزة)، مع شيوع حال الفساد والانقسام وطغيان الروح السلطوية.
 
ويبقى فقط خيار حل السلطة (و"الترويح" على البيت)، الذي لوح به الرئيس أبو مازن، باعتباره الخيار الوحيد الذي تمتلكه هذه القيادة. لكن يخشى أن هذا الخيار يطرح فقط من باب التهديد والابتزاز، وكنوع من الضغط التفاوضي، وكما يستدل من تصريحات المقربين من الرئيس أبو مازن فثمة نوع من المراجعة له. والواقع، ومع أن هذا الخيار ملك لقيادة السلطة، إلا إنه عمليا يكبلها، ليس فقط بحكم اعتماديتها عليه من ناحية الموارد المالية، وإنما أيضا من ناحية ارتهانها له من ناحية الموارد السياسية أيضا. ومعلوم أن الطبقة السياسية السائدة تستمد وجودها ومكانتها وشرعيتها من كونها في السلطة (بكل تراتبيتها ومؤسساتها وامتيازاتها)؛ والأرجح أن هذا القرار لن يمر بطريقة عادية حتى لو أراد ذلك فعلا الرئيس محمود عباس.
 
فوق ذلك فإن إشهار الرئيس لهذا الخيار (حل السلطة) لم يكن موجّها لشعبه، بقدر ماكان موجها لإسرائيل والإدارة الأمريكية، وهنا مكمن ضعفه ومكمن ضعف صدقية السلطة في اتخاذ خيارات أو استراتيجيات جديدة ومغايرة. وكان المطلوب من الرئيس أبو مازن، وهو على رأس منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح (كبرى المنظمات الفلسطينية)، ومنذ زمن، أن يحسب حسابه لهذا اليوم، بحيث يهيئ ويعدّ البني والإطارات والمؤسسات الفلسطينية لخيارات سياسية ونضالية مناسبة وبديلة، ولكن هذا لم يحصل، ولا يحصل اليوم أيضا.
 
عدا عن ذلك فإن إشهار "حل السلطة" بدا وكأنه بمثابة ردة فعل مزاجية، أو "فشة خلق"، لأن المطلوب توليد إستراتيجية بديلة للعمل الفلسطيني، وينبغي التعامل مع السلطة القائمة على هذا الأساس. بمعنى انه ليس من المفترض الذهاب نحو حل السلطة تماما، فهذه السلطة يمكن أن توقف وظيفتها التفاوضية وأن تضع حدا للتنسيق الأمني مع إسرائيل، وتبقى باعتبارها الإطار الكياني الذي يدير أوضاع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، كونها تستمد شرعيتها منهم، لاسيما أن الدول الكبرى لن تسمح بانهيار السلطة تماما، كما ولن تسمح لإسرائيل بإنهائها، وهذا مايجب البناء عليه، والتعامل على أساسه.
 
ويستنتج من ذلك انه محظور على الفلسطينيين التحول من خيار متطرف وأحادي (يرتهن للمفاوضات) إلى خيار أخر متطرف وأحادي كحل السلطة، فما هكذا يتم التعاطي مع التحديات الإسرائيلية؛ بل ينبغي اشهار السلطة كتحدي يرمز للكيانية السياسية للفلسطينيين، ويرسخ نزعتهم للتحرر من الاستعمار والعنصرية.
 
مع كل ماتقدم ثمة خيارات بديلة للفلسطينيين، برغم أوضاعهم الصعبة، فثمة لديهم مايفعلونه غير المفاوضات، ثمة ضرورة لإعادة تنظيم الحالة الفلسطينية، واستنهاض الطاقات، وإعادة بناء المؤسسات والإطارات على أسس الكفاءة والمسؤولية والروح النضالية. أيضا، ثمة عمل كثير ومضني ينبغي القيام به لاستعادة الحركة الوطنية الفلسطينية لطابعها كحركة تحرر وطني ضد الاستعمارية والعنصرية والأصولية (الدينية) الصهيونية، ووضع حد لمرض السلطة والانقسام بشأن التنازع على السلطة. وثمة ضرورة لتوليد إستراتيجية سياسية ونضالية يمكن لها أن تستقطب الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، ولاسيما اللاجئين الذين باتوا وكأنهم خارج المعادلات السياسية والنضالية القائمة.

التعليقات