24/12/2010 - 11:10

قلق في لبنان وفي إسرائيل أيضا../ عبد الباري عطوان

-

قلق في لبنان وفي إسرائيل أيضا../ عبد الباري عطوان

خبير غربي في دراسات الشرق الأوسط توقف في لندن في طريق عودته إلى الولايات المتحدة بعد زيارة لبيروت وتل أبيب، تحدث في مجلس خاص مع مجموعة محدودة من الصحافيين، عن "خيبة أمل" إسرائيلية متعاظمة من تراجع حدة الصراع المذهبي في لبنان، وتضاؤل احتمالات انفجار "الحرب الأهلية"، بين أنصار الطائفتين الشيعية والسنية. وتوقع أن تشهد الأسابيع الأولى من العام الجديد تحركات أمريكية وإسرائيلية لصب الزيت مجدداً لإشعال لهيب هذا الصراع بكل الطرق والوسائل.

هناك ثلاث جبهات يمكن أن تركز عليها إسرائيل في هذا الإطار بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية:
أولاً: صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية المختصة بملف اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري المتوقع في الثلث الأخير من شهر كانون الثاني/يناير المقبل، وتوظيف هذا القرار في تأليب بعض أبناء الطائفة السنية لأنه سيوجه الاتهام إلى "حزب الله" بالوقوف خلف الجريمة.

ثانياً: توصل إسرائيل إلى صفقة مع قوات "اليونيفيل" الدولية بتولي المسؤولية في شمال قرية الغجر التي ستنسحب منها القوات الإسرائيلية، مع السماح للإسرائيليين بالتواجد في ثياب مدنية بعد الانسحاب، وما يتردد عن موافقة رئيس الجمهورية اللبناني ميشيل سليمان والسيد سعد الحريري رئيس الوزراء على هذه الصفقة، ومعارضة حزب الله لها. وهو خلاف يمكن أن يتطور وينعكس سلباً على الحكومة إذا لم يتم تطويقه بسرعة.

ثالثاً: تسخين جبهة قطاع غزة من خلال اختراقات إسرائيلية مكثفة على شكل غارات جوية، واغتيالات، يمكن أن تتطور إلى اجتياح كامل، وربما "احتلال مؤقت". ومن غير المستبعد أن يؤدي أي اجتياح إسرائيلي للقطاع الى استفزاز "حمية" حزب الله والانتصار لحلفائه في الجبهة الجنوبية الفلسطينية.

***
بعض التسريبات التي وردت في وثائق ويكيليكس، حول تورط بعض أطراف الرابع عشر من آذار في الحرب على لبنان في صيف عام 2006، وتآمرها بالصمت على الأقل أو تشجيعها بطريقة غير مباشرة، جرى استيعابها أو بالأحرى امتصاصها، ولكن الإفراج عن آلاف الوثائق الأخرى الأكثر تفصيلاً مثلما هدد جوليان اسانج صاحب الموقع في حديثه لقناة "الجزيرة" خاصة إذا ما تم الكشف عن تورط مباشر، لأطراف لبنانية داخلية أو لقوى عربية داعمة لها، فإن الوضع سيكون مختلفاً تماماً.

اللبنانيون قلقون، ويضعون أياديهم على قلوبهم، والاحتفالات الباذخة بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية ربما تكون محاولة للهروب والنسيان في الوقت نفسه، فالشيء الوحيد الذي يتفق عليه معظم اللبنانيين هو حتمية الحرب، وما يختلفون عليه هو موعدها، ولكن الإسرائيليين قلقون ايضاً، بل أكثر قلقاً من اللبنانيين أنفسهم، لانهم لم يعودوا يملكون زمام المبادرة بالكامل مثلما كان عليه الحال في الحروب السابقة.

المنطقة باتت تشهد تحولاً استراتيجياً خطيراً في الميدانين السياسي والعسكري لا تستطيع إسرائيل السيطرة عليه، أو التعاطي معه من موقع قوة. الأول يتمثل في نشوء معادلات قوة جديدة، عنوانها إيران وتركيا كقوتين معاديتين. والثاني في ميادين القتال في لبنان، وبدرجة أقل في قطاع غزة.

إسرائيل لم تعد قادرة على حسم الحروب التي تخوضها في أيام أو ساعات محدودة، مثلما كان عليه الحال في الماضي، كما أن استراتيجيتها السابقة "الصدمة والإرعاب shock and owe" فقدت فاعليتها، فحربها الأخيرة على لبنان استمرت 33 يوما، وحربها الأحدث على قطاع غزة استغرقت ثلاثة أسابيع، والحربان فشلتا فشلا ذريعا في تدمير البنى التحتية للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، بل جاءت بنتائج عكسية تماما، فاستعدادات الحركتين باتت أكثر قوة حسب التقديرات العسكرية الإسرائيلية نفسها.

إن أكثر ما تخشاه إسرائيل حاليا هو التورط في حرب استنزاف طويلة تستهدف جبهتها الداخلية، من خلال إطلاق مئات الصواريخ يوميا لعدة أسابيع، وإجبار الجيش الإسرائيلي على محاولة إخمادها بالهجوم على الأماكن التي تنطلق منها، والأمر الذي سيؤدي إلى خروجه من دروعه الطائرة أو الأرضية (الدبابات) وهنا تكمن المصيدة الأخطر التي يحاول القادة العسكريون تجنبها مثلما حدث في حربي غزة ولبنان.

الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية ظلت تركز، ومنذ حرب السادس من تشرين الأول (اكتوبر) عام 1973 على عدم خوض الحروب البرية، لتجنب وقوع خسائر كبيرة في صفوف قواتها. ولهذا لجأت دائما إلى سلاحي الجو والدبابات، ولكن هذه الاستراتيجية الهروبية من المواجهة مع رجال المقاومة لم تحقق أياً من أهدافها، وجعلت الخط البياني للقوة العسكرية الإسرائيلية المهابة في المنطقة يتجه هبوطا بعد كل حرب، موسعة أو محدودة.

إسرائيل تعودت طوال الخمسين عاما الأولى من عمر قيامها على خوض حروبها في أرض الآخرين، مثلما تعودت على مواجهة أنظمة تطلق الشعارات وليس الصواريخ على جبهتها الداخلية، الصورة الآن تغيرت لأن من يحارب إسرائيل حاليا منظمات متحررة من قيود الدولة، وتنطلق من عقيدة إسلامية تعظم الشهادة والفداء.

* * *

العنصر الجديد اللافت للنظر هذه الأيام يتلخص في خروج حركات المقاومة هذه، وخاصة في قطاع غزة من مرحلة انتظار العدوان الإسرائيلي، أو محاولة تجنبه بكل الطرق والوسائل من خلال الالتزام بالهدوء أو بالأحرى وقف إطلاق النار غير المعلن وغير المتفق عليه. فالصواريخ عادت إلى الانطلاق مجددا من قطاع غزة كرد على غارات إسرائيلية، وهذا يعني أن المقاومة الفلسطينية في القطاع لم تعد تخشى المواجهة بل تستعجلها، لإحراج النظام الرسمي العربي وفضح عوراته، واستغلال حالة الكراهية والنبذ التي تعيشها إسرائيل في أوساط حلفائها الغربيين بسبب إطلاقها رصاصة الرحمة على العملية السلمية الهزيلة.

عندما زرت لبنان قبل شهرين، التقيت أحد قادة "حزب الله" العسكريين الكبار جدا، على مائدة عشاء دعا إليها صديق مشترك، هذا القائد الكبير قال لي بالحرف الواحد "لماذا تتوقعون منا أن ننتظر العدوان الإسرائيلي دائما؟ ولماذا لا نكون نحن المبادرين باشعال فتيل الحرب إذا ما تأكدنا أنها قادمة لا محالة.. نحن قد نختار التوقيت الذي يناسبنا، ونحن مستعدون لكل الاحتمالات وسترى ذلك بعينيك والأيام بيننا".

الثقة بالنفس التي لمستها من حديث ذلك المسؤول الكبير، وهي ثقة مجبولة بالتواضع على أي حال، والتحليل العلمي الدقيق جدا للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وما يدور داخلها من مناقشات واستعدادات واحتمالات، جعلني أصل إلى قناعة راسخة بأن الحرب المقبلة إذا ما اندلعت ستكون نتائجها مختلفة كليا عن كل الحروب السابقة، ولن تكون إسرائيل هي المنتصرة فيها حتما.
 

التعليقات